دليلك إلى أدوات إسرائيل للتأثير على الرأي العام

دليلك إلى أدوات إسرائيل للتأثير على الرأي العام

21 فبراير 2024
لافتة في مسيرة بنيويورك الأميركية تنتقد خضوع الكونغرس لضغوط "أيباك" (الأناضول)
+ الخط -

يعمل الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود على تمتين وترسيخ آلته الدعائية في الغرب، ما خلق رأياً عاماً منحازاً للاحتلال، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية. وتستند إسرائيل بشكل أساسي إلى منظمات وجماعات ضغط، يراوح عملها بين الترغيب والترهيب؛ ترهيب مؤسسات إعلامية أو جماهات أو أفراد، في حال عبّروا عن مواقف منتقدة لجرائم الاحتلال خلال حرب الإبادة على قطاع غزة أو قبلها.

هنا أبرز أدوات إسرائيل للتأثير على الرأي العام:

  • جماعات الضغط

رصد موقع "مسبار" 51 جماعة ضغط (لوبي) مختلفة مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة وحدها، من دون احتساب طيف واسع من المنظمات حول الكوكب. 

وتراوح أحجام جماعات اللوبي الإسرائيلي بين الضخمة التي يتجاوز عدد أعضائها 100 ألف، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، والصغيرة التي يبلغ عدد أعضائها العشرات.

  • كاميرا 

"لجنة الدقة في إعداد التقارير عن الشرق الأوسط في أميركا" (وتُعرف اختصاراً بـ"كاميرا")، مسؤولة عن الضغط على وسائل الإعلام الأميركية والتحكم بخطوطها التحريرية عند تغطية القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية وإسرائيل.

تأسّست "كاميرا" عام 1982، ويعمل لديها أكثر من 65 ألف عضو مدفوعي الأجر، يتولّون إعداد التقارير حول التغطية الإعلامية عن إسرائيل، وحشد الاحتجاجات ضد التقارير التي تنتقدها، واحتكار صفحات الإعلانات في الصحف الكبرى، وتنظيم التظاهرات ضد المؤسسات الإعلامية، وتشجيع الممولين على حجب الأموال، وتنظيم رسائل الاحتجاج الجماعية ضد المحرّرين ومدراء المؤسسات الإعلامية.

  • رابطة مكافحة التشهير

تظهر رابطة مكافحة التشهير (ADL) كمنظمة حقوقية مناهضة للكراهية، ومنذ عقود وهي تظهر بمظهر المصدر الموثوق الذي يقدّم الإحصائيات الدقيقة حول الأفعال والجرائم "المعادية للسامية" في الولايات المتحدة.

لكن الرابطة، التي تأسّست عام 1913، لطالما تبنّت مواقف عنصرية ضد العرب والمسلمين والسود في الولايات المتحدة، وتروّج وترسّخ لخطاب محافظ، وتهاجم السياسات التقدمية عبر مختلف حقب أميركا، بما في ذلك الحراك الذي يقوده يهود وفلسطينيون أميركيون ضد الإبادة الجماعية في غزة، ما جعلها منذ أكثر من قرن حليفاً استراتيجياً لليمين الأميركي.

وفي 1993 اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أنّ الرابطة تجسّست وتسللت وحصلت على ملفات شرطة بشكل غير قانوني لآلاف المنظمات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي.

  • "أيرون تروث"

"أيرون تروث" (الحقيقة الحديدية)، مجموعة مكوّنة من عاملين في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، يستغلون علاقاتهم بموظفين إسرائيليين أو متعاطفين مع إسرائيل في كبريات شركات التواصل الاجتماعي لحذف منشورات مؤيدة للفلسطينيين أو منتقدة لدولة الاحتلال.

وتستخدم المجموعة طرقاً ملتوية لحذف المنشورات. تمتلك مجموعة على "تليغرام" يشارك عبرها الأعضاء المنشورات التي يريدون حذفها، ثم يتخطّون الإجراءات الرسمية والشرعية.

ويستعين أعضاء المجموعة بموظفين في شركات التكنولوجيا لا ينتمون للفرق المعنية بوضع سياسات المنصات والإشراف على المحتوى، بل معظمهم في إدارة المنتجات وتطوير البرامج. وبالتالي، يتواصل أعضاء المجموعة مع موظفي شركات التكنولوجيا الذين يتواصلون بدورهم مع زملائهم في الأقسام المعنية بالمحتوى، ويشاركونهم المنشورات المطلوب إزالتها.

يُذكر أن منظمات عدة، بينها "هيومن رايتس ووتش"، اتهمت شركة "ميتا" بأنها تعمل على إسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين على منصتيها "فيسبوك" و"إنستغرام".  وكان مجلس الرقابة المستقل في "ميتا" قد انتقد الشركة لإزالتها منشورات تظهر المعاناة الإنسانية جرّاء العدوان الإسرائيلي المتواصل.

  • إعلانات في كل مكان

تصرف إسرائيل ملايين الدولارات على الإعلانات المروّجة لسياساتها أمام مختلف الجماهير والشعوب حول العالم. 

وأوردت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أن إسرائيل خصّصت 4.6 ملايين دولار لحملتها الإعلانية في فرنسا، تجتاح بها "يوتيوب" وتطبيقات ألعاب الهواتف الذكية.

وعرضت إسرائيل سلسلة من الإعلانات مدتها 30 ثانية خلال مباراة السوبر بول الأميركي الأخيرة، التي شاهدها 123.7 مليون شخص، لتعزيز روايتها.

