الطريق إلى "الجلجثة".. مكان صلب المسيح

16 ابريل 2015
سعف النخيل في أحد الشعانين في القرى المصرية (Getty)
+ الخط -


الجُلجُثة هو المكان الذي صلب عليه المسيح، وهو موقع مرتفع خارج مدينة القدس ويشرف عليها، ويسمّى بالآرامية - وهي اللغة التي كان يتكلّم بها المسيح - جاجولثا، وتعني موقع الجمجمة.

هذا الطريق الذي يبدأ لحظة دخول المسيح إلى مدينة أورشليم مثل ملك متوّج وحوله الناس يهتفون: "هوشعنا" أي خلِّصنا، ومن هنا تأتي تسمية هذا الأحد بأحد الشعانين، وهي تعني "شيعة نان" ، أي يا ربّ خلِّص.
وتحتَفل الكنيسة المصريّة بهذا اليوم، الذي يعرف شعبيّا باسم "حدّ السعف" وبالعاميّة "الزعف" وهو أغصان النخيل، وفي دلتا مصر يسمّى "بأحد الخوص". في عشيّة هذا اليوم يقوم المسيحيون بتَضفير أغصان النخيل في هيئة أشكال متعددة.

في أولى ساعات الصباح يذهب الناس إلى الكنائس وهم يَحملون السعف، وفي القرى ذات الأغلبية المسيحية، يقوم الناس هناك بمسيرة بالسعف وهم يصيحون: "أوصنا. أوصنا" أي خلِّصنا خلِّصنا، وهذه تسمّى "دورة الخوص"، وهي نفس الدورة التي يقوم بها الكاهن أثناء الصلاة. وقديماً كان يحدث في بعض القرى عندما يزورُها أسقفٌ ما في هذا العيد أن يقوم بامتطاء حمارٍ ويتحلَّقُ الناس حوله.

وقد ذكر المقريزى (1365- 1442) في كتابه "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار" عن هذا العيد "عيد الزيتونة" ويعرفُ عندهم بعيد الشعانين، ومعناه التسبيح. ويكون في سابع أحد من صومهم. وسنّتُهم في عيد الشعانين أن يُخرجوا سعف النخل من الكنيسة. ويرون أنّه يوم ركوب المسيح العنوّ (وهو الحمار) في القدس، ودخولِه إلى صهيون وهو راكبٌ، والناس بين يديه يسبِّحون، وهو يأمر بالمعروف، ويحثُّ على عمل الخير، وينهي عن المنكر، ويباعد عنه. وكان عيد الشعانين من مواسمِ النصارى بمصر، في كنائسهم.

أسبوع الآلام
في نهاية هذا اليوم تنتَقل الصلاة داخل الكنيسة من أمام المذبحِ إلى الثلث الأخير من الكنيسة، وتَتوشَّح كلُّ الأعمدة والحوائط بالقماش الأسود، وهنا يبدأ الإعلان رسميّاً عن دخولنا إلى آلام المسيح. يعدُ أسبوع الآلام من أقدس وأعظم الأيام عند المسيحيين. يعودُ المُصلّون ومعهم الأشكال التي تمَ تضفيرها، ويعلقونها على الأبواب والحوائط حتى أحد الشعانين القادم. ترتدي النساء سواء في القرى أو في المدن الملابس السوداء. ويدخل الجميع في حالة من الصلاة والتقشُّف والصوم الانقِطاعي. ساعاتٌ طويلةٌ تنتَهى مع المغيب بدون أي طعام أو شراب، ومن غير المسموحِ بأكل الحلويات أو ما هو مُسكر حتى سبت النور الذي يسبق أحد القيامة.

اقرأ أيضا:عيد الربيع المصري.. بين الأسطورة والتاريخ

يومُ الإثنين يعرف شعبياً بيوم الإشارة، إثنين الإشارة. وفي هذا اليوم أشار اليهود نحو المسيح كي يُصلب. الثلاثاء يُعرفُ باسم "التلات بل النبات"، حيث يتمُّ غمر الفول والتُّرمس في الماء حتى ينبت لكي يؤكلَ الفولُ بدءاً من الخميس حتى نهارِ السبت، وهو ما يُعرف بـ "النابت" والترمس يؤكل يومَ شمِ النسيم. وعادة استنبات البذور هي عادةٌ مصريّة قديمة. ويقالُ إنَّ أوزير قد نَما بهذه الطريقة، وهو يُبعث من الموت. والمسيح هو أوزير آخر.

