"الاختيار 3" سردية منفردة بمنظور المؤسسة العسكرية

"الاختيار 3" .. سردية منفردة من منظور المؤسسة العسكرية

08 ابريل 2022
+ الخط -

تعرض قنوات مصرية مسلسل "الاختيار 3" في توقيت رمضاني مميز، تزيد فيه نسبة المشاهدة بشكل كبير، ليثير حالة من الجدل السياسي بشأن ما حدث في مصر قبيل 30 يونيو/ حزيران 2013. وسبق أن تكرّر الجدل نفسه في أثناء عرض الجزأين السابقين عن المسؤولية في فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، وبداية التمرّد المسلح في سيناء.

وشهدت ساحات التواصل الاجتماعي نقاشاتٍ عدة بشأن ما أذيع، والذي يعرض أجواء ما قبل بيان "3 يوليو"، وإقالة الرئيس محمد مرسي المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، بعد حادث مقتل 16 جنديا مصريا في سيناء، وهل كان مدبّرا من جماعة الإخوان المسلمين أم لا؟ ثم تعيين الفريق عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع في خطوةٍ لمّا تُعرف أبعادها بعد.

وهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها تصوير أحد الرؤساء المصريين في أعمال درامية في حياته وفي أثناء تولي منصبه السياسي، من خلال إبراز رأيه في مستقبل مصر وعلاقته بجماعة الإخوان والمؤسسات الأخرى، ما يؤثر على مصداقية المسلسل وحياديته. وهناك عدة ملاحظات على إنتاج هذا المسلسل وغيره من المسلسلات الدرامية التي تبرز دور المؤسسة العسكرية والشرطية بعد "30 يونيو"، والتي بدأت بإنتاج فيلم "الممر"، ثم مسلسل "هجمة مرتدة" الذي يشيد بدور المخابرات العامة في مواجهة ما تعرف رسميا بحروب الجيل الثالث من الغرب (!) و"كلبش".

يعمل الإعلام على إعطاء شرعية لنظام السيسي، وهو يتجاهل حالة الفشل السياسي والاقتصادي

ومن أهم هذه الملاحظات أن هذه الأعمال تقف وراءها إنتاجيا وماليا شركة "سينرجي"، المعروف أن المخابرات المصرية العامة تملكها، كما تجري صياغتها وفق سيناريو محدّد تحت إشراف وتعاون كامل من الأجهزة الأمنية نفسها بشكل مباشر بغرض صياغة سردية معينة لما حدث قبل إنهاء حكم الرئيس محمد مرسى وبعده، لتعمل على إقناع الوعي الشعبي برؤية معينة، بالتوازي مع الخطاب السياسي للنظام وأجهزة الإعلام الذي بات تحت إشراف مباشر لهذه الأجهزة، والذي لا يقتصر على تناول تلك الأحداث، بل يمتد إلى تشويه ثورة يناير. وهذه سابقة لم تحدث من قبل. كنا نرى أفلاما وطنية في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين تبرز نضالات الشعب المصري ضد الاحتلال الإنكليزي وضد الاحتلال الإسرائيلي الأراضي العربية في سيناء وفلسطين، فضلا عن أفلام تناولت حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، كما شهدنا في الثمانينيات والتسعينيات إبراز الدراما دور بعض أبناء جهاز المخابرات العامة في عمليات مخابراتية ضد إسرائيل في مسلسلات "الحفار" و"رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة" (جمعة الشوان)، كما شهدنا مناهضة الدراما المصرية الإرهاب في الفترة نفسها تقريبا من خلال أعمال سينمائية وتلفزيونية أخرى، كان هذا كله مبرّرا باعتبار هذه الأخطار كانت تتصف بوجود شكل ما من الإجماع على مواجهتها من أغلبية القطاعات السياسية والثقافية. لكن ما حدث منذ 25 يناير/ كانون الثاني 2011، و3 يوليو/ تموز 2013 مختلف بشكل كبير، خصوصا في مواجهة المظالم السياسية والاجتماعية ضد أغلبية الشعب المصري.

يمثل "الاختيار" وجهة نظر واحدة تعبّر عن رأي فريق معين داخل النظام في مصر تجاه المرحلة التي بدأت قبل "30 يونيو"

وتبرز هذه الأعمال أهمية الإعلام للإدارة السياسية المصرية بالعمل على إعطاء شرعية لنظام عبد الفتاح السيسي، وهو يتجاهل حالة الفشل السياسي والاقتصادي بزيادة القروض الخارجية، وتدهور معيشة ملايين المصريين في ظل ارتفاع الأسعار وتخفيض العملة وبيع الأصول المصرية وانتهاكات حقوق الإنسان وتجميد الحياة العامة سياسيا وإغلاق كل المنافذ الإعلامية المستقلة، والاستهانة بالدستور وتعديله وفق رؤية النظام لمدّ فترات الرئاسة، وإهدار حقوق الإنسان حتى للمعارضين من غير جماعة الإخوان المسلمين وأعضائها.

