الأسد ودي ميستورا.. صورة تذكارية

الأسد ودي ميستورا.. صورة تذكارية

19 سبتمبر 2014

الأسد ودي ميستورا في دمشق (سانا)

+ الخط -

حضر المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، إلى دمشق، والتقى بشار الأسد، وتبادلا الأحاديث الودية. وكالعادة، أُخذت لهما صورةٌ تذكارية، نشرتها وكالة "سانا" للأنباء، مع نص تصريح مقتضب للأسد، يقول فيه ما معناه إن النظام السوري يرحب بهذا المبعوث الدولي الجديد، ويتمنى له إقامة سعيدة في ربوع القطر العربي السوري، ويسأل الله تعالى أن يوفقه لتحقيق الهدف الأساسي الذي تشترك فيه دول العالم كلها مع نظام بشار الأسد، وهو: مكافحة الإرهاب! 

السيد ستيفان دي ميستورا، من جهته، قَدَّمَ للسوريين تصريحاً نارياً، ركّز فيه على ضرورة مواجهة الجماعات الإرهابية، على أن يترافق ذلك مع حلولٍ سياسية جامعة للأزمة السورية!

يعتقد قسم لا يستهان به من السوريين، وأنا منهم، أن الأخ دي ميستورا سوف يتلهى، في الفترة المقبلة، بإطلاق تصريحات متناثرة، وسيحاول الوصول إلى مقترحات محددةٍ، الغايةُ منها إيجاد حل سياسي للقضية السورية، لن يصغي إليها أحدٌ بالطبع، دواليك حتى يحين موعد استقالته، ليعقد بعدها، مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع رئيس الأمم المتحدة (القلق) بان كي مون، الذي سيشكره على جهوده المخلصة، وعدم تقصيره في أداء المهمة التي أوكلت إليه، ويودعه بحفاوة، وينام على إثرها عدة أشهر، وحينما يستيقظ يرسل إلينا مندوباً جديداً، يشهد فصلاً جديداً من عملية الإبادة الجماعية للشعب السوري التي ينفذها طاقم نظام وريث حافظ الأسد،... وربما ينجح- قبل أن يستقيل- في تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن، وتسليمه لقمة سائغة للفيتو الروسي الصيني!

حينما قررت جامعةُ الدول العربية، في بداية الأحداث (2011)، إرسال فريق من المراقبين العرب إلى سورية، استبشرنا، نحن السوريين، خيراً، وقلنا لأشقائنا:

- أي والله، والنعم منكم ومِنَ الذين خلفوكم!

وقلنا لأنفسنا: الآن تحررنا، وما عاد النظام السوري قادراً على صف الأكاذيب بعضها بجوار بعض، مثلما يصفُّ "الحَلَوَاني" صواني الحلويات لعرضها للبيع، فهؤلاء الأشقاء سيكشفون أكاذيبه، وينشرونها على الملأ، وعلينا أن نساعدهم في ذلك. لذا، هرعنا، نحن المواطنين الثائرين على النظام لمساعدتهم.

مثلاً، كنا نذهب، نحن ثوار وناشطي مدينة إدلب، إلى حيث كانت تجتمع لجنة المراقبة العربية في حي بستان غنوم، علناً، أمام أعين رجال المخابرات الذين كانوا يقفون في سياراتهم أمام الصالة، بحجة حماية المراقبين من الإرهابيين، ويسجلون أسماءنا، مضمرين أن يلعنوا سنسفيل أجدادنا، حينما تولّي اللجنة المذكورة الأدبار، وتفرنقع!

وذهب بعضُنا في جرأته، وتحديه نظام آل الأسد أبعدَ من ذلك بكثير، إذ عرضوا على أعضاء اللجنة أن يرافقوهم إلى قرى جبل الزاوية، ويتيحوا لهم أن يروا، بالعين المجردة، كيف تُطَوِّقُ الآلياتُ الثقيلةُ والمدافعُ وراجماتُ الصواريخ القرى والبلدات، بعكس مزاعم النظام بأنه أعادها إلى ثكناتها، تنفيذاً للمبادرة العربية، وقد وصلوا القول بالفعل. رافقوا اللجنة، وعادوا، في اليوم التالي، وقد تورمت وجوههم، وامتلأت أجسادُهم بالكدمات، لأنهم، على ما رووا لنا، صحبوا اللجنة إلى أقبية ومحافر ترابية، مكتظة بالأسلحة الثقيلة، وبدأوا تصويرها من أجل التوثيق، ليتلقفهم ضباطُ جيشنا العربي السوري الباسل، ويبدأوا لكمهم ورفسهم بالأيدي والأرجل على طريقة البغال الشموسة.  

وذهبتْ اللجنة العربية من حيث أتت، وبدلاً من اللواء محمد الدابي، جاء كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق، والذي وضع أسس "جنيف 1" ذات النقاط الست، فلم يكترث بها النظام الذي كان قد تخلص من رقابة الأشقاء العرب، وصار يقصف الناس من الأرض والجو (وفي الرمل الجنوبي والسكنتوري باللاذقية: من البحر)، واستقال عنان، بعد أن عاين الفيتوهات الروسية الصينية عن كثب، وأيقن أن لا حل لهذه القضية، وتشرفنا بعد ذلك بحضور الأخضر الإبراهيمي الذي اتخذ من "دراويش الملاخانة" قدوةً، إذ صار يفتل على كعبه من بلد إلى بلد، ومن دولة إلى دولة، حتى استطاع إقناع أميركا وروسيا بعقد مؤتمر جنيف 2، على أساس نقاط زميله كوفي عنان الست. وكان النظام قد تلقى، في تلك الفترة، إمدادات بشرية وعسكرية من الميليشيات اللبنانية والعراقية والإيرانية المتطرفة، وضرب الغوطة الشرقية بالكيماوي، وحقق انتصارات على (الشعب الإرهابي)، ما أهله لأن يُفْشِلَ جنيف 2، ويعود إلى متابعة إلقاء البراميل فوق رؤوس الناس.

النظام السوري يعرف، يا عزيزنا دي ميستورا، حق المعرفة، أن صفقة تسليم الكيماوي أمدت في عمره إلى أجل غير مسمى، وكان يأمل أن تنجيه من السقوط نهائياً، لكن هذا الحلم أُحبط فعلاً، فها هم أولاء الأميركان يرفضون مشاركته في حربهم على داعش، يعني وكأنهم يرفضون إعادة تأهيله، وها هو مستمر في توجيه الدعوات لمن يشاء أن يشاركه في قصف أراضيه التي لا يزال يقصفها منذ ثلاث سنوات، من دون جدوى.

تقول إن محاربة الإرهاب يجب أن تترافق مع حلول سياسية جامعة للأزمة السورية؟

يا ليت.

وإن جل ما نخشاه أن تخرج من هذه المهمة بالصورة التي التقطها مصورُ وكالة "سانا" لك ولبشار الأسد في يوم الزيارة، باعتبار أنها صورة (جامعة).

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...