استطلاع المركز العربي وفلسطين قضية العرب

استطلاع المركز العربي وفلسطين قضية العرب

15 يناير 2024
+ الخط -

نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة الدراسات، أخيراً، نتائج استطلاع أجراه بين 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023 و5 يناير/ كانون الثاني 2024. تركّزت أسئلته حول قضايا كثيرة، وموجهة إلى عيّنة تمثيلية للرأي العام العربي، وصِيغت الأجوبة في نسبٍ إحصائية. شملت العينة، وهي من 16 دولة عربية، ثمانية آلاف شخص، وغابت سورية عنه. أظهرت أجوبة المُستطلعين توجهات أكثر من 95% من العرب؛ فقد تمحورت الأسئلة تجاه الحرب على غزّة، وتجاه مواقف القوى الإقليمية والعالمية ونحو القضية الفلسطينية، وآراء الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو الظروف التي يمرّون فيها.
تحاول هذه المقالة مناقشة الرأي العام العربي بشأن القضية الفلسطينية، ونضع بعض الاستنتاجات. لقد تبيّن أن هناك إجماعاً عربيّاً حولها، وأنّها قضية العرب وليست قضية الفلسطينيين فقط، وبنسبة 92%، وهذا عكس آراء أغلبية المتشائمين العرب والمهزومين الذين يقولون إن هذه القضية تخصّ الفلسطينيين فقط، ورأيهم هذا لم يحرز سوى 6%، ويرون أنّ على الفلسطينيين أن يجدوا حلّاً لها بأنفسهم!
يستحقّ الموضوع الوقوف عند الأرقام، ونتائج الاستطلاع مرتبطة بالعدوان على غزّة، وتزايد المشاعر العربية المؤيدة للفلسطينيين، ولكن الأرقام تناولت الآراء ما قبل العدوان، بين نهاية عام 2022 والآن، و92% أعلى نسبة تأييد منذ 2011. لنتأمل في الأرقام؛ اعتبر السودانيون أن فلسطين قضية العرب بنسبة 76% في 2022، بينما النسبة حالياً 91% وكانت النسبة في المغرب 59% ثم صارت 95%، وفي مصر كانت 75% وصار 94%، وفي السعودية كانت النسبة 69% وأصبحت 95%. وتفيد دلالة هذه الأرقام، بوضوحٍ شديدٍ، بأن القضية الفلسطينية لم تكن هامشية من قبل، واستعادت أخيراً مكانتها الطبيعية، باعتبار فلسطين جزءاً من العالم العربي، والعدوان على غزّة هو عدوان على العرب أيضاً.

يرفض 89% من الرأي العام العربي اعتراف الدول العربية بالدولة الصهيونية مقابل 4% فقط يوافقون على ذلك

وهناك أسئلة عن التطبيع، إذ إن نسبة تأييده مع الدولة الصهيونية تقلّصت بشكلٍ كبير، وهي، في كل الأحوال، لم تكن في الأصل نسبة كبيرة، ولكن، ربما استغَلت أنظمة التطبيع، القديمة، والإبراهيمية، اليأس والإحباط والقمع، لإجراء تلك الاتفاقيات المذلّة. والآن، وبعد طوفان الأقصى، ووفق نتائج الاستطلاع، ستُعيد تلك الدول حساباتها بشكلٍ كبير؛ أو هذا ما يُفترض. يرفض 89% من الرأي العام العربي اعتراف الدول العربية بالدولة الصهيونية مقابل 4% فقط يوافقون على ذلك، وفي 2022، كانت نسبة الرفض 84%، ارتفعت في السعودية من 38% إلى 68%، وفي السودان من 72% إلى 81% وفي المغرب كانت 67% وصارت 78%. وهكذا أصبحت في 2024. إذاً، الرأي العام العربي رافض بالأصل اتفاقيات السلام والتطبيع مع الدولة الصهيونية، وجاءت عملية طوفان الأقصى والهمجية الصهيونية لتعيد إلى الوعي العربي توازناته وشعورَه بالقوة والفخر والتوقف عن مسايرة الأنظمة في مساراتها الكارثية على الدواخل العربية، وعلى القضية الفلسطينية، وليستعيد مواقفه الرافضة للدولة الصهيونية، بوصفها دولة احتلال استيطاني أولاً، ورفض تمييع الموقف منها، انطلاقاً من الإسلامو فوبيا، أو مساواة حركة حماس بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو القول إن "حماس" والحكومة الصهيونية متساويتان في التطرّف، وإن إبعاد الجهتين سيؤدّي إلى حل القضية الفلسطينية، ومن هذا الهراء... توضح الأرقام العالية لتأييد القضية الفلسطينية ورفض الاعتراف بالدولة الصهيونية أن الأخيرة ليست متساوية مع السلطة الفلسطينية في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو مع أيّة دولة في المنطقة، وأن الموقف العربي منها يتحدّد بضرورة التفكيك واسترجاع فلسطين، كقضية عربية وليس فلسطينية كما قالت الآراء المستطلعة.

