الثورة السورية: نشاط إلكتروني لم يهدأ

الثورة السورية: نشاط إلكتروني لم يهدأ

17 مارس 2016
(Getty)
+ الخط -
لم تعرف الثورة السورية منذ انطلاقتها هدوءاً أو راحة. شرارتها التي انطلقت على الأرض لم تكن لتتعزز لولا النشاط الإلكتروني الذي بدأ خجولاً بتوثيق فيديوهات لتظاهرات انطلقت بطرق عفوية، مع توثيق تاريخ انطلاقها بالصوت، ليتوسع بعد ذلك ويتحوّل إلى أداة ضغط تقلب الموازين.

الناشطون على شبكات التواصل، من ممثلين وفنانين وخبراء ومحللين وطلاب وصحافيين وناشطين إعلاميين، حوّلوا المنصات التي كانت تستخدم لتوثيق الروتين اليومي، إلى أدوات لفضح ممارسات الأنظمة القمعية، وتحديدا، النظام في سورية.

اليوم، بعد خمس سنوات، ينقسم الناشطون، بعضهم استطاع البقاء، فيما آخرون قرروا السفر والاستقرار إما في البلاد الأقرب، مثل تركيا، أو أوروبا هرباً من تهديدات تكررت وكانت حصيلتها تعرض عدد من الإعلاميين للاغتيال في تركيا، وآخرهم الصحافي ناجي الجرف، الذي قتل في مدينة غازي عنتاب التركية في 27 ديسمبر/كانون الأول، قبل يوم من موعد مغادرته إلى فرنسا.

اغتيال الجرف بدا ناقوس خطر جديدا في وجه الصحافيين والإعلاميين الذي اعتمدوا على انتقالهم إلى تركيا لمتابعة نشاطهم الإعلامي. مجموعة "الرقة تذبح بصمت" خسرت أيضاً كلاً من فارس حمادي وإبراهيم عبد القادر الذين قتلا نحراً في منزلهما في تركيا. الناشط عبدالعزيز حمزة من مجموعة "الرقة تذبح بصمت"، الذي تسلم جائزة حرية الصحافة العالمية لعام 2015 المقدمة من قبل لجنة حماية الصحافيين CPJ، يؤكد مرارا أهمية متابعة النشاط الإلكتروني والتوثيقي الذي تقوم به المجموعة. وعلى الرغم من مغادرته تركيا وتوجهه للسكن والاستقرار في أوروبا، هو يتابع نشاطه الاعتيادي بفضح ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

من جهته، يؤكد الناشط والصحافي محمد عبدالله، الذي غادر الغوطة الشرقية بعد معاناة من عدة إصابات جسدية أصيب بها خلال تصويره وتوثيقه الأحداث، أن متابعته لنشاطه الإلكتروني حيثما وُجد هو واجب، ويقول: "لقد اخترت أن أكون في صفوف الثورة، لم أترك أرضي إلا بسبب ظروفي الصحية، ولكنني على الرغم من ذلك لن أترك الناس وقضيتي ووطني"، يتابع محمد نشر الحملات الداعمة للثورة السورية وسورية وكان من أوائل المشاركين في الحملات التي دعت إلى فك الحصار عن كل من مضايا والغوطة وحمص.

وكان لشبكات التواصل وقفات استثنائية عديدة ساهمت بإعادة هيكلة الحملات التي انطلقت افتراضيًا بهدف الضغط على الرأي العام والدول الكبرى من أجل مساندة سورية. "#مضايا_تتحدى_الجوع"، واحدة من الحملات الأبرز التي أدت إلى تسليط الضوء على الحصار بعد تداول الناشطين وعدد من الصفحات السورية، فيديوهات وصورا توثق ظروف أهل المنطقة المعيشية الصعبة التي حلت في ظل فرض النظام حصاراً عليها. وكذلك واحدة من أوسع الحملات الإلكترونية التي دعت لفك الحصار عن مخيم اليرموك، بعنوان "أنقذوا اليرموك"، الذي شهد حصارا لمدة ثلاث سنوات. وتابعت شبكات التواصل أيضاً الحصارات المفروضة على كل من حي الوعر في حمص، وعلى دوما في الغوطة.

