أفلام مصرية... صافرة البداية منذ عام 1937

أفلام مصرية... صافرة البداية منذ عام 1937

01 نوفمبر 2022
صالح سليم، لاعب الأهلي والمنتخب في الخمسينيات بطل فيلم "الشموع السوداء" (فيسبوك)
+ الخط -

اهتمّت السينما المصرية، في مرحلة باكرة من تاريخها، بكرة القدم. مع نهاية ثلاثينيات القرن الـ20، تحديداً، بدأ الاهتمام يتزايد، في شكل أعمال كاملة مُكرّسة للّعبة، أثمرت عشرات الأفلام الكوميدية غالباً، مُعظمها في ثمانينيات القرن نفسه؛ أو تمّ استثمار نجومية لاعبين، فيظهرون في أدوارٍ ثانوية، أو في لقطات عابرة، لجذب الانتباه إلى الفيلم، وتحقيق مكاسب تجارية سريعة.
هذا الاهتمام حصل في عصر لم يكن للقنوات الفضائية فيه أيّ وجود، وتقنيات تصوير وإخراج وتغطية وبثّ بدائية للغاية، مُقارنة بالوقت الراهن. الآن، اختفى كلّياً، تقريباً، هذا النوع من الأفلام في السينما المصرية، واختفى الظهور العابر للمُعلّقين الكرويّين. مثلاً، ظهور مُتكرّر للاعب نادي الزمالك والمنتخب الوطني محمد لطيف، المشهور كمذيع بـ"شيخ المُعلّقين"، و"كابتن لطيف". لا تفسير، حتّى لو أخذنا قلّة الإنتاج المصري بعين الاعتبار. الأدهى أنّه، رغم الحضور اللافت للانتباه لقامات محبوبة وذات شعبية في تاريخ الكرة المصرية، لم يُنتَج وثائقيّ واحد جدير بالتذكّر، ناهيك بالتوقّف عنده، استعراضاً وتحليلاً.

