إغلاق "آبل ديلي" في هونغ كونغ... صوتٌ آخر يُخنق

إغلاق "آبل ديلي" في هونغ كونغ... صوتٌ آخر يُخنق

27 يونيو 2021
تأسست الصحيفة المؤيدة للديمقراطية قبل 26 عاماً (دانيال سون/ فرانس برس)
+ الخط -

اصطف مئات المواطنين أمام مقر صحيفة "آبل ديلي" في هونغ كونغ يوم الخميس الماضي، للحصول على إصدارها الأخير بعد قرار إغلاقها، في أعقاب اتخاذ السلطات إجراءات صارمة بحق القائمين عليها بموجب قانون الأمن القومي الصارم الذي فرضته بكين على المستعمرة البريطانية السابقة.

كانت السلطات الحكومية قد اعتقلت في وقت سابق رئيس التحرير جيمي لاي (73 عاماً)، بالإضافة إلى خمسة مديرين تنفيذيين، ووُجّهت التهم إلى رئيس التحرير راين لو ومديرها العام شونغ كيم-هونغ، فيما أُفرج عن الثلاثة الآخرين بكفالة مالية في انتظار تحقيقات إضافية. كما جمدت أصول الصحيفة وحساباتها المصرفية، بتهمة التواطؤ مع جهات أجنبية وتعريض الأمن القومي للخطر، الأمر الذي حال دون قدرة الإدارة على دفع مستحقات الموظفين، ما دفعها إلى اتخاذ قرار بإغلاق الصحيفة بعد 26 عاماً على تأسيسها. ويوم الأربعاء الماضي، أوقفت شرطة هونغ كونغ أيضاً يونغ شينغ-كي، وهو أحد أبرز كاتبي المقالات في الصحيفة، بتهمة "التواطؤ مع دولة أجنبية".

تعتبر "آبل ديلي" الصحيفة الأكثر تأثيراً في المستعمرة البريطانية السابقة والصوت القوي للمعارضة المناهضة للحكومة المركزية في بكين. وقد أعرب ناشطون عن استيائهم إزاء قرار إغلاقها، وقالوا إن الأمر لا علاقة له بعدم قدرة إدارتها على تغطية تكاليفها، بل جاء استجابة للضغوط التي مورست عليها بموجب قانون الأمن القومي، وأشاروا إلى أن ذلك يمس قيم الحرية والديمقراطية التي ميزت هونغ كونغ عن البر الرئيسي الصيني خلال العقود الماضية.

اعتُقل مسؤولون في الصحيفة وجُمدت أصولها وحساباتها المصرفية

اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس "يوم حزين لحرية الإعلام في هونغ كونغ والعالم". وأضاف "من خلال التوقيفات والتهديدات والإكراه بموجب قانون الأمن القومي الذي يجرّم حرية التعبير، أصرّت بكين على استخدام سلطتها لقمع وسائل إعلام مستقلة وإسكات الآراء المعارضة". وشدّد على أن "عمل الصحافة ليس جريمة". كما دان وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، الأربعاء، إغلاق الصحيفة، وقال إن الهدف منه هو إسكات المعارضة. وكتب على منصة "تويتر" أن "الإغلاق القسري للصحيفة من قبل سلطات هونغ كونغ هو ضربة مروعة لحرية التعبير" في المدينة. وأضاف "من الواضح تماماً أن الصلاحيات الممنوحة بموجب قانون الأمن القومي تُستخدم أداة للحد من الحريات ومعاقبة المعارضة بدلاً من الحفاظ على القانون العام"، داعياً الصين إلى احترام التزاماتها بموجب اتفاق تسلم المدينة من بريطانيا في 1997.

هذا وكان البرلمان الصيني قد أقر قانون الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ في شهر يوليو/تموز من العام الماضي. يتيح القانون الذي أثار جدلاً واسعاً في حينه مزيداً من الصلاحيات لبكين لتعزيز قبضتها الأمنية، ويعتبر أي أنشطة معارضة للحكومة المركزية عملاً يعزز النزعة الانفصالية في الجزيرة ويهدد أمن واستقرار الدولة.

يعتبر اعتقال رئيس تحرير "آبل ديلي" جيمي لاي، في أغسطس/آب من العام الماضي، أول الإجراءات التي اتخذتها السلطات بموجب القانون الجديد. وقد وجّهت اللجنة المركزية للشؤون السياسية والقانونية، وهي أعلى هيئة لإنفاذ القانون في الصين، تهما عدة له منها: التواطؤ مع بريطانيا والولايات المتحدة، وتحريض الشباب على إثارة الشغب في هونغ كونغ.

