باسيل في مرمى العقوبات الأميركية: مفاعيل سلبية لورقة "حزب الله" الخاسرة

06 نوفمبر 2020
يفرض باسيل نفسه لاعباً أساسياً في عمليّة تأليف الحكومة (حسين بيضون)
+ الخط -

فرضت وزارة الخرانة الأميركية اليوم الجمعة، عقوبات على رئيس "التيار الوطني الحر"، وزير الخارجية السابق والنائب جبران باسيل، الذي سارع إلى التأكيد في تغريدة عبر "تويتر" أن العقوبات لا تخيفه.

وشهدت أروقة "التيار الوطني الحرّ" خلية نحل منذ صباح اليوم، بعد نشر صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالاً ذكرت فيه أنّ الإدارة الأميركية تعتزم فرض عقوبات على باسيل، في وقت ساد الصمت أوساط الفريق العوني الذي لم يكن يرغب بالتعليق على الموضوع قبل الإعلان رسمياً عنه.

وفور إعلان الخزانة الأميركية فرض عقوبات عليه، سارع باسيل إلى نشر تغريدة عبر "تويتر" جاء فيها: "لا العقوبات أخافتني ولا الوعود أغرتني. لا أنقلب على أي لبناني، ولا أُنقذ نفسي ليَهلك لبنان. اعتدت الظلم وتعلّمت من تاريخنا: كُتب علينا في هذا الشرق أن نحمل صليبنا كل يوم... لنبقى".

وكان قيادي في "التيار الوطني الحرّ"، لفت في حديث إلى "العربي الجديد" في وقت سابق اليوم الجمعة، إلى أنّ التيار كان صريحاً بعلاقته مع "حزب الله"، وحدّد النقاط التي تجمع الفريقين، وتلك التي يقع الاختلاف حولها، وهو جاهزٌ لأي هجوم ولن يزيح عن مبادئه. ولا يستبعد القيادي أن تكون العقوبات نوعاً من الضغط لتسريع وتسهيل ولادة الحكومة، علماً أنّ باسيل لا يتدخّل في عملية التأليف، لكنه يطالب فقط بتطبيق وحدة المعايير، وله حق إبداء الرأي والنصح من بوابة ترؤسه أكبر تكتل نيابي، وسيكون لديه موقفه أيضاً عند طرح الثقة بالحكومة في البرلمان، معتبراً أنّ خطوة العقوبات قد لا تعجّل تأليف الحكومة كما يتردّد، لأن العقد لا تزال موجودة.

بدوره، أكد مصدرٌ دبلوماسي أميركي لـ"العربي الجديد" أنّ "العقوبات لا يمكن ربطها بالاستحقاق الحكومي، لأنّ اسم باسيل (وهو أيضاً صهر رئيس الجمهورية) كان مطروحاً منذ فترة لوضعه على اللائحة وكان الملف قيد البحث والدرس".

وتحاصر واشنطن "حزب الله" مالياً، من خلال رزمة العقوبات التي تفرضها كل فترة على الكيانات والشخصيات التي تتعامل معه تجارياً ومالياً، وتساهم في تمويله، وسياسياً عبر مواقفها الرافضة لأن يكون الحزب ممثلاً في الحكومة المُكلّف بتشكيلها الرئيس سعد الحريري، أو صاحب القرار داخلها.

وفي معرض إصدار القرار اليوم بالتزامن مع فرز نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، واستمرار مفاوضات تشكيل الحكومة اللبنانية التي يفرض فيها باسيل نفسه لاعباً أساسياً في عمليّة التأليف التي تأخرت بفعل العقد الوزارية، من ضمنها شرط "التيار الوطني الحر" وحدة المعايير، والمداورة الشاملة، مقابل وضع "حركة أمل" (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، وزارة المال خارج التداول، في ظلّ عودة مبدأ تقاسم الحصص بين القوى السياسية، يرى المنسّق السّابق لقوى الرابع عشر من آذار فارس سعيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التوقيت ليس مهماً بقدر مضمون الرسالة التي تبعثها الولايات المتحدة الأميركية من خلال العقوبات على وزير خارجية سابق، لم يستطع خلال فترة توليه منصبه لسنوات إصدار موقف مرضٍ تجاهها، بأن تقول لكلّ من راهن على أنّ العلاقة مع "حزب الله" هي ورقة رابحة، بأنها ستؤدي إلى حرق كلّ المراكب مع الولايات المتحدة.

