تحديات أمام حكومة الوفاق الليبية قبيل لقاء برلين

22 أكتوبر 2019
الحكومة تواجه تحديات مرتبطة بتقدمها في الميدان (Getty)
+ الخط -
تعيش حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دولياً، سيلاً من التحديات قبل لقاء برلين الدولي المرتقب عقده من دون تحديد موعد، زادت منذ إبريل/ نيسان الماضي إثر إعلان اللواء خليفة حفتر هجومه العسكري على العاصمة طرابلس، ما أفرز تحديات إضافية سياسية وعسكرية اختلفت درجة حدتها خلال الأشهر السبعة الماضية بشكل كبير.

وأُجبرت الحكومة التي كانت غارقة في حل مشكلة المليشيات المختلفة، سيما المسيطرة منها على طرابلس، على التحالف معها لمواجهة عدوان قوات حفتر، رغم أنها كانت على خلاف كبير وواسع معها إلى وقت قريب، ما أوقعها في حرج أمام المجتمع الدولي الذي كان يحثها على ضرورة تطبيق بند الترتيبات الأمنية في الاتفاق السياسي القاضي بحل المليشيات وإدماجها في الأجهزة الشرطية والعسكرية أو تسريحها.

ويرى الناشط السياسي الليبي عقيل الأطرش، أن الحكومة "تحاول حالياً تجاوز هذا المأزق، فهي تخوض حربين في اتجاهين الأول بتوثيق تحالفها مع المجموعات المسلحة الأكثر تنظيماً، وأغلبها من مصراته، والثاني باتجاه بناء جيش من خلال إلزام عدد من المليشيات بأوامر قيادتها للمعركة".

وأشار الأطرش بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الحكومة "تمكنت إلى حد كبير من إعداد الجيش من خلال تكليفات تلتزم التراتبية العسكرية وقيادة المعركة بمهنية عسكرية كبيرة أثبتتها نتائج الميدان"، مبيناً أن "هذا التحدي هو الأخطر".

ولفت المحلل السياسي في هذا السياق إلى أنّ "تجاهل المجتمع الدولي لوضع الحكومة في الفترات السابقة وغض بصره عن عدوان حفتر كان بسبب هذه الإشكالية"، لافتاً إلى أن الحكومة "تبدو قد عالجت أكثر هذه المشاكل، وبدأت تظهر قواتها بشكل أكثر تنظيماً".

لكن تصريحات قادة بارزين في صفوف قوات الحكومة تبدي امتعاضاً من شكل قيادة الحكومة للمعركة، وصل إلى حد مطالبة بعضهم بضرورة إسقاط الحكومة وتعيين حكومة بديلة عنها، وهو ما يراه الأطرش "دليلاً على نجاح اتجاه الحكومة في قوتها على تلك المجموعات المسلحة".

"ولا شك أنّ الحكومة تعيش تحديات أخرى تعايش واقع الميدان، وما أفرزه عدوان حفتر على العاصمة، فالتأييد والدعم الذي يتلقاه الأخير من أجل تنفيذ خططه للسيطرة على البلاد عسكرياً يوازيه دعم سياسي مؤثر بالقرب من دوائر صنع القرار في عواصم الثقل الدولي، وهو ما يفسر تراخي كثير من تلك العواصم في حسم موقفها من حفتر"، بحسب أستاذ العلوم السياسية الليبي خليفة الحداد، بل وصل حد التأثير، وفق رأيه أيضاً إلى إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاتصال بحفتر بشكل مباشر.

ويوضح الحداد رأيه بالقول، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مواقف تلك الدول تأثرت في الأشهر الأولى بشكل كثير بزخم الدعم السياسي الذي تقدمه دول داعمة لحفتر كالإمارات وفرنسا، ما جعلها تعرقل صدور قرارات دولية لوقف عدوان حفتر".

