لبنان من "عاصمة للإعلام" إلى نضال من أجل البقاء على قيد الحياة

لبنان من "عاصمة للإعلام" إلى نضال من أجل البقاء على قيد الحياة

10 سبتمبر 2021
الأزمة المالية ضربت الإعلام قبل البلاد (حسين بيضون)
+ الخط -

تصارع مؤسسات إعلامية في لبنان من أجل الحفاظ على بقائها وذلك تحت وطأة أزمات اقتصادية ومعيشية متشابكة، ويحاول بعضها الصمود من خلال إجراءات استثنائية، تتراوح بين البحث عن تمويل مالي، وصولا إلى محاولة التوفير باستهلاك الوقود وساعات عمل الموظفين والصحافيين.

ويقول عاملون في القطاع الإعلامي في لبنان إنّ التحديات التي تواجهها المؤسسات، من تلفزيونات وإذاعات وصحف، هي الأصعب منذ أكثر من 30 سنة، بعدما كان لبنان بمثابة "عاصمة" الإعلام العربي، للكفاءات الإعلامية الأبرز، وحاضنة للكتاب والمفكرين والشعراء والناشطين من مختلف الدول العربية. لكنّ ذلك راح يتلاشى تدريجياً، ولم يعد العالم العربي يضبط ساعات متابعاته للأخبار العربية والعالمية، على إيقاع ساعات البث التلفزيوني والإذاعي الإخباري الصادر في لبنان، ولا "مانشيتات" صحفه الكبرى. كما أنّ أعوام الحرب الأهلية، وما قبلها، شهدت هجرة كبيرة للكفاءات الإعلامية إلى دول خارجيّة بينها الخليج.

على الرغم من أن الانهيار الاقتصادي الأسوأ الذي يعيشه لبنان في تاريخه الحديث، ألحق أضراراً كبيرة بعمل المؤسسات الإعلامية خلال السنتين الماضيتين، وعطل قدرتها على الاستمرار بقوة والعطاء مهنياً، إلا أنّ عاملين في ميدان الاعلام، يقولون إنّ تداعي المؤسسات الإعلامية في لبنان، بدأت ملامحه بالبروز منذ عشرة أعوام، وتسارع خلال الأعوام القليلة الماضية.

فحتى قبل اندلاع احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 التي كانت مؤشرًا على انفجار الأوضاع المعيشية والاقتصادية، كانت قد سقطت على طريق المهنة الاعلامية، صحف وتلفزيونات، من بينها صحيفة "السفير" (توقفت نهاية العام 2016)، وصحيفة "الأنوار" (توقفت نهاية العام 2018)، وصحيفة "الحياة" اللندنية اللبنانية المنشأ وأغلقت مكاتبها في بيروت في يونيو / حزيران 2018، وصحيفة "المستقبل" التي توقفت عن الصدور في الأول من فبراير/ شباط 2019، ثم "تلفزيون المستقبل" في 20 أيلول/ سبتمبر 2019، أي قبل أيام قليلة من اندلاع التظاهرات الشعبية. ولم تقتصر لائحة ضحايا الاعلام على هذه المؤسسات، ففي شباط / فبراير 2020، أعلنت صحيفة "ديلي ستار" التي كانت تصدر بالإنكليزية انها علقت النسخة المطبوعة مؤقتاً بسبب التحديات المالية. في الشهر نفسه، توقفت إذاعة "راديو وان" الناطقة بالإنكليزية.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

منذ العام الماضي، تتراجع قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار ما أفقد عشرات آلاف العائلات قدرتها الشرائية، بينما غرق المواطنون في أزمة شح مواد المازوت والبنزين، وصارت السوق السوداء ملاذهم لشرائها بأسعار باهظة، وهو ما سلط المزيد من الأعباء والضغوط على المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها، ودفعها إلى شفير الانهيار. والشهر الماضي، أعلنت إذاعة "صوت كل لبنان" الاعتذار من مستمعيها لعدم قدرتها على البث في بعض مناطق لبنان بسبب الظروف الراهنة، في إشارة إلى شح مادة المازوت في مواقع الإرسال. 