الأربعاء هو "أربعاء أيّوب"، ووفقاً للمعتقد الشعبي أن النبي أيّوب قد شُفيَ من أمراضه بعد غسل جسده وتدليكه بنبات "الرَّعرَع". وهنا تَذكرُ الكنيسة أوجاع وآلام النبي أيّوب وشفاءه في رمزيَّة إلى المسيح. يقومُ المسيحيّون بالاستحمام بنبات الرَّعرَع أو النعناع كبديل. هناك من يستحمُّ في النيل لكي ينال الشفاء. في يوم أربعاء أيّوب أيضاً يؤكلُ الفريك، وهو القمح الأخضر بعد إنضاجه بالنار ويُصنع من السنابل عروسة القمح تعلَّق على واجهات البيوت حتى أربعاء أيّوب القادم. وهي أيضاً عادةٌ مصريَّة قديمةٌ، حيث كانَ المصريُّون القدماء يقدّمون باكورة محاصيلهم إلى المعبود "مين" إله الخصوبة وذلك في أيّام "شمّو"، أي شمِّ النسيم.

بعدَ عصرِ الأربعاء يُمنع التصافح باليد أو التقبيل حتى نهاية يوم الجمعة، وذلك في تذكُّر خيانة يَهوذا ومصافحته وتقبيله المسيح، وهو يبيعُه لليهود. الخميس هو "خميس العهد"، وهو يوم العشاء الأخير للمسيح مع الحواريّين وأيضاً تدشينه لأعظم سرٍّ من أسرار الكنيسة، ألا وهو التناول المقدَّس. في هذا اليوم يقوم كاهن الكنيسة بغسل أرجل المصلّين من النساء والرجال والأطفال كما فعل المسيحُ مع تلاميذه. أمّا يوم الجمعة، فهو جمعة الصلب أو الجمعة العظيمة.

ختامُها شمُّ النسيم
تبدأ الصلاة الجمعة من أوّل ساعاتِ النهار حتّى مغيب الشمس. وهذا اليوم هو يومٌ جنائزيٌّ جدّاً. وكان قديماً يُرتَّل في الكنائس مديح أو ترتيل شعبيٌ، خاصَّة في الريف. وكان يُمثَّلُ دراما مُفجعة لما حصل للمسيحِ وذلك على لسان أمِّه مريم التي تَبكيه بمرارةٍ في هذا اليوم، إلّا أنه تمَّ منعُ هذه الطقوس لأنها تُمثِّل الدين الشعبي أكثر منها الدين الرسمي.

اقرأ أيضا: سبت النور.. من القدس الحزينة إلى العالم

ويقومُ كاهنُ الكنيسة في نهاية اليوم بدفن أيقونة الصلب في محاكاةٍ لما حدث بعد إنزال المسيحِ من على الصليب وتحنيطه ودفنه، كما يضعُ الكاهن الزهور حول القبر الرمزي الذي يجهَّز فوق المذبحِ ويرتِّل لحن الدفن أو ما يُسمَّى بصلاة الجنَّاز ويُسمّى "غولغوثا" وهو من أكثر الألحان حزناً في الكنيسة. وقد يرجعُ هذا اللحن إلى لحن مصريّ قديم كان يظهر في النواحِ مع وضع كلمات مسيحيّة ملائمة لهذا المشهد.

وبعد انتهاء يوم الجمعة، تُرفع الستائر السوداء وكلُّ الشارات التي تتوشَّح بها الأعمدة والأبواب والهياكل. يوم السبت هو سبت النور أو ليلة أبو غالمسيس. وفي هذا اليوم يُقرأ سفرُ الرؤيا كلُّه في الكنيسة وتنتهي الصلاة في أوَّل النهار.

ويُعتقَد شعبيّاً أنَ من يستحمُ فَجر هذا اليوم بماء النيل لا يمرض أبداً. ويُسمّى بسبت النور لأن الناس قالوا إنّ نوراً عميقاً وقوياً يخرج من قبر المسيح في هذا اليوم. وفقاً للمُعتقد المسيحي يُذكَر أن المسيح في هذا اليوم، أي أثناء موته، فتح أبواب الجحيم وأخرج كلَ الأنبياء السابقين والذين كانوا ينتظرونه في الجحيم ووضعهم في الفردوس.

في نهاية طريق الجُلجُثة يأتي أحد القيامة. وهو اليوم الذي ينتظره الجميع على السواءِ، من هم قبلَ المسيح أو بعدَه، فالجميع كان محكوماً عليه بالموت والآن تمَّ الفداء. يتمُ وضع الستائر البيضاء والشارات البيضاء حول الأعمدة ورفع أعلام القيامة وفي وسطها أيقونة المسيحِ وهو يهزم الموت ويُبعث من جديد وفيه تكتمل كلُ النبوءات ويحلُ الفرح على الجميع مُردِّدين: "المسيحُ قد قام. بالحقيقة قام"، أو باللغة القبطيّة "أخرستوس آنستى. أليسوس آنستى".

وبعد ذلك يأتي احتفال الطبيعة بهذا البعث وهو ذروة الحياة وتفتُّحها وخصوبتها وذلك يوم الاثنين، يوم شمِ النسيم.


اقرأ أيضا:
الطوائف الشرقية تحتفل بالفصح وسبت النور في الضفة
الفصح في لبنان..معمول وشوكولا بطعم الفرح
عيد الفصح: بهجة وجمعة عائلية وألوان ربيعيّة
المساهمون