جعجع وتاريخ لبنان

جعجع وتاريخ لبنان

05 ابريل 2014
+ الخط -

يقول جورج عدوان، وهو نائب من "القوات اللبنانية"، إن إِعلان ترشيح سمير جعجع للرئاسة سيشكل "مفترقاً مهماً في تاريخ لبنان"، وإذ تنتسب عبارته هذه إلى ولع أَهل السياسة، في هذا البلد، بالكلام الكبير، وكيفما اتفق غالباً، فإن صواباً غير قليل فيها. وإنْ سبق أَن شهد التاريخ المتحدث عنه رئاسة أستاذٍ ملهمٍ لجعجع، اسمه بشير الجميل، لبنان، وإِنْ أَياماً، قبل أن يقضي مقتولاً، وكانت تلك الوقائع مفترقاً مهماً، وإِنْ من صنفٍ لا ينتظره عدوان. لكن، ثمّة خلل كبير في العبارة، الأشبه بأهزوجةٍ سياسية، في أَنها تفترض للبنان تاريخاً، ميسورٌ اتفاق اللبنانيين على المهم وغير المهم، والمفترق وغير المفترق، فيه.
خيضت ثرثراتٌ مضجرة، بشأن اتفاق الطائف الذي لا مشكلة  منهجيةً (أَو تاريخية؟)، في القول إنه أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، غير أنَّ بنداً فيه لم يكترث به الأساطين من "الأفرقاء" اللبنانيين غير القليلين، ينصُّ على "توحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية"، في المدارس. ولم يكن التأشير إِلى وجوب هذا الأمر في الاتفاق العتيد تزيّداً، واسترسالاً، وإِنما تأكيداً على حضور مشكلةٍ كبرى في بلدٍ، طالما قيل إنَّ سياسييه لم يعرفوا قيمته، موجزها أَن لكل طائفةٍ، أو جناح في طائفة، تاريخاً يتعلمه التلاميذ المنتسبون إليها وإليه، فيما غيرهم يدرسون تاريخاً مختلفاً. ويدرك اللبنانيون، المتنازعون في السلم، كما في الحرب الأهلية التي سبقتها كتب مدرسية حرة للتاريخ (!)، أَن تعليم التاريخ مسألةٌ سياسيةٌ في غاية الحساسية والخطورة. ولأَنها كذلك، تشكلت لجانٌ مختصة، صاغت كتباً مدرسيةً موحدة، تم توقف تعليمها بعد انتقاداتٍ ومؤاخذات، إِلى أن خلصت لجنةٌ في عام 2005 إِلى صياغة توصياتٍ لإنجاز كتب موحدة، لم تصدر بعد.
أَنْ يصير سمير جعجع رئيساً للبنان يعني أَنَّ إنجازاً وطنياً كبيراً سيتحقق للبلاد، بحسب لبنانيين، وكارثة وطنية كبرى ستصير، بحسب لبنانيين آخرين. تماماً، كما كانت رئاسة بشير الجميل، بفعلٍ إِسرائيلي شديد الوضوح في صيف 1982 نقطةً سوداء وبيضاء، على حسب الهوى والنزوع السياسي. وفي البال أَن الدولة اللبنانية أصدرت طابعاً بريدياً يحمل صورة الرجل الذي يحسن التسجيل، هنا، أَن إِنهاء رئاسته تلك كان فعلاً مضيئاً، لأنه ذهب بعيداً في المحرّم الإسرائيلي المعلوم.
بعيداً عن نكاية أُنسي الحاج، وغير الموفقة، في كتابته قبل أَسابيع من رحيله، إِنَّ لبنان يحتاج رئيساً من طراز بشير الجميل، يجوز تخمين أَن لبنان، في السجال، الراهن فيه، بشأن الرئاسة الأولى، يتورط في ما هو غير مسبوقٍ حقاً في تاريخه، غير المتفق على روايته. فالمعهود أَنَّ الحصة الأثقل في اختيار من يلزم التصويت لرئاسته الجمهورية، في مجلس النواب اللبناني، كانت للخارج. منذ كان جمال عبد الناصر رقماً حيوياً في ترئيس هذا أو ذاك، مروراً بمقادير من صلةٍ لياسر عرفات في الأمر، وصولاً إلى حصر القصة، سنواتٍ، لدى حافظ الأسد ونجله، وإِنْ بتفاهماتٍ مع الرياض وواشنطن، لازمةٍ غالباً، غير أن الانكشاف الجديد الذي يتعرّى فيه لبنان، الآن، من المظلة السورية البعثية إياها، يجعله يتأرجح بين نفوذٍ، ما ينفكُّ يزيد لحزب الله، ونفوذٍ يشتهيه سعد الحريري وسمير جعجع، يفتش عن مسانديه في باريس وواشنطن.
لا تأتي كتبُ التاريخ، المتنوعة، التي يدرسها التلاميذ اللبنانيون، على شيء من هذا الإيجاز، غير أَن التاريخ نفسه دوّن تفاصيل المحطات الناصرية والسعودية والسورية والأميركية والفرنسية، في (انتخاب) رؤساء لبنان. ونظن أَن جعجع سيتعب في الأسابيع المقبلة، لتزبيط ترشيحه ونجاحه للسكنى في قصر بعبدا. ونظنه سيخفق، ليس لأنَّ ذلك ما نتمنى، بل لأن مناكفته ميشال عون لا تكفي، ولأَن سجله الجنائي لا يساعده، وقبل ذلك وبعده، لأن تفاهماً أميركياً إيرانياً، غير معلن، قد يحسم الموضوع.
      

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.