الخطر الصيني على العرب

الخطر الصيني على العرب

23 مارس 2021
+ الخط -

لم يساعد انخراط الدول العربية، حتى الساعة، في خطة "الطريق والحزام" الصينية، إلا قليلاً، وبشكل غير مؤثر تنموياً، على تطوير صناعات وطنية عربية، تستخدم المواد الخام العربية والتكنولوجيا الصينية الحديثة، بحيث تكون رافداً مهماً للاقتصادات العربية. والصين لا تساعد الدول الأخرى، ما لم تفكر تلك الدول في مساعدة أنفسها، عبر استثمار الحاجات الصينية السياسية والتجارية.
بكلمات أخرى، ما لم يمتلك العرب خطة استراتيجية تضغط على الصين، فإن الصين ستواصل سياستها في تمهيد الطريق لبيع منتجاتها في كل أرجاء العالم، بالسيطرة على طرق النقل والموانئ والأسواق العالمية، من دون أن تقدم لتلك الدول، في المقابل، ما يستفزّ القوى الدولية التقليدية التي لا ترغب في تحوّل الدول النامية إلى دول صناعية.
تفضّل الصين، إذن، الحصول على أكبر مكاسب تجارية ممكنة في العالم، من دون الظهور بمظهر من يسعى إلى تغيير موازين القوى، خصوصاً في المناطق الساخنة، ومنها الشرق الأوسط، وتضع في اعتبارها أن إنجاز أهدافها الاستراتيجية سيكون أكثر سهولةً من دون إثارة حفيظة الولايات المتحدة والقوى الكبرى. .. هل يمكن لعاقل أن يتوقع غير ذلك؟ هذا هو السلوك الطبيعي لأي قوة صاعدة. مشكلتنا إذن فينا نحن: أننا لا نمتلك خطة.

إصرار الصين على التركيز على البعد التجاري الحكومي في علاقتها مع الدول العربية يقود إلى شيوع تلك النظرة السلبية تجاهها خلال السنوات القليلة المقبلة

على الجانب الآخر، عانت سمعة الصين كثيراً في المنطقة العربية خلال العامين الأخيرين، لسببين، ثانيهما نسبة ظهور فيروس كوفيد 19 وانتشاره إلى الصين. أما أولهما وأكثرهما أهمية فهو قضية قومية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ (شمال غرب). في الحقيقة، يؤيد عرب كثيرون رواية أن الصين مارست اضطهاداً عرقياً تجاه هذه القومية، لكونها قومية مسلمة، ولا يوافقون على أن أهدافا سياسية أو انفصالية جرت في الإقليم. عند هذا الحال، يكون سهلاً انتشار نظرة سلبية تجاه الصين بين الشعوب العربية، تحطّم جهوداً هائلة قامت بها حكومة بكين على المستويين، الاقتصادي والثقافي، لرسم صورة إيجابية لها في العالم، بما في ذلك في المنطقة العربية.
وهذا يعني أن إصرار الصين على التركيز على البعد التجاري الحكومي في علاقتها مع الدول العربية، عوضاً عن البعد التنموي الذي يُفترض أن توفّره شراكة اقتصادية حقيقية بين الطرفين، سيقود إلى شيوع تلك النظرة السلبية تجاهها خلال السنوات القليلة المقبلة، والتي قوامها أن الصين تمثل خطراً على العالم العربي، ولا تهتم بغير مصالحها المباشرة، تماماً كما تمثل القوى الدولية الأخرى ذات المصالح "الإمبريالية"، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
من فائض القول التذكير بأن العلاقة المطلوبة بين الطرفين، كي تحقق فكرة "الربح المشترك" بينهما، لا ربح طرف واحد منهما وحسب، إنما تختصرها عبارة من ثلاث كلمات: "النفط مقابل التكنولوجيا". إذ ما تزال الدول العربية على قائمة أكثر الدول تصديراً للنفط إلى الصين، وهي المادة التي تحتاج الصين استيرادها لاستمرار نموّها. وعلى الرغم من تصدّر روسيا تلك القائمة في السنوات الأخيرة، وتوجه الصين إلى استيراد كميات كبيرة من النفط من الولايات المتحدة خلال الشهور الأخيرة، فإن السعودية والعراق ما يزالان من كبار مورّدي النفط إلى الصين، وهذا يعني أنه يمكن للعرب إقامة شراكات استراتيجية مع الصين، يحصلون فيها على تكنولوجيا صناعية متقدّمة، مقابل تلبية حاجاتها المتزايدة من النفط. ولن تتغيّر نظرة الشعوب العربية إلى الصين، ما لم ينعكس الحضور الصيني في الدول العربية إيجابياً على حياة الناس، من خلال استثمارات صناعية تنقل التكنولوجيا، وتوفر فرص عمل، لكن هذا لن يحصل ما لم يصرّ عليه العرب.

التركيز يجب أن يكون على النتائج التي تخدم المشروع الوطني النهضوي، لا على الأيديولوجيات وممارساتها

بالطبع، لا تجري العلاقات الصينية العربية في الفراغ، بل في منظومة علاقات دولية تعتبر فيها الولايات المتحدة اللاعب الأول. والعرب معنيون بإرضاء أميركا قبل إرضاء شعوبهم أو تنمية بلدانهم. وأميركا لا تريد للعلاقات العربية الصينية أن تأخذ ذلك المنحى التنموي، لأنه سيغير موازين القوى في الشرق الأوسط، وكذلك موازين القوى المالية في العالم ضد مصلحة الدولار. وهذا معناه أننا مستسلمون في خططنا الاستراتيجية، إن وجدت، للقدر الأميركي، وأن الصين تحسب حسابه، لا خشية من أميركا، بل كي لا يؤثر سلباً على نموها الاقتصادي المتسارع.
هل يريد الطرفان، الصيني والعربي، شراكة استراتيجية إذن؟ يبدو أن ذلك ليس صحيحاً، مع أنه في مصلحة الطرفين. تبدو الصين مكتفية بشراء النفط العربي، وتوسيع أسواقها في المنطقة العربية، والعرب يكتفون بالعائدات التجارية، ويواصلون التحالف السياسي مع الولايات المتحدة. إنه واقع محبط على مستوى متّخذي القرار، والأسوأ منه أن صورة الصين تضرّرت في المنطقة العربية، ما يعني أن التحالف الاقتصادي معها لن يكون، على المدى القريب، مطلباً شعبياً عربياً. وهذا في المحصلة يفوّت على العرب فرصة تاريخية جديدة لـ"مصاحبة حضارية" مع الصين، يمكنها أن تنتشلنا من التخلف الحضاري الذي نعيشه.
يثير الحنق هؤلاء العرب الذين يهتمون بطبيعة نظام الحكم في الصين أكثر من اهتمامهم بالتفكير في كيفية الاستفادة من الصعود الصيني لحل أزمتنا الحضارية العميقة التي تتجلى على شكل تخلّف صناعي واجتماعي، وهزائم عسكرية وسياسية. هب، يا أخي، أن الصين باتت دولة ديمقراطية على الطريقة الغربية، هل لأحد أن يقول لنا بعد ذلك ما خطّته للخروج من بئر التخلف هذا الذي يحاصرنا؟! أهم ما يستخرجه عاقل من تجربة النجاح الوطني الصيني أن التركيز يجب أن يكون على النتائج التي تخدم المشروع الوطني النهضوي، لا على الأيديولوجيات وممارساتها.

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.