نجوم في السينما

عادل هيكل أحد الذين ظهروا كشخصيات ثانوية أو هامشية، أو في لقطات، أو كأبطال، في أفلامٍ لا تتمحور حول كرة القدم أساساً. هيكل حارس مرمى نادي الأهلي والمنتخب الوطني في خمسينيات القرن الـ20 وستينياته، فظهر في "إشاعة حب" (1960) لفطين عبد الوهاب، مع عمر الشريف وسعاد حسني ويوسف وهبي وهند رستم، مؤدّياً دور خطيب رستم، الغيور عليها بشدّة.
رغم نجومية صالح سليم، لاعب الأهلي والمنتخب في الخمسينيات والستينيات أيضاً، واستمرار تألّقه في المجال الإداري بعد اعتزاله، لم يكن نجاحه كممثل في المستوى نفسه. أبرز تجاربه، "الشموع السوداء" (1962) لعز الدين ذو الفقار. ومع أنه أدّى دور البطل أمام نجاة الصغيرة، لم يترك بصمةً كبيرة، رغم جودة الفيلم، ورسوخه في الذاكرة. كما ظهر سليم في "السبع بنات" (1961) لعاطف سالم، و"الباب المفتوح" (1963) لهنري بركات.
إكرامي، حارس مرمى الأهلي والمنتخب سابقاً، يُعتبر أوفر حظّاً بين لاعبي كرة القدم، الذين عملوا في السينما. نال حضوره بعض الرضى، ورغم ذلك، ترك رصيداً فقيراً، إذْ ترك السينما سريعاً، بعد فيلمين مع المخرج محمد عبد العزيز، "رجل فَقَد عقله" (1980) و"مرسي فوق مرسي تحت" (1981)، بالإضافة إلى "يا ربّ ولد" (1984) لعمر عبد العزيز، و"إحنا بتوع الإسعاف" (1984) لصلاح كريم.
شريف عبد المنعم، أحد أفضل لاعبي الأهلي في السبعينيات والثمانينيات الماضية، ظهر على الشاشة الكبيرة كثيراً، لكنْ من دون نجاح، بدءاً من ظهوره العابر في "إنّهم يسرقون الأرانب" (1983) لنادر جلال، ثم في "عودة الهارب" (1990) ليوسف أبو سيف، و"الصفقة" (1991) ليس إسماعيل يس، و"قبضة الهلالي" (1991) و"الغجر" (1996) لإبراهيم عفيفي، و"إمبراطورية الشرّ" (1998) لإسماعيل جمال، و"حائط البطولات" (1998) لمحمد راضي، و"فتاة من إسرائيل" (1999) لإيهاب راضي، و"بركان الغضب" (2002) لمازن الجبلي، وغيرها. كما شارك في مسلسل "الكومي" (2001) لمحمد راضي. هناك أيضاً طاهر الشيخ، العضو السابق في مجلس إدارة نادي الأهلي، ونجم الفريق في السبعينيات الماضية، الذي لم يحقّق النجاح المُنتظر بظهوره في "رحلة النسيان" (1976) لأحمد يحيى. أما جمال عبد الحميد، هدّاف الأهلي والزمالك والمنتخب في ثمانينيات القرن الـ20 وتسعينياته، وقائد الفراعنة في مونديال 1990 في إيطاليا، فكان يُتوقّع له نجاحاً سينمائياً بعد اعتزاله كرة القدم، لكنه خالف التوقّعات، رغم حصوله على فرصٍ عدّة للعمل في السينما والمسرح، كما في فيلم "الصاغة" (1994) لأحمد السبعاوي، ومسرحية "دقي يا مزيكا" (1993) لحسام الدين صلاح.
الأمر نفسه بالنسبة إلى علي ماهر، أحد أبرز مهاجمي كرة القدم، في التسعينيات الماضية. تعرض ظهوره للفشل في أفلام "حاحا وتفاحة" (2005) لأكرم فريد، و"سيد العاطفي" (2005) لعلي رجب، و"بالعربي سندريلا" (2006) لكريم ضياء الدين. كذلك، خالد الغندور، نجم الزمالك في التسعينيات، ومطلع الألفية الثالثة، اللاعب الذي حاول التمثيل، وإنْ لم يلفت ظهوره الانتباه كثيراً، كما في "سكوت ح نصوّر" (2001) ليوسف شاهين، و"الحاسة السابعة" (2005) لأحمد مكي، و"زي الهوا" (2006) لأكرم فريد. أما أحمد صلاح حسني، مهاجم الأهلي و"شتوتغارت" الألماني والمنتخب المصري، بين تسعينيات القرن الـ20 ومطلع الألفية الثالثة، فاختار العمل الفني بشكل احترافيّ، بعد اعتزاله الرياضة. أساساً، كان ظهوره عبر الشاشة الصغيرة، من خلال المسلسلات. كما أنّ له حضوراً سينمائياً، آخره في "الممرّ" (2019) لشريف عرفة. يُعتَبر صلاح حسني، رغم مآخذ عدّة على أدائه، الأكثر نجاحاً بين لاعبي كرة القدم الذين اتّجهوا إلى الفن.

أفلام كروية

أول فيلم تناول كرة القدم في السينما المصرية كان "الرياضي" (1937) لتوغو مزراحي، تمثيل الكوميدي شالوم، بالاشتراك مع نجم نادي الاتحاد السكندريّ ومُهاجمه حينها، السيد حُودة. دراما كوميدية حول بائع سندويتشات الفول والطعمية، أمام أحد أندية كرة القدم، ومُقابلته، صدفةً، لاعب الكرة السيد حودة، الباحث عن فرصة لإثبات نفسه، وبمساعدة شالوم، يلعب مع أحد أندية الإسكندرية، ما يؤدّي إلى انقلاب حياة حُودة وشالوم معاً.
"كابتن مصر" (1955) لبهاء الدين شرف، مع محمد الكحلاوى وإسماعيل ياسين وعبد الرحمن فوزي، نجم هجوم المصري البورسعيدي والزمالك، في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته. فوزي من أوائل اللاعبين الذين اتجهوا إلى السينما، استغلالاً لشعبيّته، فهو أول لاعب مصري وعربي يُسجِّل في كأس العالم هدفين في مرمى المنتخب المجري، في المدينة الإيطالية نابولي، رغم الخسارة (4 ـ 2): شاب يعشق كرة القدم، ويسعى إلى الاحتراف، رغم مُعارضة أسرته. ينضمّ إلى فريق كرة قدم، ويُحقّق انتصارات مع الفريق. في الوقت نفسه، يُغرم بجارته، فيتفقان على الزواج. لكنْ، هناك شاب ثري يسعى إلى إفساد الزواج.
"حديث المدينة" (1963) لكمال عطية، مع عصام بهيج، نجم وسط الزمالك والمنتخب الوطني في فترتي الأربعينيات والخمسينيات الماضيتين، والنجمة شويكار: قصة حياة عصام، منذ أنْ كان طفلاً، ثم تعرّفه على فتاة لعوب، وعدم التزامه. ثم استعادته توازنه، وعودته القوية إلى الملاعب. ظهر في الفيلم نجوم كرة قدم عديدين، ممن أثّروا كثيراً في حياة عصام بهيج، كحنفي بسطان ورفعت الفناجيلي وعبد الرحمن فوزي ومحمد لطيف وحسن الشاذلي ومصطفى رياض.
"أونكل زيزو حبيبي" (1977) لنيازي مصطفى. كوميدي، تدور قصته حول زيزو (محمد صبحي)، الذي يُعاني هزالاً جسدياً بشكل يثير سُخرية مَنْ حوله. ذات مرة، يتعرّض للضرب أمام ابن شقيقته، ما يُصيبه (ابن الشقيقة) بصدمة نفسية، تُفقده النطق، فيسعى إلى أنْ يُصبح بطلاً خارقاً، بتناوله أعشاباً سحرية، تجعله لاعب كرة قدم فذّ. تحدث مُفارقات، فيستعيد زيزو ثقة ابن شقيقته، ويفخر به كقدوة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

