حكايات: بلفور المشؤوم.. "النار التي تحرقنا حتى اليوم"

حكايات: بلفور المشؤوم.. "النار التي تحرقنا حتى اليوم"

02 نوفمبر 2014
+ الخط -
"وعد بلفور المشؤوم، وكلمة مشؤوم تتلاءم معه، هو النكبة كلها. مَثَلُه كشخص زرع شجرة سامة ورعاها، ويصبح ثمرها مع كل يوم يمر، منذ ذلك الوعد حتى اليوم، أكثر مرارة من الذي قبله. وعدٌ أعطى الصهيونية بلادنا، فقامت إسرائيل على حساب شعبنا".

بهذه الكلمات، يلخّص الحاج محمود أعمر زيادنة (87.5 عاماً)، من قرية الدامون المهجرة، 97 سنة على الوعد الذي  قطعه آرثر جيمس بلفور، بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 في رسالة بعثها للورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.


وأضاف الحاج محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "بلفور قطع الوعد وتابعه وقام بتغذيته بالعمل وليس بالكلام، وكان التنفيذ على مراحل وبلغ ذروته عام النكبة 1948، لذلك أقول إن بلفور هو النكبة الحقيقية. هو النكبة كلها وهو سبب معاناتنا إلى اليوم".


ولا ينكر الحاج محمود أن "اليهود بشر مثلنا، يمكن أن نتعايش معهم، شريطة أن لا يخططوا لمؤامرات ودون طمع، لكن أن تقتلعني وتقعد مكاني وتظلمني، فإني لا أقبل بذلك. منذ 66 عاماً نخوض معارك مع الإسرائيليين، إما بالحجر أو بالتصريحات أو غيرها، والتي لم تنتهِ بعد. النكبة مسؤول عنها وعد بلفور، بل بلفور نفسه ومَن آزره ومَن خطّط ونفّذ معه".

وعرّج الحاج محمود، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، على عام 1936، فقال: "أذكر جيداً أنه كان هناك إضراب دام ستة أشهر في البلاد، وكان هذا الاضراب من إسقاطات وعد بلفور، وأعي تلك المرحلة جيداً. ومن ثم كانت ثورة في أعقاب الاضراب  ضد الاستعمار البريطاني. عانينا كثيراً في فترة الانتداب، حتى اقتصادياً. كنا جميعاً فلاحين، والمزارع كان ينتظر موسم الحصاد على سبيل المثال، فكان الانتداب يأتي الى البلاد بسفينة محمّلة بالمحصول من الخارج ويدخلها الى الاسواق ويبيع بأسعار أرخص. ولم يكن باستطاعة الفلاح تخزين البضاعة كي لا تفسد، فيبيعها بخسارة. وهذا كان يتسبّب بمشاكل داخل البلد نفسها وحتى بين البلدات، وكان يؤدي لإضعافها وإلى تسريب وبيع الأراضي.

هذه الأمور كلها تمثّل السماد الذي وضعه بلفور للشجرة (الوعد) التي زرعها، وهذه الشجرة أثمرت، ولكن نحن الذين احترقنا بنارها، وحتى اليوم أنا الذي عمري (87.5) عاماً لم أر يوماً فيه سلام. الصهيونية تتّسم بالطمع وتحب الدم ومستعدة لحرق البلد من أجل تنفيذ مخططاتها. الصهيونية منظمة مقرفة، وهذه قناعات الشعوب اليوم، حتى أولئك الذين لم يقتنعوا بذلك من قبل، فعيوبها أصبحت واضحة للعيان".
واختتم الحاج محمود حديثه قائلاً: "أنا أتمنى أن يحل السلام. العمر يمضي وأقترب من موتي، فلكل شيء نهاية، لكني أتمنى أن يعيش أولادي وأحفادي بأمن وسلام".

"لن نغفر، وأحفادنا يفهمون ذلك"

تشير المعلومات التاريخية إلى أن عدد اليهود في فلسطين لم يتجاوز 5% من مجمل السكان حين صدر وعد بلفور عام 1917. ورغم أن بلفور تعهّد في رسالته بأنه "لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر"، إلا أن الارض سُلبت، والحقوق الاجتماعية والدينية والإنسانية عموماً وغيرها، انتُهكت ولا تزال، ومعاناة الفلسطينيين مستمرة منذ الوعد وما بعد النكبة، أما عن تشريد الشعب وتفريق العائلات، فحدّث ولا حرج. 


ورغم هذه الصورة القاتمة، يؤكد الجد المسنّ خليل أبو الهيجاء، من قرية الرويس المهجرة، في الجليل في الداخل الفلسطيني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جيلنا لن يغفر وأحفادنا يفهمون ذلك جيداً ويحملون الراية، ويدركون أن وعد بلفور والمأساة التي كانت نتيجة حتمية له عام 1948، لا تزال في ذاكرة الناس أجمع وستبقى. حتى في ذاكرة الأطفال الصغار الذين يعرفون أين مساقط رؤوس آبائهم وأجدادهم، ولن يغفروا لبريطانيا ما فعلته بنا".


