تبادل أعضاء

07 اغسطس 2021
+ الخط -

يقال إن إسرائيل تشعر، للمرّة الأولى، بالغبن في صفقة "تبادل الأعضاء البشرية" مع الإمارات التي وقعت بين الطرفين أخيرا.

لا أدري صحة ما يشاع، غير أن الأنباء الراشحة تفيد بأن المسؤولين الإسرائيليين يضربون رؤوسهم بالحيطان، ويتبادلون اللوم والشتائم في ما بينهم، ويتساءلون كيف تورّطوا بتوقيع صفقة خاسرة من هذا القبيل، وأين ذهب عقلهم "المرابي" الذي يعرف جيدًا كيف يجيّر "المفاوضات" لصالحه، بدءّا بقيراط اللحم الذي اشترطه شيلوك سدادًا لدينه، وليس انتهاء بمفاوضات "السلام" التي جرّدت المفاوض الفلسطيني من سرواله الداخلي.

لكن، وللإنصاف، فكّرت إسرائيل بهذه الصفقة، تحديدًا، وحاولت أن تُعمل كل خبراتها التجارية لمعرفة السر وراء إصرار الإمارات على تدشين التعاون الذي يفترض أن يتلو مرحلة ما بعد توقيع اتفاقية السلام بين الطرفين بهذه الاتفاقية حصرًا.

حاولت إسرائيل، من جهتها، أن تقنع الإمارات بأن ثمّة أولويات تفوق "الأعضاء البشرية" أهمية، خصوصًا وأنها تدرك أن ثمّة فائضًا مهولًا من هذه الأعضاء في العالم العربي التي تمخضت عن حروبٍ أهليةٍ عديدةٍ في الآونة الأخيرة، أو نتيجة المجازر الجماعية التي أصبحت عادة يومية للأنظمة الحاكمة، أو حتى من المعتقلين المرشّحين للموت في المعتقلات والزنازين. هذا كله وأكثر يعدّ "بنكًا" لا ينضب من الأعضاء التي يمكن للإمارات أن تستوردها بفائض ثرواتها، خصوصًا من بلدان الربيع العربي التي أسهمت هي بمجازرها عندما انقضّت على ثوراتها وصناديق انتخابها.

تقدّمت إسرائيل، في البداية، برزمةٍ من الاتفاقيات المقترحة لتعزيز "السلام" مع الإمارات، كان في مقدمتها التعاون العسكري لمحاصرة إيران، فضلا عن اتفاقياتٍ تجاريةٍ أخرى، الهدف منها دعم الاقتصاد الإسرائيلي، وتفريغ مصنوعاتها ومنتوجاتها المتكدّسة في مخازنها، ولا بأس أيضا بالتعاون الاستخباري والاستفادة من تكنولوجيات التجسّس الإلكتروني التي تبرع فيها الشركات الإسرائيلية، على الرغم من أن هذا التعاون كان قد سبق اتفاقية التطبيع بأمد بعيد، فقد كان ثمّة تعاقدات سرية للتجسّس على مسؤولين ومعارضين وصحفيين وحتى دول بأكملها، لصالح المكائد التي تحاك في أبوظبي، غير أن المسؤولين الإماراتيين كان يجيبون، بلباقة، إن كل هذه الصفقات المقترحة ستدمغ حتمًا بتوقيعها، لكن المهم أن يبدأ التعاون بصفقة "تبادل الأعضاء البشرية" أولًا.

الأغرب من هذا وذاك أن إسرائيل طلبت مهلة لدراسة مشروع الصفقة، بعد أن اشتدّت ريبتها وشكوكها، لكنها عادت ووقعت، خشية ربما، من أن يذهب لعابها القاطر على الثروات الإماراتية سدى، سيما وأن الإمارات أعلنت عزمها استثمار عشرة مليارات دولار في إسرائيل، وهو مبلغ لم تحلم به أي دولة عربية فقيرة منذ ما قبل استقلالها.

حاصل القول، كانت خشية إسرائيل الحقيقية، في البداية، أن تطلب الإمارات أعضاء بشرية معينة تعدّ خطًّا أحمر بالنسبة لإسرائيل، مثل "الأدمغة"، ما يعني أن الإمارات تخطّط للظفر بأسرار التفوق، لا بالمنتجات المتمخّضة عنه. وفي المقابل، لن تستفيد إسرائيل إن استوردت أدمغة "غير مستعملة"، أي إن الصفقة ستكون خاسرة بالتأكيد.

اعتقدت إسرائيل، أيضًا، أن الإمارات تطمح للحصول على أعضاء الشهداء المكدّسين في الثلاجات الإسرائيلية ممن ترفض تسليمهم لذويهم، غير أن بعض العارفين منهم استبعد الأمر، لأنه يعلم جيدًا استحالة تقبل عضو الشهيد إلى جسد من يفرّط بالقدس ويعاون المحتل على الشقيق، فضلًا عن أن إسرائيل نفسها لم تنته بعد من تشريح أرواح تلك الجثامين لتعرف السرّ الكامن وراء تصميم شعب الداخل الفلسطيني على المقاومة حتى النهاية.

عمومًا، بعد أن أعيتها التساؤلات بشأن ما سوف تطلبه الإمارات من أعضاء بشرية، أوكلت إسرائيل أمرها للزمن، إلى أن وردتها "طلبية" أجساد كاملة، مع ملاحظة صغيرة مفادها: "بعد أن تقمّصنا الفكرة الصهيونية ذاتها، لم يعد ينقصنا غير الأجساد التي تحمل الفكرة".

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.