"رجل فَقَد عقله" (1980) لمحمد عبد العزيز، من الأفلام المصرية الكروية الشهيرة جداً، مع فريد شوقي وعادل إمام وسهير رمزي وإكرامي وكريمة مختار: أحمد سعد رجل أعمال، له علاقات نسائية يُبرّرها بأنّ زوجته تُهمِل نفسها، وتهتمّ بمنزلها وأولادها فقط. يتعرّف على الفنانة سوزي، فيُغرقها بأمواله، ويعدها بالزواج. يعلم ابنه زكي (عادل إمام)، لاعب كرة القدم المشهور، فيضحّي بنفسه ويتزوّجها، حرصاً على استقرار المنزل.
"4 ـ 2 ـ 4" (1981) لأحمد فؤاد، أكثر الأفلام الكروية الكوميدية الساخرة المُحبّبة للجمهور: يُقرّر عبد الغفار (أمين الهنيدي) تأسيس فريق كرة قدم من عمّال مصنعه، لكن المرض يشتدّ عليه، ويفارق الحياة. قبل ذلك، يُوصي ابنه منصور (يونس شلبي) بتولّي إدارة المصنع والفريق. تواجه منصور، الساذج والجاهل كروياً، مشاكل مالية، فيلجأ إلى مدير أعماله وصديقه حلواني (سمير غانم)، ليضعا خطة نهوض بالفريق. إلى هؤلاء، مثّل في الفيلم نجوم عديدون في الكوميديا المصرية، كوحيد سيف ونجاح الموجي ومحمود القلعاوي ولبلبة وأحمد عدوية.
"غريب في بيتي" (1982) لسمير سيف، أحد أشهر أفلام كرة القدم المصرية وأعمقها، نظراً إلى منحاه الاجتماعي أساساً. كما أنّه ارتبط بشخصية خيالية، صارت مشهورة للغاية، شحاتة أبو كف (نور الشريف)، الذي يهوى كرة القدم ويحترفها في نادي الزمالك. من سكّان الصعيد، يسافر إلى القاهرة للمرّة الأولى، ويمنحه النادي شقة مفروشة، لكن صاحبها يحتال عليه، ببيع الشقة نفسها له، ولسيدة أخرى (سعاد حسني)، ما يضطرّهما إلى العيش تحت سقف واحد.
"الدرجة التالتة" (1988) لشريف عرفة درامي جيّد، يناقش مشاكل الطبقة البسيطة، المُحبّة لكرة القدم، بإبراز الفوارق بين جمهور الدرجة الثالثة، وجمهور المقصورة الرئيسية، وبإلقاء ضوء على الصراع الناشئ بين الطبقتين، والفساد الموجود في إدارات فرق كرة القدم (تمثيل أحمد زكي وسعاد حسني وجميل راتب وسناء يونس).

