هل يكفي رهان القيادة الفلسطينية على "الإجماع الدولي"؟

11 مايو 2019
منصور: ضرورة عقد مؤتمر دولي لرفض النهج الأميركي(فرانس برس)
+ الخط -


تعوّل السلطة الفلسطينية على الإجماع الدولي الرسمي على "حل الدولتين"، لمواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية، ولا سيما مسعى الإدارة الأميركية لفرض تصوّرها الهادف لتصفية ما تبقّى من هذه القضية، والمسمى "صفقة القرن". غير أن تساؤلات كثيرة تُطرح حول قدرة هذا الإجماع على خلق حراك على الأرض لمواجهة المخطط الأميركي، عبر سياسات تدعم صمود الفلسطينيين وتواجه مساعي إسقاط قضايا الحل النهائي، كعودة اللاجئين والحدود وغيرها.

وأعاد السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة، رياض منصور، التعبير عن الموقف الرسمي، بالتأكيد أن مجابهة "صفقة القرن" يجب أن تركز في الوقت الحالي على هذا الإجماع. بل إنه ذهب أبعد من ذلك خلال لقاء في نيويورك مع عدد من الصحافيين المعتمدين في الأمم المتحدة، من بينهم مراسلة "العربي الجديد"، ليل الخميس الجمعة، حين قال إن على الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين الوقوف بوجه الأميركيين وضد الخطة الأميركية، إن لم تنص وبشكل صريح على مبدأ حل الدولتين بموجب الشرعية الدولية والإجماع الدولي، الممثل بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وخطة الطريق التي تمخضت عنها اللجنة الرباعية والقرارات ذات الصلة.

وكان وزير الخارجية رياض المالكي قال إنه لا يمكن تسمية الخطة الأميركية بخطة سلام، لأنها تهدف إلى استسلام الفلسطينيين، وذلك في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن، الذي عقد اجتماعاً بطلب من إندونيسيا والكويت وجنوب أفريقيا، بصيغة "أريا" (ذات طابع غير رسمي)، لنقاش قضية المستوطنات. وكان مفاجئاً أن ترسل الإدارة الأميركية مبعوثها إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، لحضور الاجتماع، وهو كرر خلاله الادعاءات الأميركية حول انحياز الأمم المتحدة ومجلس الأمن للجانب الفلسطيني. ولم يكشف غرينبلات، الذي تحدث لعشر دقائق، عن جديد بخصوص "خطة القرن" التي حاكها مع صهر الرئيس الأميركي ومستشاره جاريد كوشنر. ورفض غرينبلات الحديث للصحافيين الذين كانوا ينتظرون خارج قاعة الاجتماع. لكنه خرج في منتصف الجلسة ليذهب إلى غرفة جانبية مع أحد مساعديه، ويجتمع بالسفيرة البريطانية، كارين بيرس، لأكثر من نصف ساعة.

وبالنسبة لموقف القيادة الفلسطينية، قال المالكي، بعد خروجه من الجلسة، إن "الاجتماع ساعد كثيراً في تحديد مواقف العديد من الدول، خصوصاً الدول الأعضاء في مجلس الأمن، واستمعنا إلى 14 دولة تؤيد عملية السلام وحل الدولتين وترفض أي خطوة أحادية الجانب تبتعد عن مسار السلام وعن مرجعية عملية السلام وكل هذه القضايا. ونحن نخرج من هذا الاجتماع بقناعة كبيرة بأن هناك إجماعاً دولياً، باستثناء موقف الولايات المتحدة، حول القضايا الأساسية المرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومرجعيات السلام المطلوبة. وتشجعنا مما سمعناه من الدول الأعضاء". وأضاف "أما ما سمعناه من ممثل الجانب الأميركي (غرينبلات) فهو الكلام نفسه الذي نسمعه منذ أن قدمت هذه الإدارة إلى واشنطن. وبالتالي يجب ألا يؤثر علينا كثيراً، بقدر ما شعرنا به من وجود رغبة دولية وإجماع حول قرارات الأمم المتحدة ورؤية مسار عملية السلام ضمن حل الدولتين". وتابع "يجب أن يُبنى على هذا الاجتماع للتأسيس على علاقة متينة مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن وخارجه، ويبقي من جديد على التزام هذه الدول بالمرجعية الدولية".



وذهب السفير الفلسطيني أبعد من ذلك، حين أكد ضرورة عقد مؤتمر دولي لتأكيد هذا الإجماع، ورفض النهج الأميركي والانفراد بعملية السلام، ومن أجل تحديد خطوات تتبعها الدول الأخرى ونقاش وضع استراتيجيات مُحددة لكيفية المضي قدماً. وأشار إلى أن العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقيت قائمة حتى السادس من ديسمبر/ كانون الأول 2017، عندما اتخذت الأخيرة خطوات أحادية الجانب، بينها قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة وإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ووقف المساعدات الإنسانية عن "أونروا"، وقطع المساعدات حتى عن مستشفيات في القدس، في محاولة من الجانب الأميركي لتشديد الحصار على الفلسطينيين "ظناً منهم أن الفلسطينيين سيرفعون الرايات البيضاء ويأتون زاحفين على بطونهم للقبول بصفقة القرن. إنهم لا يعرفون قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود". وشدد منصور على ضرورة أن تعترف الدول الأوروبية ودول أخرى بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، مؤكداً، في الوقت ذاته، عدم وجود نيّة لتقديم طلب من هذا القبيل في الوقت القريب، لكن الإمكانية تبقى على الطاولة كما قال.

وحرص القيادة الفلسطينية على إبقاء الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، والحرص على إعادة تبنّي القرارات الدولية في الجمعية العامة ومنظمات الأمم المتحدة، يأتيان من منطلق أن هذه القرارات تؤكد على أسس مهمة في القضية الفلسطينية، من بينها حق العودة وحقوق اللاجئين وحق تقرير المصير، فضلاً عن إدانتها للاستيطان، والتأكيد على عدم قانونيته دولياً وغيرها الكثير. وفي هذا السياق يبرز اقتراح وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي، بأن يتم تخصيص يوم دولي لمناهضة الاستيطان وتسليط الضوء على التوسع المستمر وغير القانوني للاستيطان. لكن على الرغم من أهمية الإجماع الدولي في دعم القضية الفلسطينية، إلا أن هذا الإجماع الذي تتحدث عنه السلطة الفلسطينية لا يُترجم بسياسات مقاطعة على مستوى الحكومات الأوروبية لإسرائيل، بل إن عدداً منها يقدّم الامتياز تلو الآخر في التجارة والسياحة والتبادل التكنولوجي والأكاديمي وغيرها الكثير لدولة الاحتلال. أضف إلى ذلك أن موقف أغلب الحكومات العربية ضعيف، وهي لا تقدّم كذلك أي دعم حقيقي للفلسطينيين يشكل ضغطاً على الحكومات الغربية. وبالتالي ليس هناك ما يحث تلك الدول على إعادة النظر في تعاملاتها مع إسرائيل. وما يضيف من إشكالية الموقف هو أنه لا يبدو أن هناك عند السلطة الفلسطينية أي خطط بديلة وجدية لدفع الشارع الفلسطيني نحو حراك شعبي مشابه لما يحدث في غزة ومسيرات العودة. وانفصال القيادات الفلسطينية وبُعدها عن نبض الشارع يظهران في خطاباتها على الساحة الدولية، في أماكن كالأمم المتحدة، والتي لا تتوقف فيها عن الحديث عن "الإجماع الدولي"، لدرجة يُفرغ فيها هذا التكرار مصطلح الإجماع الدولي من معناه.