السياحة العلاجية في الصين... خداع مع سبق الإصرار والترصّد

السياحة العلاجية في الصين... خداع مع سبق الإصرار والترصّد

05 ديسمبر 2021
دعايات صينية على وسائل التواصل تستهدف المرضى العرب (العربي الجديد)
+ الخط -

يبحث مرضى عرب عن الشفاء من أمراض مزمنة في الصين، إذ تستهدفهم دعاية موجهة لمراكز علاجية عبر مواقع التواصل، غير أنهم يفاجأون باستنزاف مالي كما تتبخر وعود الشفاء بذريعة أن الحالة متأخرة وتبرز مشاكل عديدة بعد الوفاة.

- تكبد الخمسيني العراقي أحمد أبو عبيدة نفقات باهظة بقيمة 47 ألف دولار أميركي في محاولة فاشلة لعلاج زوجته التي أصيبت بسرطان الرحم عام 2018، إذ توجه إلى الصين بعدما شاهد دعاية موجهة باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تروج لما تصفه بكفاءة مستشفى فودا في علاج الأورام الخبيئة باستخدام تقنية التجميد.

وبعد ثلاثة أشهر من خضوع زوجة أبو عبيدة لعدة جلسات علاجية لم تحقق أي نتيجة، استمرت الآلام والمعاناة، كما يقول، مضيفا: "فقدت الأمل وشعرت بأنني ارتكبت خطأ بالذهاب إلى الصين، وصُدمت حين أخبرني طبيب عربي عمل في اليابان بأن تقنية علاج السرطان بالتجميد لا تزال في طور التجارب المخبرية والتي تقتصر على الحيوانات فقط، وأنها أميركية غير مصرح باستخدامها في معظم الدول بما فيها الولايات المتحدة". ويضيف: "في تلك اللحظة قررت العودة إلى بلدي، كان ذلك في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018، وأجرت زوجتي عملية استئصال للرحم، بتكاليف رمزية، والآن تنعم بصحة جيدة".

على عكس الحالة السابقة، لم تقتصر خسائر والد المغربي عماد عبد اللطيف على الأموال، إذ عانى والده الستيني من تليف الكلى وكان على وشك مباشرة عملية الغسيل الكلوي لولا أن وجد إعلانات عن مستشفى تيانجين التخصصي لزراعة الأعضاء، وبعد الاطلاع على التقارير الطبية، طُلب منه الحضور سريعا، وبالفعل سافر مع والده إلى مدينة تيانجين الصينية، وكان في استقبالهما موظف من المستشفى، ولقيا ترحاباً كبيراً.

يضيف عبد اللطيف: "لفت نظري الوقت الطويل الذي تستغرقه الإجراءات الروتينية، ففي اليوم الأول لم نفعل شيئاً سوى البقاء في غرفة فاخرة أشبه بالفنادق، واستمرت الفحوصات والمعاملات لمدة أسبوعين كاملين قبل إجراء العملية. أيضاً نُصحنا بعدم المغادرة بعد العملية وبقينا لمدة ثلاثة أسابيع بحجة مراقبة الحالة الصحية. وكانت الصدمة حين طُلب مني دفع التكاليف المتبقية، رغم الاتفاق على إجراء العملية في مقابل مبلغ 50 ألف دولار، تم دفع 10 آلاف منها قبل السفر، ولكن تبين لاحقاً أن تلك التكاليف لا تشمل الفحوصات الطبية والإقامة في المستشفى، والتي تكلف ألف دولار في مقابل الليلة الواحدة، فاضطررت للاستدانة من أحد أفراد الجالية المغربية. عندها فقط فهمت لماذا كانوا يماطلون في إجراءات التسجيل".

المشكلة الأكبر أن حالة الوالد تدهورت بعد العودة إلى المغرب، إذ عانى من مضاعفات شديدة، كان لها علاقة بعدم أخذ المستشفى بعين الاعتبار تقدم سن المريض وتجاوزه حاجز الستين عاماً.

استغلال الحالات الحرجة

بلغ عدد المرضى العرب ممن ترددوا على المستشفيات الصينية في عام 2019، قبل انتشار فيروس كورونا، 1250 مريضا، من بينهم 622 عانوا من أمراض مزمنة، وتوفي 74 منهم أثناء تلقي العلاج، أي ما يعادل 6 في المائة من إجمالي عدد المرضى، بحسب إحصاء نائب رئيس مجلس الجاليات العربية في الصين عادل الطالبي، الذي لفت إلى وصول شكاوى متكررة ومتشابهة، بعضها بشكل مباشر من ذوي المرضى أو من مجلس السفراء العرب في بكين، وتابع: "نتحرى الحقيقة ونتواصل مع الجهات المعنية، لأننا نحرص على سلامة جميع المرضى ونرفض استغلال ظرفهم الصحي لتحقيق مكاسب مادية".

تستدرج المشافي المرضى وتستنزفهم مالياً بعد الوصول إلى الصين

وأضاف أن المشكلة الأكبر تبرز عند حدوث الوفاة، لأن إجراءات نقل الجثمان من الصين معقدة وتكاليفها باهظة، كما أن السلطات لا تسمح بدفن الموتى في الأراضي الصينية، لذلك ننصح دائماً بعدم جلب الحالات الحرجة حتى وإن ادعت مؤسسات طبية القدرة على علاجها، مشددا على أنه لا يجب تصديق كل ما يشاع وينشر في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حول كفاءة علاج الأمراض المزمنة في الصين، لأن أعداد الموتى تثبت عكس ذلك.

ومن بين ضحايا الدعاية المتكررة عن علاج السرطان بتقنية التجميد وتسويق ذلك عبر وسائل الإعلام، ابن شقيق التاجر المصري المقيم في الصين منذ سبع سنوات محمود الشرقاوي، الذي خاض غمار تجربة خاصة مع مستشفى فودا توفي على أثرها الطفل الذي لم يتجاوز 10 أعوام، أثناء علاجه في عام 2014، مؤكدا أن التجربة وما حدث فيها تؤكد نفي أطباء عرب إمكانية علاج السرطان بصورة نهائية عبر تقنية التجميد.

وأضاف أنه توصل إلى تلك النتيجة في أعقاب محادثاته مع عدة أطباء يعملون في المشفى، أجمعوا على أن التقنية الجديدة تحسّن حالة المريض الصحية، لكنها لا تقضي على المرض، بمعنى أنه لو أُعطي مريض السرطان عمراً افتراضياً، فإن العلاج لا يطيل هذه المدة، بل يمنحه القوة على تحمل الآلام نتيجة تجميد الورم وحصره في مكان محدد. غير أنه في النهاية سيواجه الموت حين تنتهي فعالية العلاج وتعود الخلايا السرطانية إلى نشاطها السابق.

كيف يتم التحايل على القانون؟

تنتشر دعايات عن إمكانية إجراء عمليات زرع كلى في مشاف صينية غير مصرح لها بإجراء تلك العمليات، إذ انخفض عدد المؤسسات العلاجية المعتمدة لعمليات زراعة الأعضاء من 600 مؤسسة في عام 2007 إلى 87 مؤسسة في أكتوبر/ تشرين الأول 2008؛ وتلقت 77 مؤسسة أخرى موافقة مؤقتة من وزارة الصحة، كما تم وضع لوائح قانونية تحظر ما عرف بسياحة زرع الأعضاء وإعطاء المواطنين أولوية في تلقي الأعضاء المتبرع بها في الصين، في يوليو/ تموز 2007، بحسب دورية thelancetglobalhealthnetwork.

وتوضح أخصائية الجراحة العامة وزراعة الأعضاء الدكتورة منال مختار، التي عملت في الصين لمدة تزيد عن عشر سنوات، أن الصين قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال في حين أن بلادنا العربية لا تزال تفتقر للإمكانيات والكفاءة اللازمة، ما جعل مستشفيات ومراكز صينية تستغل هذه الفجوة من أجل استقطاب المرضى العرب.

انخفض عدد المشافي المعتمدة لزراعة الأعضاء من 600 إلى 87 مؤسسة

وأضافت الطبيبة السودانية أن هذه المراكز غير مصرح لها بإجراء هذا النوع من العمليات، لكنها تخفي عن الحكومة ذلك بالاتفاق مع المريض، إذ يتم استقباله على أنه يعاني على سبيل المثال من التهاب في الزائدة الدودية، وبحاجة إلى إجراء عملية جراحية عاجلة، وبالتالي تتم عملية الزراعة بهذه الصورة.

وأضافت أن ترتيبات استقبال المرضى والتعامل معهم لا تتم وفق قنوات رسمية منظمة، لذلك يصعب في حال حدوث إخلال بالاتفاق بين إدارة المركز وذوي المريض أن تتم تسوية الأمر بالطرق القانونية.

فلو قررت إدارة المركز تحميل المريض مصاريف إضافية أو حدثت مضاعفات له بعد العملية، لا يمكن لذويه رفع قضية في المحكمة، لسبب بسيط هو التوقيع مسبقاً على مسودة تؤكد خلو طرف المركز من أي التزام أو مسؤولية تجاه المريض.

ردود الجهات الصينية

يعمل الدكتور حسن الخاشب، استشاري الجراحة العامة وجرّاح التبريد، في مستشفى فودا منذ عام 2010، ويقول ردا على ما سبق إن الوفاة أمر وارد وطبيعي بالنسبة لمرض السرطان، وأن المستشفى لا يتحمل أي مسؤولية عن ذلك. وأضاف أنه منذ إنشاء مستشفى فودا عام 2001، لم يصرّح القائمون عليه بأن لديهم القدرة على علاج السرطان بصورة نهائية، بل معالجة المضاعفات الناجمة عنه من خلال تجميد الورم.

وحول تقنية التجميد الموضعي، أوضح الطبيب اليمني أنها تقنية أميركية تم تطويرها في الصين نتيجة تجارب حثيثة وتراكمية، وتتم عبر إدخال أنبوب إلى الورم لتجميده عند درجة حرارة مئوية تصل إلى 170 تحت الصفر، فتتحول الخلايا السرطانية إلى كتلة ثلجية ميتة. ومن ثم يتم تسخين حرارة المنطقة المحيطة بالورم إلى درجة حرارة الجسم الطبيعية، وهي عملية تستغرق ما بين 10 و15 دقيقة وتراوح كلفتها ما بين 25 و30 ألف دولار. لكنه أشار في سياق حديثه، إلى أن هذه التقنية يقتصر استخدامها فقط على الأعضاء الصلبة، مثل: الكبد والبنكرياس والرئة والكلى والثدي، ولا يمكن استخدامها في الأعضاء الجوفاء مثل المعدة.

الصورة
تحقيق الصين2

وعن شكاوى المرضى العرب واتهام المستشفى باستغلال حاجتهم الملحة للعلاج، فضلاً عن التكاليف الباهظة، قال الخاشب، وهو أيضاً المسؤول عن التحويلات الخارجية بالمشفى، إن الإدارة تتفق مع المريض على كلفة العلاج قبل مجيئه إلى الصين بعد الاطلاع على ملفه الصحي، وفي الكثير من الحالات يُنصح المريض بعدم السفر بسبب تقدم مرحلة السرطان وصعوبة علاجه، لكن أهله يصرون على ذلك على أمل شفائه.

أما الطبيب الصيني المختص في دراسة الخلايا الجذعية لو تشانغ، العضو السابق في منظمة أطباء بلاد حدود، فيقول إن السلطات تمارس رقابة شديدة على القطاع الصحي، وأن الحديث عن عمليات احتيال منظمة أمر مبالغ فيه، لأن أي تجاوزات تكون ضمن الحد الأدنى وعبر إطار تعاقدي بين طرفين.

وأضاف أن كثرة شكاوى المرضى لها علاقة برفع سقف التوقعات، خصوصاً في الحالات المزمنة مثل السرطان. أما في ما يتعلق بتكاليف العلاج الباهظة، فذلك يتوقف على طبيعة وتطورات المرض، مشيراً إلى أن الدولة لا تتدخل في هذا الأمر، إلى جانب أنه من الصعب في مثل هذه الحالات التمييز بين الابتكار الطبي المقبول والاستغلال غير المقبول للمرضى.

وتأثرت أعداد المرضى الزائرين للصين بشكل كبير في ظل جائحة كورونا، كما يوضح الدكتور وانغ تشو، الباحث الزميل في جامعة فوجيان للعلوم الطبية، والذي يقول إن أبرز التخصصات الطبية التي يقبل عليها المرضى العرب على وجه الخصوص هي علاج السرطان وأمراض القلب، وبنسبة أقل زراعة الأعضاء، كما يوجد عدد كبير من بينهم يأتون لتجربة الطب الصيني التقليدي.