ويلفت سعيد إلى أنّ التيار شجّع منذ أن وقّع ورقة التفاهم مع "حزب الله" فريقاً واسعاً من اللبنانيين على التعامل مع الحزب تجارياً واقتصادياً وسياسياً، وأتت العقوبات الأميركية لتضع حداً للجميع، ولضرورة وقف التعاون، إذ إنّ اللائحة السوداء التي أدرجته ضمنها وزارة الخزانة يمكن أن تشمل كل من تعاون أو تجرّأ على التعامل مع "حزب الله".

ويشدد سعيد على أنّ الرسالة الأكثر أهمية على صعيد فرض العقوبات على باسيل، تأتي على المستوى السياسي، باعتباره مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ووجوده في هذا السباق أصبح مهدداً حتى لو حظِيَ بدعمِ إيران. كما أنّ العلاقات الثنائية ستتأثّر بدورها، لأن التواصل مع شخصية سياسية عليها عقوبات ليس بالأمر السهل تخطّيه، أو تجاوزه، ما يؤكد أنّ ما قبل العقوبات لن يكون كما بعده، وكلّ من أُدرِجَ اسمه على اللائحة أصبح، كما يُقال في اللغة الدبلوماسية الغربية، وجوده في الحياة السياسية غير ممكنٍ، ما دام التناقض مع دوائر القرار الخارجية قائماً.

 

في المقابل، اكتفى قيادي في "حزب الله" (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، في معرض تعليقه على الخبر، بالقول لـ"العربي الجديد"، إن "العقوبات الأميركية ليست سوى فقّاعات سياسية لا طعم لها، ونحن نضعها في الخانة نفسها مع المحكمة الدولية، لناحية عدم الاعتراف بها".

وفي تداعيات العقوبات الأميركية بحق باسيل، والتي شملت في الفترة القليلة الماضية، وزير الأشغال العامة السابق يوسف فنيانوس (ينتمي الى تيار المردة بزعامة سليمان فرنجية)، ووزير المال السابق علي حسن خليل (ينتمي الى حركة أمل)، وتسّلم لبنان أخيراً ملفهما، إضافة إلى القياديَيْن في "حزب الله" نبيل قاووق وحسن البغدادي، يرى الخبير الاقتصادي، البروفسور جاسم عجاقة في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ العقوبات الأميركية تنعكس سلباً على الصعيد الاقتصادي وتوافد الأموال، علماً أنّ تعريفها الأساسي يندرج في خانة تطويع القرار السياسي.

ويلفت عجاقة إلى أنّ مفاعيل العقوبات وانعكاساتها السلبية كثيرة، بحيث تتعرّض أي شخصية تصبح على لائحة وزارة الخزانة الأميركية لتجميد الأصول التي تمتلكها أو تكون صاحبة الحق الاقتصادي لها، في كل الدول التي تطبق العقوبات، منها فرنسا، بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، وغالبية الدول باستثناء مثلاً إيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا، وكوبا، وغيرها. مع الإشارة إلى أن لبنان أيضاً يطبّق العقوبات، بحيث إنّ أي سياسي أو رجل أعمال يصبح على لائحة العقوبات، لن يعود بإمكانه فتح حساب في المصارف اللبنانية.

ومن المفاعيل أيضاً، يقول عجاقة، "تضييق حركة التنقّل، وبهذه الحالة، لا يمكن لمن يصبح على لائحة العقوبات الأميركية السفر بسهولة إلى الدول التي تطبق العقوبات، وبالتالي، يتعرّض هذا الشخص لإزعاج مطلق يحتّم عليه البحث عن نمط عيش ثانٍ".

كذلك، يشير عجاقة إلى أنّه على الصعيد الفردي يمكن أن تطاول العقوبات المقرّبين من الشخصية التي تصبح على لائحة وزارة الخزانة، فبعضها تشمل أصول الزوج أو الأولاد.

في الإطار نفسه، يلفت الباحث الاقتصادي إلى أنّ هناك نوعين من العقوبات، تلك ذات الطابع التجاري ويمكن في هذه الحالة أن تتراجع عنها الدولة في المستقبل، بقرار سياسي، نتيجة اتفاقيات أو عملية تفاوض بين بلدين، والعقوبات التي لها علاقة بالإرهاب، والتي من الصعب جداً رفعها لاحقاً عن الشخص أو الكيان، إلا في حالات استثنائية، حيث يمكن أن تحصل لقاءات مثلاً تشمل شخصية سياسية مشمولة بالعقوبات ودولة أخرى من الدول التي تطبق العقوبات، بذريعة فصل الشق السياسي عن ذاك العسكري.