نقابة الصحافة اللبنانية... أداة السلطة وحاميتها

نقابة الصحافة اللبنانية... أداة السلطة وحاميتها

04 اغسطس 2021
قتل الانفجار 214 شخصاً على الأقل (فرانس برس)
+ الخط -

ثلاث استقالات في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية تلت البيان الرسمي الذي صدر باسمها، لمناسبة الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، انتقد مسار التحقيقات ودعم موقف السلطات الرسمية والمسؤولين، من دون استشارة أعضاء المجلس التنفيذي في ما يبدو.

شنت نقابة الصحافة اللبنانية، في بيانٍ الاثنين، لمناسبة الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، هجوماً على المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وسلفه القاضي فادي صوان.

وقالت النقابة: "سنة كاملة مرت على كارثة انفجار مرفأ بيروت، ولا يزال الجدل قائماً حول من استورد المواد المتفجرة، ومن فتح الاعتماد، ومن أدخل المواد إلى المرفأ، ومن كان يسحب المواد من المرفأ، والكثير الكثير من الأسئلة تطرح، ولكن لا جواب، على الرغم من أنّ رئيس الجمهورية (ميشال عون) كان قد وعد اللبنانيين بأنّ التحقيق سوف يعلن خلال 4 أيام، وسيبين من هي الجهة التي قامت بهذا العمل الإجرامي، أو على أقله يعلمنا ماذا حدث".

وأضاف بيان النقابة: "تم تعيين المحقق الأول فادي صوان، فأرسلوا له قطاً مقطوع الرأس، فتخلى عن مهمته خائفاً، واعتذر عن المهمة التي كلف بها" علماً أنّ القاضي صوان كفت يده عن القضية نتيجة طلب نقل الدعوى الذي تقدّم به الوزيران السابقان، النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، لـ"الارتياب المشروع".

وادعى صوان، في 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي، على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، والوزراء السابقين الثلاثة علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، وهو ما عرّضه حينها لهجوم شرس سياسياً وحزبياً ودينياً وإعلامياً.

واستكملت النقابة هجومها على القاضي البيطار، متهمةً إيّاه بأنّه "مسيس وينفذ خطة مرسومة له" منصّبةً نفسها قاضياً يعطي ملاحظات لمحقق عدلي بأنّ "الإهمال في الوظيفة لا يمكن أن يصبح جريمة لأنّ الإهمال غير مقصود حتى يثبت العكس".

ولم تكتفِ نقابة الصحافة المحسوبة على المنظومة السياسية الحاكمة بذلك، بل رأت أن "تكبير بيكار الاتهامات لا يعني إلا شيئاً واحداً، أن هناك مخططاً يطاول الصالح بالطالح ليصل الملف إلى الإقفال".

وكان المحقق العدلي أصدر لائحة استدعاءات منها تكملة لما بدأه سلفه القاضي صوان، أضاف إليها وزير الداخلية السابق النائب نهاد المشنوق وقادة أمنيين وعسكريين، أبرزهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم المحسوب على "حركة أمل" و"حزب الله" الذي لاقى حملة دعم حزبية وطائفية وإعلامية في وجه القضاء.

وأثار بيان نقابة الصحافة اللبنانية موجة غضب في الأوساط الشعبية والصحافية وأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، فأعلن رئيس تحرير صحيفة "نداء الوطن" الصحافي بشارة شربل، ورئيس تحرير صحيفة "لوريان لوجور" ميشال حلو، ورئيسة مجلس إدارة مجلة "الأفكار" زينة عوض، استقالتهم من مجلس نقابة الصحافة اللبنانية يوم أمس الثلاثاء.

وكتب بشارة شربل عبر حسابه على موقع "تويتر" أمس الثلاثاء: "قدمت استقالتي من مجلس نقابة الصحافة اللبنانية بعد بيانها المؤسف المتعلق بجريمة 4 أغسطس/آب والحصانات، والذي لم أُستشر بمضمونه، ويناقض قناعاتي تماماً. اعتقدت لفترة بإمكان المشاركة في المجلس لغايات نقابية تتعلق بالصحف وشجونها، لكنّ تقديري لم يكن في محله".

كما غرد ميشال حلو: "استقلت من مجلس نقابة الصحافة. كنت قد وافقت على الانضمام للمجلس بداية السنة كوننا منذ عقود مستمرين في المجلس دفاعاً عن الصحافة المطبوعة. كذلك، لأنّي كنت أظن ــ ما زلت ساذجاً ــ أنّ بإمكاننا تغيير شيء ما، من داخل هذا المجلس. لكن، نحن باقون في النقابة: هي ليست ملكهم، وننتظر الانتخابات النقابية المقبلة".

