انتصرت حماس فماذا بعد

انتصرت حماس فماذا بعد

25 نوفمبر 2023
+ الخط -

انتصرت المقاومة الفلسطينية، رغم ثرثرة الحكومة الإسرائيلية التي يحاول رئيسُها التغطية على ذلك، بالاستمرار في الوعيد للظهور في صورة البطل المزيّف. انتصار بطعم فيه قدر كبير من المرارة، نظرا إلى حجم الخسائر في الأرواح وهدم البيوت على ساكنيها. ولكن، على الرغم من وحشيته، فشل العدو في تحقيق أهدافه التي برّر بها الحرب على غزّة، كما عجز عن تركيع الغزّيين وتهجيرهم خارج وطنهم، أو التمرّد على المقاومة بتحميلها مسؤولية هذا الدمار الكبير.

قد يتساءل بعضهم عن مدى صحّة الحديث عن لحظة انتصار، في حين أن العدو متمادٍ في عدوانه، يواصل اغتيالاته قادة "حماس" في الخارج، ويستمر في قتل المدنيين واعتقالهم. والجواب على ذلك أن الحدث الأهم هو رضوخ نتنياهو وحكومته للتفاوض مع "حماس" وقبوله على مضض بهدنة إنسانية، كان رافضا لها. فعل ذلك، بعد أن خسر كل أوراقه، لم يقض على "حماس"، ولم يُضعف قدراتها الهجومية والدفاعية. تلوّثت صورة إسرائيل في العالم، وعزلت دوليا، واضطر حلفاؤها أن يضغطوا عليها لوقف الحرب، رغم علمهم بأن حليفهم السياسي ورّطهم وهو يمرّ بورطة أكبر قد تُفضي به إلى الاستقالة مكرها، قبل أن يبدأ التحقيق معه والحكم عليه بالسجن.

لأول مرّة، يتذوق الفلسطينيون والعرب نصرا حقيقيا منذ انتهاء مرحلة الاستعمار المباشر، وحصول معظم دول المنطقة على استقلالها، فمع الإعلان عن الهدنة، بدأت جميع الأطراف تتهيّأ للتكيّف مع المرحلة الجديدة. أول هذه الأطراف المجتمع الإسرائيلي الذي رغم قدرته على تجاوز خلافاته خلال الحرب، خوفا على الدولة، وتمسّكا بالمشروع الصهيوني، فإن معاركه الداخلية ستحتدّ في المرحلة المقبلة، بشكل غير مسبوق، بعد انهيار "ثوابت" عديدة، قام عليها حلمهم الجماعي، بعد انقراض جيل المؤسّسين للصهيونية. يتوقّع كثيرون من النخبة الإسرائيلية أن القادم سيكون أصعب وأسوأ.

بالنسبة للساحة الفلسطينية، سيغيّرها الانتصار جوهريا. انتهت الحقبة السابقة برموزها ومشاريعها المنهارة. هناك أملٌ جديدٌ فتحته المقاومة التي تعلمت كثيرا من دروس الماضي. أصبح كل شيء واضحا. لن يُبنى سلام مع مخادعين يعملون على تصفية الوجود الفلسطيني بجميع مقوّماته. الحاجة ملحّة لقيادةٍ تنظر إلى بعيد، وتُحسن التعامل مع كل الطيف الفلسطيني، توحّد ولا تفرّق، ترغب ولا تهدّد، تتواضع ولا تسيطر، تخطّط ولا تُغامر. فبعد التوجّه نحو تعمير ما تهدّم، والتصدّي بقوة للسياج الأمني الذي تنوي إسرائيل أن تطوّق به مدينة غزّة يجب العمل بحنكةٍ وصبرٍ على إنهاء القطيعة القائمة بين الضفّة الغربية والقطاع. هناك حاجة ملحّة لقيام ديمقراطية حقيقية تستجيب لاحتياجات الشعب الفلسطيني وخصوصياته وأولوياته ومكوّناته، وهي خطوة إستراتيجية ضرورية لتوحيد الجسم الفلسطيني، ووضع حدّ لحالة التشتّت والضياع. مهمة صعبة ومعقّدة، تحتاج صبرا وذكاءً كثيرين، فتقديم حركة حماس سجناء حركة فتح وبقية الفصائل على حساب سجنائها ضمن عملية التبادل يمثل مقدّمة هامة لتفاهماتٍ مقبلة، فهل من أملٍ في أن يدرك الحرس القديم أن المرحلة تغيّرت، وأن هذا التغيير شمل موازين القوى والاستراتيجيا والأولويات؟ الأرض غير الأرض والزمان غير الزمان.

أما الأنظمة العربية، خصوصا المحيطة بغزّة، فكثير منها فاجأته هذه النهاية. ظنّ كثير منها بأن هذه الحرب ستكون آخر الحروب الفلسطينية، وافترضوا نهاية مختلفة: القضاء على "حماس" والتخلّص من القضية. لهذا السبب، لم يتحرّكوا بشكل جدّي من أجل تقديم دعم حقيقي لأهل غزّة، واكتفوا بموقع الشاهد الشامت.

الآن، ماذا ستفعل هذه الأنظمة مع حركة إسلامية قادت حربا وانتصرت فيها؟ انتصار سيعيد الأمل والحياة لحركات الإسلام السياسي التي انهزمت في المنطقة، أو ضربتها الأنظمة بقوة. وهذا تحدّ آخر ستواجهه المقاومة الفلسطينية في مستقبل الأيام. هي من طينة والآخرون من طينةٍ مختلفة.

أخيرا مبروك "لشعب" غزّة هذا الانتصار، فلولا صبرك وتضحياتك الضخمة وتلك الدماء السخية التي نزفت من الأطفال والنساء، لما تحقّق هذا الانتصار. أظهرت إيمانا مختلفا عن إيماننا، وصبرا مغايرا لصبرنا، وهو ما جعل شعوب الأرض تردّد بصوت واحد "الحرية لفلسطين".

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس