خمسون عاماً من المسرح القطري: الحنين إلى فردوس السبعينيات

خمسون عاماً من المسرح القطري: الحنين إلى فردوس السبعينيات

25 مارس 2022
من مسرحية "وادي العميان" التي عُرضت السبت، 19 آذار/ مارس الجاري، على هامش المهرجان
+ الخط -

سيطر الحنين إلى عقدي السبعينيات والثمانينيات على ندوة "مسيرة المسرح القطري: خمسون عاماً"، بوصفهما زمناً ذهبياً سبقت فيه الدوحة دول المنطقة في إقامة أول مهرجان مسرحي والاحتفال باليوم العالمي للمسرح عام 1978، قبل أن يتراجع حضوره بشدّة، وفق ما ذهب إليه ضيفا الندوة الناقد حسن رشيد، والفنّان والكاتب عبد الله أحمد.

وبدا الزمن المسرحي مقطوعاً لدى كلّ المتحدثين عن سيرورته التي تراكم الفاعلية الفنية، فكان جلّ ما ذهبا إليه هو الأيّام الرومانسية في فردوس مسرحيّ، نقلّبها كما نقلّب ألبوماً بالأبيض والأسود.

جاءت تلك الندوة مساء الإثنين، الحادي والعشرين من آذار/ مارس الجاري، ضمن فعاليات "مهرجان الدوحة المسرحي" الذي انطلق في السادس عشر من مارس/ آذار الحالي، ويستمرّ حتى بعد غد الأحد، السابع والعشرين من الشهر الجاري، الذي يصادف يوم المسرح العالمي.

دمج الفرق في التسعينيات أسهم في تراجع الحركة المسرحية

حدّد حسن رشيد ما سيجول فيه، بما قال إنها الإرهاصات، أي الفعل الفنّي الذي سبق التأطير الرسمي للمسارح عام 1972، عقب استقلال قطر بعام، وهو العام الذي يَحسب على أساسه نصف قرن من المسرح.

فوفقاً له، كانت الكويت بالدرجة الأولى، ومعها البحرين، صاحبتَيْ باعٍ أطول في هذا المجال، مُشيراً إلى أن "المعهد العالي للفنون المسرحية" في الكويت (تأسّس عام 1973) احتضن مَن أصبحوا في ما بعد روّاد المسرح القطري، بينما توجّه آخرون إلى القاهرة ونهلوا من تجربتها المسرحية النشيطة.

لكنّ رشيد - وقد آثر أن يطلّ على مرحلة سابقة من التأطير الرسمي في 1972 - تحدّث عن نشاطات أقدم من خلال المخيّمات الكشفية وأندية مثل "الجزيرة" و"الوحدة"، لافتاً إلى شيوع المونولوغات الكوميدية، قبل أن تُقام تجارب مثل مسرحية "عالِم وطاغية" من تأليف يوسف القرضاوي لـ"المعهد الديني"، وفيها يحضر سعيد بن جبير العالِم، والطاغية الحجّاج، في إسقاط على عهد جمال عبد الناصر، وكذا مسرحية "بلال بن رباح" في "مدرسة الدوحة"، وكلاهما عُرضتا عام 1969.

وبسبب من طغيان الشعور بافتقاد عالَم مسرحي فاعل، بذل المتحدّث الكثير من الوقت في ما يمكن تسميته "ببليوغرافيا فردوسية" عدّد فيها عشرات الأسماء من الذين أضاؤوا تلك الفترة، منهم مَن توفّي ومنهم مَن غاب ذكره، ومنهم مَن واصل رغم المعوّقات التي عرفتها الساحة، حيث أُلغي المسرح المدرسي، وكذلك الشبابي.

مسيرة المسرح القطري الحقيقية بدأت مع هاني صنوبر

أمّا عبد الله أحمد، وهو من الرعيل المسرحي الأوّل، فرأى أن المسرح في الوقت الراهن يشكو الحال بسبب ما قال إنها "نكبات" ثلاث وقعت عليه؛ فإضافة إلى تغييب المسرح المدرسي ثم الشبابي، جرى دمج الفرق المسرحية الأربع التي عرفتها البلاد في اثنتين. وفصّل ذلك بالقول إن فرقتَيْ "المسرح القطري" و"المسرح الشعبي" دُمجتا في فرقة "قطر المسرحية"، و"السدّ" والأضواء" دُمجتا في فرقة "الدوحة". وقع ذلك في العام 1994. وهذا، على حدّ قوله، "شرّد كثيراً من الطاقات الشابّة" وأسهم في تراجع الحركة المسرحية.

فقد كانت الفترة السابقة لعمليّات الدمج والإلغاء مجال توليد فنّي من التربية المسرحية التي ينطلق منها الطالب، ويتجاوزها وصولاً إلى الرعاية الشبابية، ومن ثمّ يصبح مؤهّلاً للانضمام إلى إحدى الفرق الأهلية.

كان هذا ختام ما قدّمه عبد الله أحمد، لكنّ حصّة كبيرة من مساهمته - على غرار زميله في الندوة - استعاد خلالها، وهو المشغوف بتوثيق كلّ كبيرة وصغيرة في هذا المجال، العديدَ من اللحظات التأسيسية التي رعت بواكير المسيرة المسرحية. فقد تحدّث عن أوّل هيئة مسرحية في قطر عقدت اجتماعها في مدرسة الدوحة الإعدادية في عام 1972، وضمّت العديد من هواة المسرح، ومعهم رفاق درب من العرب، بينهم عبد اللطيف سمهون من لبنان، وقد كان يعمل في التجارة لكنّه كان مغرماً بالمسرح وأخرج عدّة أعمال، من بينها "صقر قريش" و"حلاة الثوب رقعته منه فيه" و"خارج من الجحيم"، والأخيرة قُدّمت على مسرح مقرّ "منظّمة التحرير الفلسطينية" عام 1973.

كما تطرّق المتحدّث إلى واحدة من أهمّ علامات المسرح في السبعينيات، متمثّلة بمسرح "نجمة" وبعرْض أوّل عمل بعنوان "من طوّل الغيبات جاب الغنايم"، وهو المكان الذي يستذكره "مهرجان الدوحة المسرحي" هذا العام في اليوم الختامي من خلال عرض "مسرح نجمة".

ومن بين الأسماء التي استحضرها عبد الله أحمد مَن قال إن مسيرة المسرح القطري الحقيقية بدأت معه، ويعني هنا هاني صنوبر الذي أسهم في تأسيس "المسرح القومي" في سورية ويُكنّى في الأردن بـ"أب المسرح الأردني". وقال: "كان صنوبر نقطة مضيئة جدّاً في مسيرتنا" منذ قدم إلى قطر عام 1972 مراقباً عامّاً للبرامج في الإذاعة، قبل تسلّمه المسرح عام 1974.

ومضى طويلاً يفصّل الأثر الذي تركه هاني صنوبر في تعليم الشباب القطري، سواء في الأداء على الخشبة، ورفْضه فكرة "الملقّن"، أو التصور البصري الكلّي الذي سيخرج به المنتَج المسرحي، ومن ذلك إخراجه مسرحية "أمّ الزين"، وهي نقطة مركزية كبرى صار المسرح القطري يُقسَم إلى ما قبلها وما بعدها، وتتناول التحوّلات الاجتماعية عقب الطفرة النفطية، وهي من تأليف عبد الرحمن المناعي، وبطولة غانم المهندي والكويتية سعاد العبد الله.

المساهمون