  • التخويف والتهديد

الخوف أداة رئيسية في يد إسرائيل للسيطرة على الخطاب حول جرائمها. يكفي الاطلاع على أغلب التقارير عن الاحتجاجات الداخلية ضد إسرائيل في المؤسسات الإعلامية، حيث يُصرّ الموظفون على إخفاء أسمائهم خوفاً من الانتقام عند الإدلاء بشهاداتهم للإعلام، والهجمات التي تُشن ضد مشاهير هوليوود المتضامنين، وطلّاب الجامعات، والنشطاء، وحتى ذوي المهن البعيدة عن السياسة، مثل الطب والمحاماة وموظفي الطيران، الذين طُردوا من أعمالهم أو تلقوا إجراءات تأديبية لمجرد انتقادهم إسرائيل.

وينشر حساب بعنوان "أوقفوا معاداة السامية" بشكل يومي لقطات "سكرينشوت" لمنشورات موظفين وأكاديميين وغيرهم وهم يتحدّثون عن الإبادة الجماعية الجارية في غزة، وينشر معلوماتهم الخاصة للتواصل مع إداراتهم للضغط عليها من أجل اتخاذ الإجراءات ضدهم. 

أما بالنسبة للمشاهير، فتستخدم إسرائيل البيانات، والصحافة، ومواقع التواصل من أجل التنمر عليهم، ومضايقتهم، والمطالبة بمقاطعتهم، وقد اشتكى بعضهم من تهديدات تطاول سلامتهم وحياتهم بعد دفاعهم عن المدنيين الفلسطينيين ضد جرائم إسرائيل.

  • مشروع 10/7

بالتزامن مع العدوان الحالي على غزة، دشّنت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، وهى أقوى مجموعة ضغط إسرائيلية، حملة جديدة للتأثير على الرأي العام، أطلقت عليها اسم مشروع 10/7.

ويضم المشروع "أيباك" واللجنة اليهودية الأميركية، والاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، ورابطة مكافحة التشهير، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الرئيسية.

المشروع الجديد يهدف إلى ضمان استمرار دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي للعدوان على غزة، وتوجيه التغطية الإعلامية للحرب، وفرض معلّقيها على الصحافة.

ولا يخفي المشروع تنمّر إسرائيل في بيان المشروع، الذي يقول إنه سيواجه التغطية المؤيدة لفلسطين "من خلال الاستجابة السريعة العدوانية والحملة الإعلامية الشاملة".

الهسبراه... المبدأ الذي تقوم عليه دعاية إسرائيل

تدور كل أدوات التأثير في يد إسرائيل حول آلة دعائية تُعرف بالعبرية باسم "الهسبراه"، التي تُترجم إلى "شرح" باللغة العربية.

وانتشر المفهوم في أوائل القرن العشرين على يد الناشط والصحافي الصهيوني البولندي ناحوم سوكولو، ويقوم من جهة على تصوير النضال الفلسطيني "إرهاباً" "لاسامياً" و"نازياً" يهدف إلى القضاء على اليهود، ومن جهة أخرى على تعزيز الإسلاموفوبيا في الدول الأوروبية لصبغ النضال الفلسطيني بصبغة دمويّة لا تختلف عن "داعش"، كوسيلة لقطع الطريق أمام أيّ تعاطف مع القضيّة الفلسطينيّة.

أما باقي ركائز الهسبراه فهي نفسها التي تقوم عليها أشكال الدعاية الحديثة، وتأخذ شكل مقاطع فيديو، ورسوم بيانية، ومنشورات، ووسوم على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنشرها كلها وتروّج لها السلطات الإسرائيلية.

تأييد فلسطين ينمو رغم كل الدعاية

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وتراكم المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، ارتفعت أصوات تنتقد دولة الاحتلال وجيشها، كما برزت أصوات جماعات يهودية مناهضة للصهيونية، طالبت بوقف إطلاق النار.

أما في الجامعات فأقيمت احتجاجات وتظاهرات متضامنة مع فلسطين، كانت حتى سنوات قليلة ماضية مستحيلة.

ورصدت ورقة علمية نشرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت تراجع نسبة المطالبين بدعم إسرائيل في الولايات المتحدة من 41% إلى 32% في الأسابيع الأولى من العدوان.

كذلك، يؤيد 68% من الأميركيين وقف إطلاق النار. وارتفعت نسبة الذين طالبوا باتخاذ الولايات المتحدة موقفاً محايداً من 27% إلى 39%. 

ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينت إن "التأييد الذي يحظى به الفلسطينيون في وسائل التواصل الاجتماعي الصينية على سبيل المثال يعادل 15 ضعفاً التأييد لإسرائيل".

وبالرغم من كل الأدوات الدعائية الأخطبوطية، ينسحب البساط تدريجياً من تحت إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، بفضل رواد مواقع التواصل الذين يفضحون جرائم الاحتلال في غزة كل يوم.

كما بدأت أغلب تقارير المنظمات الدولية ووسائل الإعلام المختلفة تشكّك كثيراً في الروايات الإسرائيلية، خصوصاً عند تغطية جرائم من نوع قصف واقتحام المستشفيات في غزة، وتبرير قتل المدنيين من الأطفال والنساء، وقصف مراكز الإيواء، وقتل المدنيين في أثناء نزوحهم نحو الجنوب.

ولاحظت الدراسة أنّ الصورة "الإرهابية" التي تقدمها إسرائيل عن العرب أصبحت أقل قابلية للتصديق، بينما تواجه هي تقديم نفسها بشكل إيجابي بالتشكيك.

المساهمون