ويشيد الحداد من جانب آخر بطريقة تعاطي الحكومة مع أزمتها، مضيفاً "لولا صمودها أمام الضغوط وعدم تخليها عن مقاتليها الذين وصفوا بشتى الأوصاف كصلتهم بالإرهاب وغيرها لما تغير شكل الميدان وفشل حفتر في حملته وألقى هذا الفشل بظلاله على الموقف الدولي الذي اضطر مؤخرا إلى التغير نسبيا باتجاه التخلي عن حفتر".


تجاذب دول كبرى

وبشكل دقيق يحدد الحداد التحدي الذي تعيشه الحكومة في الوقت الحالي ممثلا في اشتباك رؤى أكبر الخصوم الدوليين في الملف الليبي، وقال في هذا السياق إن "الملف الليبي يعيش الآن حالة تجاذب بين دول كبرى كروسيا وفرنسا وأميركا بخلفيات صراع أعم وأوسع من ليبيا".

ولفت إلى "اتجاه المجتمع الدولي لحل مشاكله في برلين"، مشيراً إلى "مؤشرات لتخلي الأطراف الإقليمية عن مواصلة دعم حفتر في حربه على طرابلس كمصر، التي اتجهت إلى طريق آخر يتجه لدفع مجلس النواب لتشكيل حكومة وحدة وطنية لقلب الطاولة على حكومة الوفاق".

في المقابل، لا يزال حفتر يمتلك الكثير من أوراق القوة، فسيطرته على أغلب أجزاء البلاد ومواقع الطاقة والنفط أكسبته أهمية دولية كرقم في معادلة الحل، لا سيما أن خصمه لم يعد يسيطر إلا على طرابلس وبعض المدن في غرب البلاد.

ولا يزال الحراك السياسي والدبلوماسي للحكومة ضعيفاً، فغير البيانات التي تطالب فيها بمحاسبة حفتر والتحقيق في جرائمه، لم تتمكن من بلورة أي موقف واضح ضد الدول التي تجاهر بدعمها لحفتر، غير أنّ الحداد لا يعول كثيراً على العمل السياسي، مؤكداً أنّ المواقف مرتبطة بإحداث أي نصر على حفتر في محيط طرابلس.

وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإنّ كسر ما تبقى من قوة حفتر في محيط طرابلس كفيل بانهيار سيطرته في أكثر من منطقة، وقال "حفتر يسيطر اسمياً على الجنوب والقبائل التي توفر له تبعية اسمية هناك لها صلات أيضا بالحكومة، كما أنّ وجود قوة مصراته قريبة من الهلال النفطي وسط البلاد عامل يقلق حفتر بشكل كبير".

واعتبر أنّ "تغير خارطة السيطرة لصالح الحكومة في غرب البلاد، هو ما سيرغم المجتمع الدولي لتغيير تعامله مع الأزمة الحالية".


وبعد استعادة قوات الحكومة لمدينة غريان، نهاية يونيو/ تموز الماضي، عاشت جبهات القتال ما يشبه المراوحة الميدانية، رغم خسارة حفتر للكثير من مقاتليه، إلا أن الجمود يسيطر على محاور عين زاره ووادي الربيع ومناطق أخرى، فالتقدمات النسبية التي أحرزتها قوات الحكومة لم تجبر حفتر على ترك المعسكرات التي تحولت إلى مقار لقيادة معاركه، سيما في قصر بن غشير آخر أحياء العاصمة الجنوبية الشرقية.

وفيما يترقب الكل نتائج لقاء برلين الذي سيضم الفاعلين الدوليين في الملف الليبي، يؤكد الحداد أن حفتر "يلعب على وتر عامل الزمن ولا يرغب في أكثر من تثبيت مواقعه قريباً من طرابلس قبل وصول المجتمع الدولي لأي تسوية في برلين يمكن فرضها في ليبيا".

وشدد على أن الأيام القريبة الفاصلة عن لقاء برلين هي التحدي الأكبر الذي تعيشه الحكومة وقواتها لتغيير التوازنات الإقليمية والدولية. ​