وزاد أبو الهيجاء: "العائلة أصبحت عدة عائلات مشتتة في فلسطين والعراق والأردن وسورية ولبنان وغيرها، وحتى نحن الذين بقينا في الداخل تشتتنا في عدة بلدات. وعد بلفور كان ضربة قاسمة، خاصة عندما تمت ترجمته بشكل فعلي على الأرض وبلغ ذروته في عام النكبة.


ومع قيام إسرائيل، بدأنا نحن الفلسطينيين في الداخل نذوق مرارة العنصرية والتمييز والاستهداف وحتى المجازر بحقنا. والمؤسف أن بريطانيا لا تزال حتى اليوم منحازة لإسرائيل ولم تفعل أي شيء في محاولة للتكفير عن شيء من ذنبها الكبير، رغم أنه لا شيء يمكن أن يعوّضنا عن بلادنا وعن أهلنا الذين شُتّتوا في أصقاع الأرض وعن بلداتنا المهجرة التي جرى هدمها. ولكن أملنا هو في الأجيال الجديدة من أبنائنا وأحفادنا".


"اليهود لا يستحقون هذه البلاد"


من جانبه، قال الشيخ محمد سواعد، من منطقة شفاعمرو في الداخل الفلسطيني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "اليهود لا يستحقون هذه البلاد، فهي بلادنا ونحن ملح أرضها وسكانها الأصليون، ومع هذا يتسلّطون علينا وينتهكون حقوقنا منذ عقود"، مستدركا أن "وعد بلفور صادر حق الشعب الفلسطيني الذي كان ولا يزال المتضرر الأول. وكما نردد دائماً هو وعد مَن لا يملك لمَن لا يستحق. ذلك الوعد المشؤوم وما تبعه من تنفيذ تدريجي، هو بداية النكبة وجذرها،  فقد أعطى اليهود لاحقاً إمكانية  تشريد الشعب الفلسطيني. ومع مضيّ السنوات، تحكّموا بنا وتسلّطوا علينا، ونحن هنا بالذات في الداخل الفلسطيني، ينغصون حياتنا، فضلاً عن الحيلولة دون تواصلنا مع امتدادنا العربي والاسلامي، إلا ما ندر".


وأردف الشيخ سواعد، حول الجزئية المتعلقة بفلسطينيي الداخل، إن "لهذا الوعد المشؤوم انعكاسات خطيرة جداً على العرب الذين بقيوا يتمسكون بوطنهم وديارهم، حيث نعاني من مظاهر الظلم والتمييز والإجحاف في الحياة اليومية، عدا عن القوانين الجائرة ضدنا، التي تُسنّ وتُمارس بشكل متكرر، ما يؤثر على حياتنا وواقعنا في هذه البلاد. ومع ذلك، فإننا صامدون كباقي شعبنا الفلسطيني، المتمسك بثوابته الوطنية ولن يتنازل عنها".

أبرتهايد
وكان من بين المتحدثين لـ"العربي الجديد"، محمد زيدان، الرئيس السابق للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، فأشار إلى أن مثل هذه الفترة من كل عام، "تذكّرنا بوعد بلفور المشؤوم، الذي يعتبر الخطوة الأولى لتقسيم البلاد، وإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. هذا الوعد الذي تحوّل إلى حقيقة بعد تنفيذه على مدار نحو 30 عاماً خلال فترة الانتداب البريطاني، وجرى تسليم فلسطين للعصابات الصهيونية التي أقامت دولة إسرائيل عام 1948".

واضاف زيدان: "فضلاً عن المأساة التي تسبّب بها هذا الوعد للشعب الفلسطيني عامة وتشريده، هناك أيضاً مآسٍ خاصة بفلسطينيي الداخل، مستمرة منذ النكبة، من تشريد حتى داخل الوطن وتدمير 530 قرية. ونحن هنا يجري التعامل معنا كأننا غرباء أو مهاجرون إلى هذه البلاد، رغم أنها بلادنا ونحن أهلها. نحن نعيش في دولة أقيمت على أنقاض قرانا وعلى حساب شعبنا، ونعاني يومياً من السياسة الإسرائيلية القمعية والعنصرية، سياسة الأبرتهايد، التي تستهدف وجودنا وبيوتنا وأراضينا وحقوقنا وكل ما يتعلق بنا".
----------
اقرأ أيضا:
ماذا يقول الشارع اليوم لبلفور؟
وعد بلفور المشؤوم: زياد همّو حمل الرصاص في يديه 
بلفور وطفولة حيفاويّة: الشارع والوعد
موعد التاريخ لتصحيح الوعد
وعود قبل بلفور.. نابليون والروس والألمان سبقوا بريطانيا
وعد بلفور- كاريكاتير عماد حجاج

المساهمون