مسرحيون قطريون: ندوة مطلبية وعرض أول لـ"غجر البحر"

مسرحيون قطريون: ندوة مطلبية وعرض أول لـ"غجر البحر"

28 مارس 2023
عُرضت مسرحية "غجر البحر" لأول مرة في البلاد (العربي الجديد)
+ الخط -

أعادت ندوة نظمتها مساء أمس الإثنين وزارة الثقافة القطرية في مسرح الدراما بكتارا طرح شؤون وشجون هذا الفن بشكل بدا فيه الاحتفال بيوم المسرح العالمي على هامش القضايا المطلبية.

"المسرح القطري.. بين الواقع والمأمول"، كان هذا عنوان الندوة التي افتتحها الناقد المسرحي حسن رشيد بمعاتبة مسؤولين ثقافيين غادروا "بعد ربع ساعة" من العرض المسرحي "غجر البحر"، ولم يحضروا الندوة، الحدث الذي يريد متحدثوه أن يوصلوا مرئياتهم بشأنه.

المخرج والكاتب والمسرحي حمد الرميحي لخّص الأمر بإشارته إلى أن الحضور يخلو من أي مسؤولين عن الشأن المسرحي، بينما كل الموجودين على المقاعد يعرفون "مسار مسرحنا، حتى أننا نبدو كأننا نكلّم أنفسنا".

إذن في هذه الفسحة من حديث يقتصر على مسرحيين يخاطبون أنفسهم تتصدر المطالبة بالدعم المالي وإطلاق جمعية للفنانين على غرار جمعيات مهنية أخرى، وعودة المسرح الشبابي والمدرسي بوصفه الرافد الأساسي للحراك المسرحي.

لم تكن في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات جمعية فنانين، ولكن المسرح القطري بحسب الرميحي "كان من أهم المسارح العربية ويهزّ المهرجانات"، بينما اليوم "لدينا عرضان أو ثلاثة" سنوياً، حيث إن الفرق الأهلية تقضي وقتها في "شرب الشاي والقهوة" على حد قوله.

ندوة "المسرح القطري.. بين الواقع والمأمول"
(العربي الجديد)

والفرق الأهلية هي التسمية التي تشير إلى ثلاث فرق مسرحية هي: "قطر" و"الدوحة" و"الوطن"، وهي رسمية تمولها وزارة الثقافة.

وبما أن المناسبة احتفالية يوم المسرح العالمي، فلا بد من أن يستعاد في كل مرة التأكيد على أن قطر كانت أول من احتفل خليجياً بهذه المناسبة عام 1980، بل وأول من أطلقت مهرجاناً مسرحياً عام 1978.

كل هذه الإنجازات منذ السبعينيات ومع استقطاب رموز مسرحية من مغرب الوطن العربي ومَشرقه هي التي جعلت عز الدين مدني، الكاتب المسرحي التونسي يخبر الوفد المسرحي القطري إلى مهرجان قرطاج بأن "لديكم مسرح يخيف"، وفق ما ذكره حسن رشيد.

موقف
التحديثات الحية

ورشيد الذي لا يفضل عادةً قراءة كلمات مكتوبة يشير غالباً إلى زمنين: ما قبل المسرح الشبابي وما بعده، ويعقد المقارنة بين حال المسرح راهناً وسابقاً مستنداً إلى ما يراه قطعاً حاداً نجم عن إلغاء المسارح الشبابية وغياب مقررات هذا الفن عن المدارس.

بيد أن عام 2019 شهد انطلاق المسرح الجامعي، وحتى الآن عقد ثلاث دورات آخرها العام الماضي، بالتزامن مع مرور خمسين عاماً على انطلاق الحركة المسرحية في قطر.

كما أن العام ذاته شهد عودة مهرجان الدوحة المسرحي بعد غياب خمس سنوات في دورته الرابعة والثلاثين، وهو الذي يبشر بتوسيع إطار الفعل المسرحي.

هذا ما يلاحظه الكاتب والمخرج المسرحي سعد بورشيد في مداخلته، مضيفاً أن هناك عشرات الخريجين في الفنون المسرحية، ينبغي أن يؤطروا في مركز شبابي للمسرح، وإن كانت كلمة "الشباب" تحيل إلى وزارة الشباب والرياضة، لا إلى وزارة الثقافة، ففي رأيه يمكن إنشاء مركز لهواة المسرح، إذ إن المسارح الجامعية والمتوسطة تُعنى بمن هم داخل السِلك الدراسي، فماذا سيكون حظ الذين تخرجوا أو الذين لم يدخلوا أصلاً جامعة أو كليات متوسطة؟  وفق ما أوضح.