تنويعات مهمّة

"الحريف" (1984) لمحمد خان، درامي اجتماعي مُتميّز للغاية، يتناول حياة فارس (عادل إمام)، عامل في مصنع أحذية، يُقيم في غرفة على سطح مبنى، بعد انفصاله عن زوجته. يهوى ممارسة كرة القدم الشعبية، أو "الكرة الشراب"، كما يُطلق عليها في مصر، وذلك في الشوارع والساحات الشعبية، مُقابل المُراهنات. رغم مهارته، لم يجد فرصة مُناسبة، بعد طرده من نادي الترسانة، فيترك نفسه لتيار الحياة وإدمان الكرة، ما يُعرّضه للفصل من عمله، لإهماله الشديد. في النهاية، يُحاول إصلاح حياته بالعودة إلى زوجته، والالتزام، واعتزال هذه اللعبة.


"الزمهلوية" (2008) لأشرف فايق، كوميدي درامي عادي، شارك فيه عددٌ من نجوم الكرة: عصام الحضري وعمرو زكي ومحمد شوقي وخالد بيبو وجمال حمزة. تدور الأحداث حول عائلتي شحاتة حسين وسليم أبو نواس (صلاح عبدالله وعزت أبو عوف)، ينتمي أحدهما إلى نادي الزمالك، والآخر إلى نادي الأهلي. بين العائلتين مشاعر عدائية كثيرة، نظراً إلى تعصّبهما الكروي الشديد. تنقلب الأمور، حين تُغرم عبير (بشرى)، ابنة أبو نواس، بحسن (أحمد عزمي)، ابن شحاتة، فيتعرّض الحبّ بينهما لعقبة التعصّب الكروي.
"واحد صفر" (2009) لكاملة أبو ذكري، دراما اجتماعية مُهمّة، سلّطت ضوءاً على شخصيات مُنتمية إلى طبقات مُتباينة، اختلفت أفعالها وسلوكياتها، لكنّها اجتمعت على شيءٍ واحد: مُشاهدة مباراة المنتخب المصري، وتشجيعه. خلفية القصة حول مباراة مصر والكاميرون، في نهائي بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2008، التي فاز بها المنتخب المصري، وتوّج بالبطولة. مع نهاية الفيلم، يحتفل الجميع، مُتناسين المشاكل والهموم والقهر.

"العالمي" (2009) لأحمد مدحت، عن لاعب كرة قدم يُدعى مالك (يوسف الشريف)، يُواجه اعتراضات من والده أحمد الخليلي (صلاح عبد الله)، الذي يُحاول إقناعه بالعمل معه في مطبعته الخاصة. بعد تغييرات كثيرة في حياة مالك، يُقرّر احتراف الكرة، ويلعب في نادي الأهلي، بوابة دخوله إلى منتخب مصر، والاحتراف الخارجي. يُسجّل هدف الفوز على منتخب الجزائر، فتنتقل مصر إلى كأس العالم 2010. أثناء ذلك، تتطوّر الأمور درامياً بشكل مُثير للغاية.
"كابتن مصر" (2015) لمعتز التوني، مع محمد إمام. دراما كوميدية عادية، عن لاعب يطمح، منذ فترة، أنْ يكون أحد أبرز اللاعبين في مصر. يدهس أمين شرطة بسيارته خطأ، فيُصاب الأمين بعاهة مستديمة، ويُحكم على اللاعب بالسجن 3 أعوام. لكنّ اليأس لا يُصيبه، فيقرّر تشكيل فريق مُحترف لكرة القدم مع زملائه المساجين.
يُذكر أنّ تاريخ كرة القدم في السينما المصرية مرصود في كتاب "كرة القدم في السينما المصرية: إعادة إنتاج حياة"، للصحفي والباحث مصطفى بيومي، (مركز إنسان للدراسات والنشر والتوزيع، 2020، 81 صفحة). تنطلق الدراسة البحثية في قراءة وتحليل الأفلام السينمائية برؤى مُتنوّعة ومُتعدّدة، وباجتهاد ملموس، مع التأكيد على أنّ أفلاماً كثيرة اتّسمت بالسطحية والتسلية، واستثمار الشعبية الجارفة لكرة القدم لتحقيق الأرباح السريعة والسهلة. الأفلام الجادّة والعميقة غابت بشكل شبه كامل، وهذا يؤكّده كلّ اقترابٍ نقدي رصين يتناول تلك الأفلام، الترفيهية أساساً.

المساهمون