عنف في ملعب تونسي ... جريمة أم مؤامرة؟

13 مايو 2023

اشتباك بين المشجعين والشرطة خلال مباراة الترجي والقبايل في رادس/تونس(29/4/2023/فرانس برس)

+ الخط -

شهدت، أخيرا، مباراة إياب الدور ربع النهائي من دوري أبطال أفريقيا بين الترجي التونسي وشبيبة القبائل الجزائري على ملعب حمادي العقربي في تونس عنفا غير مشهود في صفوف الجماهير ومع قوات الأمن، أسفر عن حوالي 82 إصابة أمنية وإيقاف 66 شخصا من المشتبه بهم في أحداث العنف، بينهم 12 سنّهم أقل من 18 عاما.

لم تكن ظروف المباراة تستدعي غضب جماهير الترجي أو الاحتجاج، خصوصا أن الفريق كان يسير نحو المرور إلى النصف النهائي وقد حقّق ذلك بالفعل، كما يعلم الشارع الرياضي ومحبّو "الترجي" أن مثل هذه الأخطاء قد تتسبّب بعقوبات قاسية على النادي، وهو ما استوجب تحذيراتٍ مسبقة وتنسيقا بين المجموعات المنظمة للجماهير المحبّة، فوحّدوا، استثنائيا، شعارات الحفل الافتتاحي (الدخلة)، رغم ما يُعرف عن الاختلافات بين هذه المجموعات، ما جعل هذه الأحداث وسياقاتها المريبة تطرح أكثر من سؤال.

العنف والاحتكاك بين الجماهير الرياضية وقوات الأمن ظاهرة متكرّرة في تونس منذ سنوات طويلة، وليست تونس حالة شاذّة في ذلك، إذا نظرنا إلى تاريخ الجماهير الرياضية في العالم وعلاقتها بالعنف والجريمة، أو الاحتجاج السياسي أيضا، انطلاقا من مجموعة الهوليكانز بإنكلترا إلى الفوسا دي ليوني والألتراس الإيطالية والبارا برافا الأرجنتينية. وفي زمن غير بعيد، قتل 79 مشجعا في ملعب بورسعيد بمصر سنة 2012 في أثناء عمليات الشغب، وقد ربط متابعون عديدون ذلك بالوضعية السياسية التي كانت في البلاد آنذاك، وأنه كان ذا صلة بالتوترات السياسية إبّان الثورة، وردّ فعل من بعض أنصار نظام حسني مبارك على جماهير الألتراس التابعة لنادي الأهلي التي كان لها دور في إزاحة الرئيس حينها.

العنف والاحتكاك بين الجماهير الرياضية وقوات الأمن ظاهرة متكرّرة في تونس منذ سنوات طويلة

كان لمدارج الملاعب التونسية دور مهم في مواجهة بوليس نظام بن علي، والتغنّي بقيم الحرية في عديد الأغاني والأهازيج، ورفض سياسة الظلم والقمع المسلطة عليهم، خصوصا إذا أدركنا أن شباب المجموعات المنظمة أو شباب "الفيراج" (المقاعد المخصّصة للجماهير الصاخبة والأقل سعرا) أغلبها من طبقات اجتماعية متوسطة وفقيرة، وتمثل عيّنة من شباب الظل الذي عرّفه عالم النفس مصطفى حجازي بالشباب المهمّش الذي يتحرّك خلف مسرح الأحداث، والذي لا يعرف النجومية أو الزائد عن اللزوم، حسب توصيف الأمم المتحدة للفئات والشعوب التي تتحرك خارج دائرة الإنتاج، وتنحصر نجوميته في مسارح الاضطراب والفوضى أوالاحتجاج.