اقرأ أيضاً: إعلام النظام السوري: من إنكار الوقائع إلى تشويهها

التدخل الروسي في سورية تمت مواجهته أيضاً بعدة حملات إلكترونية ومنها صورة "الميلاد السوري" التي صممها باسم منوّر وتجسّد غارات الطيران الروسي على سورية، التي تنهمر بشكل شبيه بشجرة الميلاد. الصورة التي لقيت رواجاً ملحوظاً لفتت المتابعين إلى معاناة الشعب السوري الذي يقصف من كل حدّ وصوب. وعن مساهماته في الثورة وتصاميمه التي انتشرت بكثافة على شبكات التواصل يشرح باسم: "كان لذلك تأثير إيجابي بالتأكيد، خاصة على شخصيتي، عندما غادرت سورية خُيّل لي أنني هربت من شيء ما، ولكنني قررت أن أي مشاركة ولو بسيطة مني تعني أنني لم أترك بلدي، كان تصميم تلك الصور طريقة لأفرّغ من خلالها هذا النوع من المشاعر المتناقضة". عمل باسم الأساسي لم يمتّ للتصميم بصلة، فهو خريج تجارة واقتصاد وجد نفسه مجبرا على العمل في الخارج وقرر أن يقدم شيئا ما لسورية من خلال تطوير قدراته على التصميم. ويقول باسم: "لا يستهان بتأثير النشاط الإلكتروني الإيجابي على مسار الثورة في سورية، ولكنه ليس بديلاً عن العمل على الأرض، الاثنان يكملان بعضهما، حيث إنه باستطاعة صورة أو تصميم أو لحن أن توصل الأفكار للمتابعين الذين غالبا ما يكونون من خلفيات وجنسيات مختلفة، الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي أدوات مهمة غير مكلفة تعتمد على زر المشاركة فقط".

أما زياد، فلا يصنّف نفسه كـ "ناشط" حصراً، ويقول: "إذا اعتبرنا أن الناشط الإلكتروني هو شخص يكتب على الشبكة عن مشاكل عامة ويشارك آراءه، إذاً أنا ناشط منذ فترة طويلة، وكلنا ناشطون، أنا أُحاول ببساطة أن أغيّر وجهة نظر المتابعين تجاه أفكار معينة تهمني شخصياً ما يخلق تلقائياً تفاعلاً ومتابعة، وهو ما يصنّف كنشاط إلكتروني تلقائياً". يشرح زياد أنه سيتابع نشر أفكاره طالما الثورة مستمرة، فهو يعتبر مواقع التواصل مستوى جديدا من المدونات يصل مضمونها إلى عدد كبير من القراء بطريقة سريعة، على الرغم من أنه يعبر من خلالها عن أفكاره ببساطة، ولكن ذلك يخلق جدلا نقدياً يؤكد زياد أنه قد يكون أداة من أجل التواصل مع محيطه الذي قد يكون مختلفاً عنه.

الناشط والصحافي محمد الخطيب، الذي تعرض للاعتداء على الحدود التركية - السورية منذ عدة أشهر، يؤكد أنه كسب مهارات عديدة وتعرف على مواضيع جديدة، فتطورت قدراته الصحافية وعلاقاته الاجتماعية، من خلال نشاطه الإلكتروني. وعلى الرغم من خطر الوجود في الشمال السوري والتنقل بين مناطق عديدة، هيأته الحرب في سورية للتعامل مع المواقف الصعبة والاستمرار بتأدية عمله على الرغم من الموت المحيط به، فهو يجد في تلك الاحداث فرصا لتسليط الضوء على ما يحصل من حوله، على الرغم من صعوبتها.

لم يعد نقل الأخبار حكرًا على القنوات والمواقع الإلكترونية العالمية بحسب الخطيب، الذي يرى أن شبكات التواصل باتت أداه أكثر قوة وأن النشاط الإلكتروني سبّاق في نقل الأخبار، فباتت وسائل الإعلام العالمية تصمم تقاريرها الإخبارية بحسب ما يتم تداوله على شبكات التواصل. ويؤكد الخطيب أنه إن اضطر لمغادرة سورية يوما ما، سيتابع نشاطه الإلكتروني بالوتيرة نفسها.

النشاط الافتراضي لم يقتصر على الناشطين والصحافيين فقط، بل امتد ليصل إلى قادة عدة فصائل من الجيش الحر في سورية الذين وجدوا في منصات التواصل منبراً للتفاعل ومناقشة القضايا العامة واستبيان آرائهم وعرضها على المتابعين. ويقول الناشط والصحافي فؤاد حلاق إنّ الإنترنت الذي انتشر بسرعة في سورية من انطلاقة الثورة دفع بالناشطين إلى التعبير عن آرائهم بشكل أوسع: "ساهمت مواقع التواصل أخيراً بحشد الرأي العام من خلال نشر التظاهرات السلمية في سورية عموماً خلال الهدنة، بالإضافة إلى الضغط على المجتمع الدولي لإدخال المساعدات إلى مضايا وغيرها". ويرى فؤاد أن كل الإنجازات والانتصارات الصغيرة المذكورة، كانت وليدة نشاط على الشبكة، يدعم ما يحصل على أرض الواقع.


اقرأ أيضاً: صحافيو سورية من الخوف إلى اللجوء