وأمام دعوته لإنشاء إطار يجمع الفنانين، كشف أحد المتدخلين جاهزية الأوراق التي تحتاج إلى تواقيع الفنانين والمضي في إجراءات تأسيس جمعية، بما جعل المطالبة بها وكأنها حلم بعيد المنال، أمراً ضعيف الحُجة، مقارنة بمطلب عودة المسرح الشبابي مثلاً.

في مشاركته قرأ الفنان جاسم الأنصاري ورقته بعنوان "لمن المسرح؟" وجاء فيها: "كلنا يعلم أن فن المسرح جزء أصيل من حركة المجتمع الإنساني والثقافي، فهو المكان الذي تتجسد عليه محاكاة الفنان مشاكل عصره وأزماته الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية".

وأضاف: "الفنان يعيش حياتين، واحدة في الواقع والأخرى عندما يجسدها على الخشبة" واعتبر أن "دور الفنان مهم لأنه كشف الحقيقة من خلال لعبة الأقنعة الفنية ومحاولة التغيير وأداء أدوار الناس على الخشبة".

وتتبع الأنصاري ما رآها نماذج من الفعل المسرحي، منها ما هو "مؤطر وذو طابع دعائي، يستيقظ وينام على قرار من الممول الرسمي"، وثمة مسرح عابر للحدود "ينتظر مناسبات رسمية واجتماعية، وهو مسرح هزيل يسعى للربح المادي ولا يشبهنا".

أما المسرح الأخير عنده فهو الحالم بغد أفضل، ضد عبودية الاستهلاك، وهو "يحضر بين الفينة والأخرى كغيوم صغيرة متقطعة" مختتماً بأن خشية الحقيقة هي التي تنطبق عليها مقولة نيتشه: "الناس أحياناً لا يرغبون في سماع الحقيقة لأنهم لا يريدون أن تتحقق أوهامهم".

وكان الأنصاري قد قرأ على الحضور كلمة اليوم العالمي للمسرح التي كتبتها هذا العام الفنانة المصرية سميحة أيوب (91 عاماً) وقالت فيها: "إن المسرح في جوهره الأصلي هو فعل إنساني محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي ألا وهو الحياة. وعلى حد قول الرائد العظيم قنسطنطين ستناسلافسكي: لا تدخل المسرح بالوحل على قدميك. اترك الغبار والأوساخ في الخارج".

وحظيت السهرة الرمضانية التي امتدت حتى منتصف الليل بعرض مسرحية "غجر البحر" لأول مرة في البلاد، عقب عرضها في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي بدورته الرابعة التي اختتمت الشهر الماضي، وقد فاز الفنان القطري فيصل رشيد بجائزة أفضل ممثل دور رجالي ثانٍ.

ولم يكتمل احتفاء الجمهور بالأداء المميز لفيصل رشيد دون منغص، إذ نقل بسيارة الإسعاف إلى المستشفى، وأجريت له صباح اليوم عملية قسطرة في القلب.

مسرحية "غجر البحر"
(العربي الجديد)

المسرحية من تأليف طالب الدوس، وإخراج ناصر عبد الرضا، وتمثيل فيصل رشيد وروان حلاوي، وأحمد عقلان، وناصر حبيب، ومحمد الملا، ومنذر ثاني.

ويقوم العمل على خرافة بطلها "بحري" وهو شخصية مسكونة بالخوف من البحر وزوجته "غجرية" التي تؤدي وصلات الرقص للصيادين على الشاطئ، مع ثبات شكل السلطة والاستغلال بين الصيادين والغجرية التي تحصل مقابل عروضها على ما يجودون به.

ما بين السلطة الواعية لشروطها والغجرية يدرك "بحري" البهلول مخاوفه من البحر، بل ويسأل نفسه "متى كان الخوف من البحر ذنباً؟"، ليحدث ما لم يحسب أحد حسابه، وهو انحسار البحر ببضع كلمات هاذية منه، ولتنقلب اللعبة، حيث تتحول الغجرية إلى سلطة على البحر كما هي على زوجها بالطبع، وليصبح سادة البحر عبيداً لديها.

المساهمون