شهدت المناسبات الكروية في تونس أحداث عنف سابقة، أسفرت عن ضحايا، مثل المرحوم عمر العبيدي مشجّع النادي الأفريقي الذي لقي حتفه غرقا سنة 2018 في وادي رادس مليان في محيط ملعب رادس في أثناء مطاردة أمنيين له ولبعض المشجعين، فكانت الحادثة فرصة لإلقاء الضوء على علاقة الجماهير الرياضية بالسلطة وبوجهها الأمني المباشر، وبضرورة التفكير الجدّي والعميق في ظاهرة العنف داخل الملاعب وأسبابها وكيفية تجاوزها، إلا أن أنظمة الحكم تختار في كل مناسبة الالتفاف على مواضيع كهذه وتهميشها بقدر تهميش أصحابها. ولكن ما حدث أخيرا داخل صفوف مشجّعي الترجي التونسي يتسم بكثير من الريبة والغموض، إذ أكّدت مصادر عديدة من شهود العيان لوسائل إعلام تراخي البوليس في تفتيش الجماهير لحظة دخولها الملعب، ومفاجأتهم بعناصر ملثمة سعت جاهدة إلى إحداث الفوضى داخل المدرجات، في تطابق مع قول الناطق باسم نقابة وحدات التدخل سابقا والمكلف في ما مضى بالإعلام في وزارة الداخلية، العميد مهدي بالشاوش، لإذاعة خاصة، إن ما حصل من تراخٍ أمني مخطّط له، إلى حد نجاح بعض الأفراد في اقتحام مخزن خلفي بالملعب واستعمال عجلة مطاطية لجرار وإشعالها في المدارج واستعمال شخص آخر منشارا آليا بهدف فتح أقفال الأبواب الفاصلة بين الجماهير وأرضية الملعب. موضحا أن هذه الجريمة تتنزل في سياق التجاذبات والانقسامات التي تعيشها وزارة الداخلية بعد استقالة الوزير السابق رضا شرف الدين وتستهدف خلفه.

لم يسبق أن انعكست صراعات أجنحة السلطة على الجماهير الكروية إلى هذا الحد

لطالما ألقت السياسة بظلالها على مدارج الملاعب في فترات مختلفة من تاريخ تونس الحديث إلى حد التداخل بين السياسي والرياضي والمالي، والرهان على الأندية ومن خلفها جماهيرها كخزانات شعبية. وتتعدّد الأمثلة في ذلك، أهمها رئاسة سليم شيبوب صهر الرئيس السابق الراحل بن علي الترجّي التونسي زمن حكم الأخير أو رئاسة السياسي سليم الرياحي النادي الأفريقي في السنوات الأخيرة، ولكن الرهان على هذه الفرق وغيرها من الجمعيات الكبيرة بألقابها وشعبيتها كان دافعا لمحاولات الاستثمار السياسي والمالي فيها، والإصغاء لمشجّعيها. ولم يسبق أن انعكست صراعات اجنحة السلطة على الجماهير الكروية إلى هذا الحد من اختلاق الفوضى، أو فلنقل تأمين الفوضى، التي كان من الممكن أن تتسبّب في كارثة بشرية حقيقية، وهو ما يؤكّد حجم التلاعب بأجهزة الدولة وأهم مؤسّساتها في تناقضٍ مع ادّعاءات سلطات الانقلاب بحمايتها لها وحفظ استقرارها وعناوينها الأخلاقوية/ الشعبوية البرّاقة.

هذه التجاذبات، و"المؤامرة المشبوهة" إن صح توصيفها، جعلت بعض مجموعات مشجّعي الترجي التونسي مثل فدائيي الترجي والزاباتيستا وألتراس المكتسحين تصدر بيانات تنديد بما حدث من عنف، وتعلق نشاطها إلى أجل غير مسمّى، تزامنا مع أسئلة وشكوك عديدة بشأن فرضية استغلال السلطة هذه الأحداث لحل مجموعات وخلايا المشجعين في سياق استهداف الانقلاب كل الوسائط والأجسام الوسيطة.

B77CBD47-937D-477E-B99D-EEE3A5A5EC3C
محمد خليل برعومي

باحث تونسي في علم الاجتماع