عندما يحرّض بومبيو مقتدى الصدر

05 ديسمبر 2020
+ الخط -

قال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، يوم 22 من الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، إن "هدف وجود الولايات المتحدة العسكري في العراق دعم حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لبناء عراق جديد"، و"إن الولايات المتحدة ستحدد لاحقاً إجراءاتها ضد الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق، وستستمر في الدفاع عن مصالحها وحلفائها في المنطقة".

ولعل تصريحات بومبيو هذه أشارت، بمدلولات مباشرة، إلى قطعية ولاء رئيس الحكومة العراقية الحالي للولايات المتحدة التي أبقت قواتها العسكرية في العراق، لحمايته ودعمه (بحسب بومبيو). كما أنه بالضرورة يمثل جزءاً من تحالفٍ شكلته واشنطن ضد إيران في المنطقة؛ بدلالة إشارة بومبيو إلى أن "الإدارة الأميركية شكلت تحالفا للتعامل مع إيران ضمن استراتيجيتها في الشرق الأوسط، لمنع طهران من زعزعة الاستقرار في المنطقة".

تابعت طهران جولة بومبيو التي شملت إقليمياً تركيا وإسرائيل والإمارات وقطر، إضافة إلى العربية السعودية، وربما تعلم الكثير من مجريات الأمور فوق الطاولة وتحتها، كما أنها تعلم حراجة الوقت المتبقي من رئاسة دونالد ترامب، ورغبته في توريث الرئيس المنتخب، جو بايدن، فوضى عارمة في الشرق الأوسط، تجبر إدارته على اتخاذ مواقف لن تكون سهلة؛ خصوصا أنها ترتبط بحلفائها وأمنهم، كما يرتبط طرفها الآخر بضرورة إيجاد حلولٍ منطقية ومقنعة لأزمة الاتفاق النووي، وأسلوب التعامل مع إيران، لإعادة الأمور إلى وضع آمن إقليمياً وعالمياً.

تصريحات بومبيو جعلتكل احتمالات التغيير في العراق قائمة

جعلت تصريحات بومبيو، إذن، كل احتمالات التغيير في العراق قائمة، فهو من خلال ما ذكره، نصاً لا ضمناً، بيّن أن مصطفى الكاظمي هو رهِان واشنطن لـ"بناء عراق جديد"، وأنها تُبقي قواتها في العراق للدفاع عنه وعن حكومته، كما أنها ستحدّد، لاحقاً، إجراءاتها ضد الفصائل المسلحة الموالية لإيران، كجزء رئيس من خطة الدفاع عن مصالحها وحلفائها في المنطقة، كما أن إيران المستهدفة من هذه التصريحات بالمجمل لن ترضى أن يكون هناك حليف للولايات المتحدة يسير بالعراق إلى حيث تريد هذه الدولة، ويقلّم أظفارها بالتدريج، وصولاً إلى مرحلة الانتخابات المبكرة فالتفويض الشعبي الرسمي المتوقع للكاظمي فيها. وقد نقلت صحيفة إطلاعات الإيرانية، في تقرير لها عن صحيفة واشنطن بوست، نهاية نوفمبر الماضي، تأكيدها أن هناك "ضغوطا أميركية على العراق للتصدّي للمقاومة". وجاء في الصحيفة الإيرانية أن "حكومة الكاظمي تواجه ضغوطا أميركية كبيرة تستهدف دفعها إلى الدخول في مواجهات مع الحشد الشعبي، وفصائل المقاومة بشكل عام، لحلها تحت مبرّرات الضرورات الأمنية وحصر السلاح بيد الدولة". 

يرغب ترامب في توريث بايدن فوضى عارمة في الشرق الأوسط، تجبر إدارته على اتخاذ مواقف لن تكون سهلة

عدم رضى إيران، وبحسب التجربتين التاريخيتين، القديمة والراهنة معها، لا يأتي من خلال تصريحات أو عمليات مباشرة، وهي في هذه المرة تعبر عنه بنزول أنصار مقتدى الصدر إلى شوارع العراق، عقِب إعلان الأخير أنه وتياره سيلعبون دوراً رئيساً في تشكيل حكومة العراق المستقبلية، وأنهم معنيون بضرورة طرد المحتلين من العراق. وكان لِزاماً على التيار، وبحسب هذه الخطة، أن يسحق مراكز التجمع للتظاهرات العراقية المطالبة بالتغيير في العراق، وتحسين مستوى الخدمات واجتثاث الفساد، والذين وصفهم مقتدى، في تغريدةٍ له على "تويتر"، في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بأنهم "في خضم التعدّي الواضح والوقح ضد (الله) ودينه ورسوله وأوليائه من قبل ثلة صبيانٍ، لا وعي لهم ولا ورع تحاول من خلاله تشويه سمعة الثوار والإصلاح والدين والمذهب، مدعومة من قوى الشر الخارجية ومن بعض الشخصيات في الداخل". 

تحوّل تبنّي الصدر مطالب انتفاضة تشرين ومساندته لها عام 2019، إلى حالة إعلان الحرب عليها

تغير الخطاب السياسي للصدريين، وتحوّل تبني مقتدى الصدر لمطالب انتفاضة تشرين ومساندته لها عام 2019، إلى حالة إعلان الحرب عليها، وعلى من ما زال مستمراً برفع شعاراتها، واعتبارهم "لا وعي لهم ولا ورع"، وأنهم "مدعومون من قوى الشر الخارجية ومن بعض الشخصيات في الداخل"، ثم الهجوم على بقايا خيام متهرئة في ساحات البصرة وبغداد والحبوبي في الناصرية التي شهدت مجزرة دموية ارتكبها أعضاء التيار الصدري بدم بارد، ذللك كله يدل على بداية التحرّك السياسي ضد مصطفى الكاظمي، لا لإسقاطه، بل لإظهار عجزه الكامل عن إدارة الدولة، وبالتالي تحميله كل الإخفاقات الحالية واللاحقة، ثم عدم خوضه الانتخابات المبكرة في كل الأحوال. ومن أجل هذا، سيشهد العراق مزيدا من المسيرات، ليس للصدريين فقط، بل أيضا لمجموعات وتيارات سياسية عراقية أخرى، تدور في الفلك المعادي للولايات المتحدة والمؤيد أو غير المعارض للنفوذ الإيراني في بلادهم.

لقد جيّشَ وزير الخارجية الأميركي، بومبيو، كل أتباع إيران في العراق وسواهم، ضد رئيس حكومة العراق مصطفى الكاظمي، ودفع تيارات شديدة الولاء لإيران، شديدة العداء لواشنطن، إلى أن تبدأ بقوةٍ وشغف حراكها من أجل تحجيم تحرّكات الكاظمي ومحاولاته لإصلاح الأوضاع الأمنية في بلاده، مع كشف الفاسدين ومحاسبتهم. ولعل مقتدى الصدر لم يكن بعيداً عن هذا الهدف، حين غرّد "أجد من المصلحة الملحة الإسراع بترميم البيت الشيعي، من خلال اجتماعات مكثفة لكتابة ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي".

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن