رحيل جيمس كَانْ: التنويع الأدائي أساسيّ والغضب سمةٌ

11 يوليو 2022
جيمس كَانْ: "أفلامه أفضل الأفلام المُفضّلة" (بول هاريس/Getty)
+ الخط -

تعجز العناوين كلّها عن عدم ذكر "العرّاب"، أو "الأب الروحي" الذي يُفضِّله كثيرون كترجمةٍ للعنوان الإنكليزي The Godfather، في كتابة خبر وفاة جيمس كَانْ (1940 ـ 2022)، مؤدّي شخصية سنتيانو "سوني" كورليوني، بكر عائلة فيتو كورليوني، في رائعة فرنسيس فورد كوبولا، المُنجزة عام 1972. تلك الشخصية تسم ذاك الممثل سنين مديدة في حياته المهنية، رغم تعاون أول له مع كوبولا نفسه، في "ناس المطر" (1969، The Rain People)؛ ورغم أنّه منخرطٌ في التمثيل السينمائي منذ مطلع ستينيات القرن الـ20، ممثلاً في أفلامٍ لمخرجين، يمتلكون القدرة على وسم صناعة الفنّ السابع بميزة التجديد البصري، في مقاربة مسائل وحالات، كبيلي وايلدر وهاورد هوكس وروبرت ألتمان.

لكنّ بعض العناوين غير منفضٍّ عن فيلمٍ آخر له، بعنوان Misery، علماً أنّ ترجمته إلى اللغة العربية تتضمّن مفردات عدّة، تعكس مناخ النصّ السينمائي، ونفسية الشخصية الأساسية، بول شيلدون، التي يؤدّيها جيمس كَاْن ببراعةٍ منبثقة من اختباراتٍ وتمارين، تُمكّنه من اختراق جدران عالم ذاك الروائيّ، الذي يُقرِّر، بعد سلسلة روايات، قتل "شخصيته الأساسية"، لتقديم جديدٍ ما. فيلمٌ موصوف بأنّه دراما ـ ثريلر، يُظهر فيه كَانْ كيفية تجريد الدور/الشخصية من متخيّلها، المصنوع بقلم ستيفن كينغ، من دون إقصاء المتخيّل كلّه عنها، ليُتيح للممثل إمكانية منحها سمات كائنٍ حيّ، يتجوّل في أروقة النفس ودهاليز الروح وتجاذبات المشاعر والاضطرابات، بإدارة روب راينر، المخرج الذي يُتقن، بدوره، تحويل النص الروائي الأصلي (1987) إلى متتاليات سينمائية (1990)، تُشرِّح نفساً وعقلاً وانفعالاتٍ، يُساهم كَانْ في تشريحها، بما يمتلكه من مفردات تمثيلية، مكشوفة سابقاً في "لصّ" (1981، Thief) لمايكل مانّ، مثلاً، الفيلم الذي يُعتَبر أحد تجلّيات الأداء الباهر لكَانْ.

"لصّ" سيكون مفصلاً في لائحة المنعطفات البارزة، في السيرة المهنية لكَانْ، المنتهية، سينمائياً، بـ"ملكة النحل" (2021، Queen Bees)، لمايكل لامْبِك. لن تكون الترجمة الفرنسية لعنوان "لصّ" غريبة عن التفاصيل الهامشية في حكاية فرانك، سارق المجوهرات: Le Solitaire، الذي يعني الوحيد والمنزوي والمتقوقع والموحش والمنعزل وغيرها، وهذا قريبٌ من الحالة، النفسية والاجتماعية والحياتية، المُقيم فيها رجلٌ يُقرّر تأسيس عائلة مع أمينة الصندوق، جيسّي (تيوسْداي وَالْد). لكنّ العنوان الفرنسي نفسه يُحيل، أيضاً، إلى نوع من المجوهرات الفاخرة، اسمها "سوليتير".

التنويع في أنماط الأدوار/الشخصيات ـ التي يؤدّيها من سيُخرج فيلماً واحداً في حياته المهنية، بعنوان "إخفاء في مكانٍ عادي" (1980، Hide In Plain Sight) ـ كفيلٌ بعدم زجّه في صورة محدّدة، مع أنّ نقاداً غربيين يرون أنّ سوني كورليوني يضع جيمس كَانْ في شخصية رجل متوتر وغاضبٍ وعصبيّ، وهذا يروقه ويتابعه في أفلامٍ كثيرة أخرى.

 

موقف
التحديثات الحية

 

اشتغاله في "العرّاب" لن يكون الوحيد المرتبط بالعائلات المافياوية، ففي حياته اليومية يواجِه كَانْ تحدّيات عالم الجريمة المنظّمة، إذْ يذكر تقرير لـ"وكالة فرانس برس"، لكاتبه أندرو مارزل (6 يوليو/تموز 2022)، أنّ الحاصل معه لاحقاً يبدو "صدى" لدوره في "العرّاب"، إذْ يُستدعى للمرّة الأولى كشاهدٍ، عام 1985، في قضية تتعلّق بمافياويٍ في نيويورك، لتعرّفه، في طفولته، إلى أحد المتّهمين المنتمين إلى عائلة كولومبو؛ ويُستدعى ثانيةً، في نيويورك أيضاً، ليشهد في قضية أخرى، عام 1992، إذْ يُقدَّم كـ"صديق مُفضَّل لعضو مشهور في العائلة المافياوية بونانّو، الجالس بدوره على كرسيّ الاتّهام".

يستحيل اختزال سيرته المهنية، الممتدة إلى التلفزيون، أفلاماً وأعمالاً درامية. أسماء مخرجين عديدين كافيةٌ لكتابةٍ تتجاوز رثاءً غير ضروري، رغم مهنة تتطلّب رثاءً في لحظةٍ كهذه: سام بيكنباه وريتشارد أتنبورو وستيفن سبيلبيرغ ووس أندرسن ووارن بيتي وتشاك راسل ولارس فون ترير وجيمس غراي وغيرهم، وبعض تلك الأسماء عائدٌ إلى ممثلين ينتقلون إلى الإخراج بين وقتٍ وآخر، كالأميركي مات ديلون، المتعاون معه في "مدينة الأشباح" (2002، City Of Ghosts)، والفرنسي غييوم كاني، مخرج "روابط الدم" (2013)، بعد أعوامٍ على اشتغاله مع الفرنسي كلود لولوش، في Les Uns Et Les Autres، عام 1981، وقبل "أراضٍ مُقدّسة" (إنتاج فرنسي بلجيكي، 2019)، للكاتبة والسيناريست الفرنسية أماندا ستيرس، المُقيمة بين باريس ولوس أنجيليس.

اختبارات كهذه تقول إنّ في جيمس كَانْ ـ الذي سيقول آدم ساندلر عن أفلامه، بعد رحيله، بأنّها "أفضل الأفلام المُفضّلة" ـ ما يُغري للتعامل معه، أو ربما لأنّ كَانْ نفسه ـ "الصديق القديم"، و"أحد أطرف الأشخاص الذين أعرفهم على الإطلاق"، كما يقول فرنسيس فورد كوبولا فور شيوع نبأ وفاته، بعد 3 أشهر و10 أيام على احتفاله بعيد ميلاده الـ82 (26 مارس/آذار 1940) ـ محتاجٌ إلى تنويعٍ، أو إلى عملٍ، فتكون مشاريع كهذه وظيفة، يحافظ فيها على كثيرٍ من حِرفيته المهنية، تلك الحِرفية التي تظهر في أدوار/شخصيات تلفزيونية، يجمع فيها بين حالات مافياوية وحسّ أمني/استخباراتي (له أدوار في أفلامٍ منضوية في هذا النوع السينمائيّ)، كذلك فإنّ له حضوراً في حلقة واحدة (2) في موسم واحد (16) من "سيمبسون"، المسلسل الأشهر في عالم التحريك.

المساهمون