عُرف لاي بمواقفه المناهضة للحزب الشيوعي الصيني منذ مشاركته في احتجاجات ميدان تيانانمن عام 1989، قبل أن يفرّ إلى هونغ كونغ، بعد ملاحقة المعارضين في البر الرئيسي الصيني، حيث أسس هناك صحيفته الشهيرة التي ذاع صيتها عام 1997 حين حذرت من التداعيات السياسية لاستعادة الصين للمستعمرة البريطانية السابقة، بموجب صيغة "دولة واحدة ونظامان". كما رفضت الصحيفة الإصلاحات الانتخابية المقترحة من قبل بكين عام 2014 التي أشعلت شرارة احتجاجات شعبية استمرت قرابة ثلاثة أشهر، عُرفت بثورة المظلات.

وعام 2019، كان لها دور بارز في الاحتجاجات الشعبية الرافضة لمشروع قانون تسليم المجرمين للصين، فوسط الاحتجاجات زار لام واشنطن، والتقى بنائب الرئيس الأميركي آنذاك مايك بنس، كما التقى بوزير الخارجية مايك بومبيو، وناقش معهما الأوضاع الميدانية وملف حقوق الإنسان، الأمر الذي أثار غضب بكين.

حول الإجراءات الحكومية التي تسببت في إغلاق الصحيفة، قال الناشط الحقوقي جيانغ براون، في حديث مع "العربي الجديد"، إن قانون الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ "فصّل خصيصاً من أجل ملاحقة المعارضين، وإسكات الأصوات المطالبة بالديمقراطية، وفي مقدمتها (آبل ديلي) التي كانت منبراً للحق والحرية". ولفت إلى أن زيارة جيمي لاي إلى الولايات المتحدة كانت بداية النهاية بالنسبة للصحيفة، لكنه اعتبر أن القشة التي قصمت ظهر البعير هي "مانشيت" في الصفحة الأولى طالب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالتدخل لإنقاذ الجزيرة، وذلك بعد أن أعلنت بكين اعتزامها تمرير قانون الأمن القومي عام 2020.

الناشط الحقوقي جيانغ براون: "مانشيت" في الصفحة الأولى طالب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالتدخل لإنقاذ الجزيرة كان القشة التي قصمت ظهر البعير

وأضاف جيانغ براون أن موقف جيمي لام المناهض للحزب انعكس بشكل واضح خلال السنوات الست الماضية على تغطية الصحيفة للأخبار والأحداث، إذ كانت تقف بالمرصاد لكل تشريعي صيني له علاقة بمستقبل هونغ كونغ، وفي المقابل اعتبرت بكين الصحيفة والقائمين عليها أداة بيد الغرب تهدف إلى زعزعة الاستقرار في الجزيرة، واعتبرت لاي العقل المدبر للاحتجاجات الشعبية، لكنه شدد على أن ذلك لا يجب أن يكون مدعاة للإجراءات التعسفية سواء في اعتقال رئيس التحرير أو التسبب بإغلاق الصحيفة، معتبراً أن ذلك يتعارض مع الدستور الأساسي المعمول به في المدينة الذي يكفل الحقوق العامة بما فيها حرية الرأي والتعبير.

من جهة ثانية، استعار كانغ وو، وهو أحد قراء الصحيفة، جملة لجيمي لاي قال فيها: "الشيوعيون بارعون جداً في بث الخوف في نفوس الناس لإخضاعهم"، وذلك للتعبير عن واقع الحال في هونغ كونغ تحت ظل قانون الأمن القومي. وقال في حديث مع "العربي الجديد": "من المؤسف أن تكون النهاية بهذه الصورة، لا معنى لأن تصرخ من دون صوت"، وأضاف أن "آبل ديلي" كانت "تعبر عن أصواتنا وهمومنا ومشاكلنا. بعد اليوم لن يسمعنا أحد، ولن يلتفت إلينا أحد أيضاً".

واحد من قرّاء "آبل ديلي": من المؤسف أن تكون النهاية بهذه الصورة، لا معنى لأن تصرخ من دون صوت

ولفت كانغ إلى أن إغلاق الصحيفة ليس مجرد خسارة للقراء، بل نكسة في تاريخ هونغ كونغ، لأن ذلك يشير إلى تضاؤل هامش الحريات الذي لطالما ميّز الجزيرة وجعلها قبلة للمعارضين، سواء في تايوان أو في البر الرئيس الصيني. وأشار إلى أنه اشترى النسخة الأخيرة من الصحيفة وينوي الاحتفاظ بها في مكتبته، لأنها تمثل فصلاً من فصول النضال من أجل انتزاع الحقوق والحريات التي سُلبت منهم منذ إعادة المستعمرة البريطانية السابقة إلى الحضن الصيني عام 1997، وفقاً له.

يذكر أن هونغ كونغ تتراجع تدريجياً في الترتيب السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" غير الحكومية لحرية الصحافة، إذ انتقلت من المرتبة 18 عام 2002 إلى المرتبة 80 هذا العام. أما الصين القارية فهي في المرتبة 177 من أصل 180 دولة مصنّفة.

المساهمون