كما تسعى الإدارة المصرية إلى تأكيد رؤية معينة لثورة 25 يناير وأسبابها، تعمل أيضا على تقديم رؤية منتقصة ومنفردة لأجواء ما قبل 30 يونيو حتى اللحظة، بتأكيد خطاب المؤامرة الداخلية والخارجية، فعلى الرغم من مرور ما يقرب من تسع سنوات على استبعاد الإخوان المسلمين من العملية السياسية بشكل مطلق، وتهميش كل مبادرات المصالحة واستيعابهم سياسيا في ظل شروط معينة، إلا أن النظام لا يزال يستهدف إبراز هذا الخطر، حيث باتت تلك الفزّاعة شرعية استمراره الوحيدة في ظل خطاب متناقض بنجاح الدولة في إنهاء وجود الجماعة وخطاب آخر يرى أنها ما زالت موجودة، عبر ما تسمّى بخلاياها النائمة أو عبر تأييد خارجي لها.

وكما كان حسني مبارك يفعل بإبراز فزّاعة الإخوان المسلمين في وجه كل المطالب بتطبيق الديمقراطية، ويعقد الصفقات معها من جانب آخر، يكرّر النظام الحالي السيناريو نفسه وربطه بالإرهاب الموجود في سيناء لتخويف المصريين، وفي الوقت نفسه، ضمان صمتهم والتضحية بحقوقهم في المعيشة المناسبة والصحة والتعليم والسكن.

سيظل غيابٌ للإجماع السياسي، خصوصاً في ظل تهميش القوى المدنية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وسيطرة المؤسسة العسكرية على إدارة المجتمع

وبعض المشاهد في "الاختيار 3" التي ضمّت حوارات بين قيادات الجماعة، وجرى تسريبها وعرضها لأول مرة، ولم يشرح صنّاع المسلسل كيفية تسجيلها ومن سجّلها، وفي أي وقت؟ وفي أي مناسبة؟ ولماذا لم تقدّم هذه المشاهد للجهات القضائية إذا كانت تتضمّن تحريضا أو جريمة من أي نوع؟ يسعى النظام لتحقيق أهداف سياسية عبر هذه المشاهد لزيادة الشقاق بين جماعة الإخوان والسلفيين بعرض تصريحاتٍ للقيادي البارز في الجماعة، خيرت الشاطر، ضد الأخيرين، واستمرار العداء بين القيادي الإخواني السابق، عبد المنعم أبو الفتوح، والمحبوس حاليا، بإبراز تصريحاتٍ له ضد الجماعة. والمسلسل يعرض رؤية المهندس خيرت الشاطر بعدم تأييد اختيار السيسي وزيرا للدفاع على خلاف قيادات الجماعة، بينما تنفي قياداتٌ هذا الرأي، فكيف يتم تجاهل رأي الشاطر، وهو القيادي الأبرز وقتها، خصوصا أنه نجح في كسب تأييد الجماعة لترشّحه في انتخابات 2012 الرئاسية، والتي استبعد منها لاحقا؟

في النهاية، يمثل "الاختيار" وجهة نظر واحدة تعبّر عن رأي فريق معين داخل النظام تجاه المرحلة التي بدأت قبل "30 يونيو" في 2013 من خلال التفاعلات السياسية التي شهدتها مصر بين المجلس العسكري والقوى المدنية وجماعة الإخوان المسلمين، ولعبت فيها المؤسسة العسكرية منذ "25 يناير" دورا مهما بالعمل على تبنّي خياراتٍ سياسيةٍ معينة أو بتوريط الجماعة في استلام السلطة، خصوصا في غياب تأييد أجهزة الدولة العميقة لها وأخطاء الجماعة المتوالية. وبالتالي، لا تحظى هذه الرؤية بإجماع أو حتى بأغلبية في الداخل، وسيظل هناك غيابٌ للإجماع السياسي، خصوصا في ظل تهميش القوى المدنية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وسيطرة المؤسسة العسكرية على إدارة المجتمع عبر سياسات اقتصادية مرفوضة ومؤثرة بالسلب على الطبقتين، الوسطى والفقيرة.