قبلها، أي في 20 أغسطس/ آب، أعلنت إذاعة "صوت الشعب"، التابعة للحزب الشيوعي، على صفحتها على "فيسبوك" تعليق برامجها بسبب انقطاع المازوت عن بعض محطات البث، وتعثر قدرة الضيوف على الوصول إلى مبنى الإذاعة في بيروت بسبب عدم توفر البنزين للسيارات. وقال مدير إذاعة "صوت الشعب"، سمعان بوموسى، إن "الإذاعة تعاني من مشكلة حتى قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، وحاولنا معالجة الكثير من التحديات في السنوات الماضية، لكن المشكلة أن الإذاعة غير مرتهنة لطرف سياسي او متمول، ونحن محاربون من السلطة ولا يوجد لدينا دعم مالي لا من الداخل ولا الخارج". أضاف بوموسى أن "التضخم أثر على عملنا وبعدما كنا ندفع مئات الاف الليرات لشراء مادة المازوت لتشغيل مولدات الكهرباء والبث الإذاعي، صرنا ندفع عشرات ملايين الليرات شهرياً. وتابع: "الإذاعة لم تتوقف، هناك برامج أوقفناها. اضطررنا إلى التقنين باستخدام المولدات لنحافظ على استمرارية أطول. خففنا من حجم الموظفين وساعات دواماتهم".

كانت صحيفة "السفير" التي تأسست العام 1974، اصطدمت بالتحديات المالية مبكراً قبل احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إذ توقفت عن الصدور بداية العام 2017. قال المدير العام السابق للصحيفة، أحمد سلمان، إن دراسات عدة أظهرت أنّ مداخيل الإعلانات التجارية راحت تتراجع في ما بعد العام 2011 بشكل كبير، لا بالنسبة إلى "السفير" وحدها، وإنما لمختلف الوسائل الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية، وشهدت تلك المرحلة اكتساح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما أنّ شركات احتكار الإعلانات المهيمنة في لبنان، خفّضت بشكل كبير، وصل إلى 70 في المائة، الميزانيات المخصصة لتعاقداتها السنوية مع الوسائل الإعلامية. وقال سلمان إنّه "حتى في زمن الحرب الأهلية لم تكن التحديات التي تواجه القطاع الإعلامي بمثل هذه الخطورة التي يعيشها اليوم. وللمفارقة، فإنّ العديد من الوسائل الاعلامية ازدهرت أيام الحرب".

تفاءل كثيرون خيراً بنهاية الحرب الأهلية عام 1990. وقال سلمان إنّ حجم السوق التجاري والإعلاني كبر مع نهاية الحرب حيث إن "ميزانيات الإنفاق الإعلاني تضاعفت بشكل كبير عندما انفتحت مناطق البلد على بعضها البعض وسقطت خطوط التماس".

تغير هذا الوضع في العشرين سنة التالية مع تراجع سوق الإعلانات إقليمياً ولبنانياً بعد العام 2011. إلا أن الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان، مع شح عملة الدولار وانهيار قيمة الليرة، فرضت تحديات جديدة على المؤسسات الإعلامية وأجبرت العديد منها إما على تقليص عدد موظفيها، أو تخفيض الرواتب التي كان الكثير منها يدفع بالدولار، والاكتفاء غالب الأحيان، بالليرة التي تلاشت قدرتها الشرائية بدرجة كبيرة.

صحيفة "النهار" التي تعتبر إحدى أقدم صحف لبنان، لحق بها دمار كبير في مبناها بسبب انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020، وتضررت كغيرها من المؤسسات الاعلامية بسبب الانهيار المعيشي الحاصل في البلد. وقال مصدر إداري في "مجموعة النهار"، طلب عدم ذكر اسمه، إنّ "الأزمة الاقتصادية الحالية تفاقم الأزمات السابقة التي يعاني منها الإعلام اللبناني".

وأضاف المصدر نفسه أن المجموعة "لم ترضخ للأزمات، وكانت في بحث مستمر عن حلول من أجل الاستمرارية والتطور في محاكاة الحداثة الرقمية. الانهيار زاد الأعباء المادية على المؤسسة، لذا وضعنا خططاً للبحث عن أسواق أخرى وقراء جدد". وتابع: "نحن اليوم نشعر أننا في مواجهة أخرى صعبة... ونحن نعمل على خطط بديلة وخطط طوارئ من أجل إكمال رسالتنا".

(أسوشييتد برس)

المساهمون