فيلمان فرنسيان معطوبان في "برليناله 74"

فيلمان فرنسيان معطوبان في "برليناله 74"

21 فبراير 2024
"خارج الوقت" لأوليفييه أساياس: ثرثرة عن ذاتٍ قلقة (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

فيلمان فرنسيان، مشاركان في المسابقة الرسمية للدورة الـ74 (15 ـ 25 فبراير/شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، يُحبِطان مهتمّاً ـ مهتمّة بالسينما ونتاجاتها، وبالسينما الفرنسية تحديداً. يقول زميلٌ إنّ هذا "مزعج للغاية". يسأل: "أهذه سينما فرنسية، فعلاً؟". يتدخّل آخر: "لعلّ الانهيار الحاصل في فرنسا سببٌ".

لكنْ، أتكون فرنسا منهارة، فعلاً، ووحدها؟ أليس العالم برمّته منهاراً، والتحوّلات، الحاصلة منذ أعوام عدّة، كثيرة وخطرة، وفي الوقت نفسه تُنجَز أفلامٌ رائعة ومهمّة وسجالية وحادّة؟ من "يقود" العالم، حالياً؟ "قادة" و"رؤساء" جمهوريات وحكومات مُصابون بأعطابٍ وتحلّل وخراب. جنون يتحكّم. فساد يتفشّى. حماقات منتشرة. "كاريزما" منعدمة. إجرام طاغٍ. حتّى المصالح، التجارية والمالية والاقتصادية والسياسية والأمنية، غير شبيهةٍ بمصالح أزمنة ماضية. أيؤثّر هذا كلّه، سلباً، على نتاجٍ سينمائي فرنسي، يُعاني تحدّيات جمّة بسبب انقضاض سياسيين عليه، ومواجهتهم إياه بالدعوة إلى تخفيض الميزانيات المخصّصة به؟

هذا غير شامل النتاج كلّه. فالأجمل معروض في دورات سابقة لمهرجانات أخرى، وجمالياته متنوّعة الأشكال لا تزال تُثير نقاشاتٍ جدّية. المشكلة أنّ أفلاماً جديدة عدّة غير مُنجزة لعرضٍ دولي أول، أو أنّ صانعيها وصانعاتها غير مكترثين بالـ"برليناله"، أو أنّ خللَ "إدارة المهرجان" يُؤدّي إلى خيارات غير سليمة.

الفيلمان الفرنسيان، "خارج الوقت" لأوليفييه أساياس و"الإمبراطورية" لبرونو دومون، معطوبان، لما فيهما من ارتباكٍ في الاشتغال، رغم ضياء تفكير ومساءلة، وطرح أسئلةٍ عن حياة وعلاقات وعيش. الرغبة في اللحاق بالأميركي ـ الهوليوودي، في أنواع سينمائية، قاتل. النتيجة؟ كارثة. سبب الكارثة؟ محاولةُ تماهٍ فرنسي بالشغل الأميركي ـ الهوليوودي تصنع عطباً، يكون كارثياً أحياناً.

 

 

أمْ أنّ "مهرجان برلين السينمائي" نفسه عاجزٌ، في دورته هذه، وفي دورات سابقة قليلة، عن اختيار الأفضل في السينما الفرنسية الجديدة؟ أمْ أنّ السينما الفرنسية عاجزة عن فعل جديد مُثير للانتباه ومهمّ للمتابعة؟ المُقلق أنّ مخرجين، مُكرّسين سينمائياً في الصناعة الفرنسية، يُنجزون الأسوأ، أو بعض الأسوأ، ومع هذا تُعرض أفلامهم تلك، للمرّة الأولى دولياً، في مهرجان "عريق"، كالـ"برليناله". رغم هذا، المؤكّد أنّ السينما الفرنسية غير عاجزة عن فعل جديد مهمّ وجميل. أفلام عدّة لا تزال تُبهر إلى الآن. الأرجح أنّ العطب حاضرٌ في "عجز" الـ"برليناله" عن الحصول على الأهمّ والأفضل، أقلّه في هذه السينما تحديداً.

يُسرف أوليفييه أساياس في ثرثرة تنظيرية، في بعضها كلامٌ عن مسائل حيّة في يوميات فردٍ وجماعة. لكنّ وفرة الكلام ثقيلةٌ، وآلية سردها غير محتملة. صراعٌ بين آدميين وكائنات فضائية في زيّ بشري نواة جديد برونو دومون، لكنّ العطب الأبرز منعكسٌ في تقليدٍ باهت لهذا النوع السينمائي الأميركي. هذا انطباعٌ أوّل، غير خالٍ من نقدٍ. هناك شيءٌ غير متماسك في نصٍّ يسرد تفاصيل عيشٍ (خارج الوقت)، وتفاصيل أخرى مرويّة في قالبٍ يجنح إلى "الخيال العلمي" (أيكون "الإمبراطورية" خيالاً علمياً، فعلاً؟)، من دون تبنّيه سينمائياً بشكل كامل.

"حيرة كبيرة تستحوذ علينا في نهاية عرض الروائي الطويل الأخير لأوليفييه أساياس"، كما تكتب كْلاريس فابر ("لو موند"، 18 فبراير/شباط 2024). هذا وصفٌ أصدق نقدياً، خاصة أنّ في جديده تعريةَ ذاتٍ قلِقة. الحيرة أكبر إزاء فيلمين اثنين، ربما يجد فيهما البعضُ ما يعجز آخرون عن الإحساس به.

المساهمون