يجب التدقيق في مستوى الهمجية الصهيونية والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والحصار الطويل على غزّة

تستدعي النسب العالية لاعتبار فلسطين قضية العرب من جديد سؤالاً جادّاً: لماذا لم نجد الشعوب العربية في الشوارع تأييداً لغزة، بل هناك كتلة سكانية ليست قليلة في الضفة الغربية ذاتها لم تشترك، وهناك المشاركات الهامشية لفلسطينيي الـ 48، وهناك أسئلة في الاستطلاع بشأن آثار العدوان على الضفة، وهي تبيّن أرقاماً مذهلة في الضرّر من سياسات حكومة الاحتلال والمستوطنين؛ 95% من فلسطينيي الضفة فقدوا الأمان بكل مستوياته. للتوضيح: يجب التدقيق في مستوى الهمجية الصهيونية والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والحصار الطويل على غزّة، والتي تشكّل رادعاً كبيراً للامتناع عن التظاهر الواسع، رغم أن مناطق عديدة في الضفة تتظاهر وتقاوم، وتعدّى الشهداء منذ 7 أكتوبر الـ 350، والمعتقلين بالآلاف وجرت اقتحامات لمعظم المدن والبلدات. بالكاد شاركت الشعوب العربية، ما يعود إلى سطوة الأجهزة الأمنية، والتي مَنعت أيّة تحركات جماهيرية ليس تجاه العدوان على غزّة بل تجاه قضاياهم المحلية كذلك، منذ أن استحكمت الأنظمة المناهضة للثورات بالسلطة بعد 2011، ولكن هذا لا يعني أن الشعوب تدعم سياسات الأنظمة، وتحديداً التطبيعية، داخلياً أو نحو غزّة والقضية لفلسطينية. 
أصبح واضحاً الدور الهامشي للعرب في رفض العدوان على غزّة، وتقول تسريبات كثيرة إن مواقف بعض الدول العربية مؤيدة لاجتثاث "حماس" والمقاومة في غزّة وداعمة للدولة الصهيونية، وهي لم تقطع علاقاتها معها في كل الأحوال، ولكن هذا بالضد من مواقف الشعوب العربية، وهذا ما تقوله نسب الاستطلاع. إن تلك الأنظمة متحالفة مع الدولة الصهيونية وبالضد من المصالح العربية، الحالية والمستقبلية، وتجتهد لعرقلة أيّة مواقف عربية مساندة للقضية الفلسطينية. لقد أعاقت تطوّر الموقف العربي لإيقاف عدوان الدولة الصهيونية. لقد ميّعت تلك الدول الموقف من العدوان، وأعطته مزيداً من الوقت للإجهاز على غزّة، وسحق المقاومة فيها، وفي الضفة، وهذا ما فشلتا فيه؛ الدول العربية المقصودة ودولة الاحتلال.

كل تهميشٍ لخطورة دور الشراكات الأمنية بين السلطات العربية ودولة الاحتلال يؤدّي إلى تهميش العرب والقضية الفلسطينية

إذاً، هناك موقف عربي أصيل إلى جانب القضية الفلسطينية، ويعتبرها قضيته كذلك، وهذا ما يُؤسَس عليه مستقبلاً، ويسمح لنا بالقول إن "طوفان الأقصى" أعاد إلى الوعي العربي قضاياه الحقيقية، ودوره في رفض الشراكات الأمنية بين السلطات العربية ودولة الاحتلال، ورفض التخادم بين الطرفين، وبالتالي، يجب عدم التقليل من خطورة هذه الشراكات، والتي، لولا "طوفان الأقصى" لأصبحت متعدّدة المستويات وذات امتدادات إقليمية، وليست فقط أمنية. 
العرب أمام استحقاقٍ تاريخيٍ كبير، يقول إمّا أن ينجح المشروع الصهيوني وبالتعامل مع بعض سلطات الدول العربية، أو أن يفشل وتسقط تلك السلطات أيضاً؛ الدعم الغربي الآن، بقيادة الولايات المتحدة، هو من أجل ترسيخ المشروع المهتزّ بقوّة وتلك السلطات. لا خيارات أخرى خارج تفكيك المشروع الصهيوني، وكل تهميشٍ لخطورة دور تلك الشركات يؤدّي إلى تهميش العرب والقضية الفلسطينية، ويساعد الدولة الصهيونية في فرض الهيمنة على العرب في المستقبل، وهو الهدف من وجود دولة الاحتلال، وهذا ما لا تستطيع فهمه السلطات العربية تلك، ومعها القلّة المتشائمة.