غوّار في المستطيل الأخضر

غوّار في المستطيل الأخضر

01 نوفمبر 2022
دريد لحام ونهاد قلعي في فيلم "غوار لاعب كرة" (فيسبوك)
+ الخط -

صار بديهياً توصيف مباراة كرة القدم بأنّها عرضٌ درامي. فبنية العرض الكروي، هي نفسها بنية العرض الدرامي، من نواحي الحدث والتشويق والمنصّة والمشاهدين، بل ربما في مباراة كرة القدم من الثراء الدرامي ما يتجاوز العروض المعتادة في السينما والمسرح والتلفزيون، بسبب عشوائية المصادفات والاحتمالات وكثرتها وآنيّتها التي تتحكّم بهذا العرض الدرامي وأدواته ومآلاته، ما يجعله مزدحماً درامياً، ويحتاج إلى متابعة بصرية لحوحة وانفعالية في كلّ لحظات استمراره، كي يبدو انحياز المُشاهد كأنّه انحياز إلى الخير والفضيلة والجمال، بانتظار المفاجأة التالية التي تُلخّص السؤال الأبدي للمُشاهد: "ماذا سيحصل بعد؟".

على هذه الأسس، صاغ نهاد قلعي سيناريو فيلم "لاعب الكرة"، أو "غوار لاعب كرة" (1973)، على منوال مباراة لكرة القدم. الفيلم إنتاج سوري ـ تركي ـ مصري مشترك، أخرجه التركي خلقي سانر. يستفيد هذا الإنتاج من ذروة نجاح الثنائي الكوميدي دريد لحام ونهاد قلعي وشهرته في تلك الأعوام، وما تلاها من إنتاج كثيف للدراما التلفزيونية التي حلّت محلّ صالة السينما لاحقاً.

صوغٌ مُتخم بأحداث كثيرة ومتتابِعة بعشوائية، لا يُمكن توقّع الوصول إليها إلا عبر مجريات تشبه مجريات اللعب على المنصّة الخضراء، من حيث تأثير الحدث الأخير فيها على مجريات اللعب الذي يُثير حماسة الجمهور، ويدفعه إلى الانغماس في الفرجة، ناسياً ما جرى في المقدّمات.

في "غوار لاعب كرة" يبدأ السرد بعقدة التشاؤم من الرقم 13، المُصاب بها والد غوار، الذي له 11 ولداً، ورُزق بتوأمٍ، يتخلّص من أحدهما بوضعه أمام باب إحدى دور الأيتام، فيصبح هذا الولد، غوار، أمام مصير مفتوح، يُمكن للكاتب أنْ يُقرّر ما يريد في شأنه، بغضّ النظر عن مصير توأمه زكي. لزكي مصيرٌ، رُسِم في الخفاء، توازياً مع مصير غوار، كما مصائر طرفي المباراة، إذْ لا تقاطع بينهما، إلا بمحضِ صدفة تُنهي المباراة. كأنّ زكي ركلة كرة مُفاجئة. يحترف كرة القدم كحارس مرمى في فريق تركي، يُدرّبه نهاد قلعي في إسطنبول. زكي مُشاغب و"نسونجي"، ودائم التملّص من مُدرّبه، ليلتحق بعشيقاته. يُلاحقه المدرّب تحضيراً لمباراة حاسمة في الدوري التركي.

في المقابل، من دون أنْ يلتقيا في الحياة والفيلم، هناك غوار، الشاب الطيّب، المُتطابق شكلاً مع توأمه الذي خرج من الميتم مُصاباً بعقدة الخجل من النساء، وتعشقه الابنة الكبرى لصاحب العمل، وقد تُصادف إصرار أبيها على تزويجها قبل أختها الصغرى، المُغرمة هي أيضاً بمغنٍّ تركي يعمل في دمشق، في المطعم نفسه الذي يعمل فيه غوار، فتُصبح العقدة وحلّها بين يديه، من دون أنْ يعرف أو ينتبه. يُقرّر المطرب التركي أنْ يُعالجه من عقدته عند طبيب نفسيّ، في إسطنبول، الذي سيؤثّر لاحقاً في الطبيعة الطيّبة لغوار، ومهاراته المتواضعة.

في إسطنبول، تُراكم الأحداث العشوائية خيوطها، في مُدرّب الفريق، بمطاردته زكي. يقع غوار بين يديه، ثم يتملّص غوار منه، من دون أن يدري. يقع زكي بين يدي المُدرّب، فيعاود الهروب إلى أحضان حبيبته المتزوّجة (طروب) التي تُقدّم أغاني عدّة في الفيلم. هكذا، كأي مباراة كرة قدم تُفاجئُنا مجرياتها، ومع تخلّف زكي عن المباراة لأنّه في حضن حبيبته، تتدخل مافيا كرة القدم، وتضغط على غوار، مُعتقدة أنّه حارس المرمى زكي، فتُرشيه كي يدع الكرة تدخل المرمى. يستجيب لها، فتُسجَّل أهداف عدة في الشوط الأول. لكنّ الدواء الذي وصفه الطبيب النفسي لغوار يُغيّر مجريات الشوط الثاني، إذْ يتحوّل غوار إلى بهلوان فهلوي، ولاعب كرة شديد المهارة، إلى درجة تسجيل هدفٍ في مرمى الخصم، مع أنّه هو نفسه حارس مرمى، فتجنّ المافيا، وتهمّ بالاعتداء على غوار، قبل أنْ يظهر فريد شوقي، وحش الشاشة العربية، ويؤدّب العصابة في مشهد أكشن مصري، يضرب فيه الجميع دفاعاً عن غوار الذي أجاد اللعب. ينتهي الفيلم بفوز غوار الطيّب بقلب حبيبته، التي لا نعلم لماذا جاءت إلى إسطنبول مع أبيها وأختها، عشيقة المغنّي التركي الذي يُتحفنا بأغنيات عدّة. تنحلّ عقَد السيناريو في لحظة واحدة، كأنّ صافرة حَكَم المباراة أعلنت انتهاء المباراة/الفيلم.

إنّها الكوميديا، وانحيازها إلى المبالغة، بل الشطط في التعبير عن مفارقات تُخترع لصنع فيلم سينمائي. رغم توقع بنهاية فيلمٍ كهذا، على عكس عروض كرة القدم، التي لا يُمكن لأحد أنْ يُغفل المفاجآت التي تقلب النهايات رأساً على عقب، يضعنا الازدحام الدرامي وتنوّع مجريات الدراما في مقاربة فرجوية ممتعة، بين المباريات الرياضية والسينما التي تستطيع التعبير عن مجريات الحياة كلّها.
 

المساهمون