ونشر حلو طلب استقالته الرسمي الموجه إلى نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي، وجاء فيه أنّ "البيان الذي صدر عن نقابة الصحافة ليس مقبولاً في دولة حديثة تؤمن باستقلالية القضاء، وبما أنّ دور النقابة لا يعني التدخل في تحقيق قضائي جارٍ لا بل يتناقض مع المتلطين خلف الحصانات السياسية، خصوصاً في قضية استثنائية من هذا النوع، وبما أنّ النقيب لم يستشر أعضاء المجلس في البيان قبل صدوره، أوجه استقالتي...".

ولم يعلق النقيب عوني الكعكي، الذي يُتهم بإصدار البيان وحده من دون العودة لأعضاء مجلس النقابة، على الاستقالات إلى الآن.

إلى ذلك، استنكرت رئيسة مجلس إدارة "النهار" نايلة تويني، مضمون البيان، واعتبرت أنّه "خروج عن التقاليد والأصول التي طالما عرفت بها نقابة الصحافة، وهو تدخل مباشر للضغط على المسار القضائي، ولا ينسجم مع دعوات الصحافة اللبنانية إلى تبيان الحقيقة كاملة في الجريمة الأكبر في تاريخ لبنان".

وأوضحت رداً على سؤال عن إمكان الاستقالة أنّ "النهار" لم تشارك في الانتخابات الأخيرة لمجلس النقابة ترشحاً أو اقتراعاً، وبالتالي فهي ليست عضواً في المجلس التنفيذي كي تستقيل. وأيّدت خطوة الزملاء الذين عبروا عن موقف وصفته بالشجاع والجريء، وفق ما نقل الموقع الإلكتروني لصحيفة "النهار".

وفي السياق نفسه، رأى المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية، أنّ نقابة الصحافة "حقّرت القاضي البيطار، وتنمّرت عليه من دون أيّ دليل، وهي تراهن أنّه ليس بوسعه الردّ عليها بفعل موجب التحفظ" لذلك "علينا جميعاً أن نردّ ليس دفاعاً عنه وحسب، إنّما أيضاً إكراماً للضحايا وصوناً لحقوقنا بالحقيقة والعدالة".

"المفكرة القانونية" منظمة غير ربحية للأبحاث والمناصرة، تتخذ من بيروت مقرّاً لها، ولديها مكاتب في لبنان وتونس ومراسلون في عدد من الدول العربية.

كما أصدر "تجمع نقابة الصحافة البديلة" ومؤسسة "مهارات" بياناً مشتركاً، يوم الثلاثاء، استنكرا فيه بيان نقابة الصحافة اللبنانية الذي كتب أنّ بيان نقابة الصحافة جاء "بلغة بعيدة عن الصياغة المهنية بأدنى معاييرها، وبمضمون مفترٍ ومضلل يوجّه تهماً كيدية للمحقق العدلي، ويساهم في تضليل الرأي العام واستبعاد التهم الجرمية عن المسؤوليات الناتجة عن انفجار المرفأ ومحاولة تبرئة المتورطين فيه".

وطالبا أعضاء مجلس النقابة الممثِّلين للصحف اللبنانية باتخاذ موقف واضح من البيان. وسأل البيان المشترك: "هل مجلس نقابة الصحافة في لبنان غير مهتم بمسار العدالة في لبنان؟ هل هو غير معنيّ بأن يلعب الإعلام دوره كخدمة عامة لا كوسيلة لتشويه المعلومات وبث الدعاية السياسيّة وعرقلة التحقيق والتصويب الشخصي؟".

يضم "تجمع نقابة الصحافة البديلة" عاملات وعاملين في المجال الإعلامي في لبنان لا تمثلهم النقابات الرسمية. أما "مهارات" فهي منظمة غير حكومية مقرها بيروت، تعمل كمحفز للمدافعة والنهوض في تطوير مجتمعات ديمقراطية تسودها مبادئ حرية التعبير، الوصول للمعلومات، واحترام حقوق الإنسان، وفق ما تفيد عبر موقعها الرسمي.

في الرابع من أغسطس/آب 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت، تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق انفجار هائل، وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، وألحق دماراً ضخماً في المرفأ وأحياء في محيطه، وطاولت أضراره معظم المدينة وضواحيها. وعزته السلطات إلى 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ عام 2014 في العنبر رقم 12 في المرفأ.

قتل الانفجار 214 شخصاً على الأقل، بينهم موظفون في المرفأ وعناصر في فوج إطفاء بيروت، كانوا يحاولون إخماد الحريق. كما قُتل أشخاص في منازلهم جراء الزجاج المتساقط، وآخرون في سياراتهم أو في الطرقات والمقاهي والمحال. ودفنت عائلات كثيرة مجرد أشلاء بقيت من أبنائها.

وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات لم تُكشف حقيقة أيّ منها، إلّا نادراً، ولم يحاسَب أيٌّ من منفذيها، ما زال اللبنانيون ينتظرون أجوبة لتحديد المسؤوليات والشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.

المساهمون