ألمانيا: قانون المحادثات المشفّرة يثير مخاوف الخصوصيّة

صحافيون في مطار برلين sean gallup/getty
27 أكتوبر 2020
+ الخط -

أقرّت الحكومة الألمانية، أخيراً، قانون إعطاء الصلاحيات لأجهزة استخباراتها بالتنصت على المحادثات التي تتم عبر التطبيقات المشفرة (على غرار "ماسينجر" و"واتساب" التي تشفّر المكالمات والرسائل بين طرفين)، باستخدام برامج تنصت، وأحالته إلى البوندستاغ (المجلس التشريعي الاتحادي) للمصادقة عليه. هذا القرار، حتم بروز مخاوف وانتقادات حوله، بينها ما يتعلق بالتعدي على الحقوق الأساسية للأفراد، إلى كيفية التعامل مع الشق التقني والفني بين الأجهزة وشركات خدمات الاتصالات، عقب تمكّن الحكومة الاتحادية بعد سنوات من المحاولات المتكررة من إضفاء الشرعية على هذا النوع من العمل الاستخباري، وتوسيع إطار عمل سلطات التحقيق على المحادثات المشفرة، ما سيسمح أيضاً بالتبادل الموسع للمعلومات بين الأجهزة المدنية والعسكرية.

أمام هذا الواقع، أعرب المفوض الفيدرالي لحماية البيانات أولريش كيلبر، عبر شبكة "أن تي في" الإخبارية، عن انتقاده لخطط الحكومة لمنح الأجهزة خيارات مراقبة إضافية تسمح بقراءة الرسائل في خدمات الدردشة المشفرة، ووصفها بأنها "عملية اقتحام واسعة النطاق للخصوصية". وقال: "بدلاً من معالجة هذه الإصلاحات واعتماد خيارات مراقبة جديدة، أدعو إلى تعليق القانون وإجراء تحليل علمي مستقل للقوانين القائمة"، متحدثاً عن العديد من أوجه القصور في القانون الجديد، بينها أنه لم يتم تحديد نطاق جمع المعلومات بشكل واضح. ونتيجة لذلك هناك خطر من أن تصبح مراقبة شبكات الاتصالات وجمع المعلومات، مصدراً للبحث عبر الإنترنت، وهو لا ينبغي تقديمه بالفعل. وعلاوة على ذلك، فإنّ هذا ينتهك شرط الفصل الدستوري بين سلطات الشرطة وأجهزة المخابرات"، موضحاً أنّ هناك خطراً يتمثل في مدى رقابة الدولة وتجاوزه ما يمكن أن تتحمله الديمقراطية". أما نائب رئيس كتلة الليبرالي الحر، شتيفان توماي، فانتقد القرار، معتبراً أنّ حقيقة السماح لأجهزة الاستخبارات بمراقبة الاتصالات المشفرة هو بمثابة بيع للحقوق المدنية، ومن المدهش أن تؤيد وزيرة العدل ذلك السلوك، وأن تقدم على هذه الخطوة بحق المواطن الشفاف، ما يمثل انتهاكاً هائلاً للحقوق الأساسية. 

أعرب فرع منظمة "مراسلون بلا حدود" في ألمانيا عن تخوفه من تعرض الصحافيين لضغوط لكشف مصادر معلوماتهم وفق هذا القانون. وفي الإطار، أبرزت صحيفة "دي فيلت" أنّ هناك ثمناً بعد أن باتت الخصوصية الرقمية في خطر، مشيرةً إلى ضرورة وجود شرط أساسي من الناحية الفنية، يقضي بألا يكون الوصول إلى الهواتف المحمولة والبيانات سهلاً، كما كان ممكناً على ما يبدو لضباط الشرطة اليمينيين الذين يصلون من دون تصريح إلى البيانات الخاصة للسياسيين أو الناشطين اليساريين، وبأن يكون الوصول إلى الرسائل المشفرة يتطلب المرور بمراحل للولوج إلى البيانات، والتدقيق والموافقة عليها مسبقاً من قبل هيئة الإشراف في البوندستاغ، في تأكيد على ضرورة عدم إساءة استخدام هذا الحق للأجهزة المعنية.  

في المقابل، اعتبر حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنّ "القرار يعني مكاسب في الأمن للحد من المخاطر والسماح للأجهزة بمواصلة ممارسة دورها كنظام إنذار مبكر في العصر الرقمي باستخدام الوسائل التقنية والرقمية اللازمة، للتصدي للتهديدات اليمينية التخريبية والإرهابية المتطرفة التي تواجهها البلاد"، بدلاً من الاضطرار إلى الاعتماد على معلومات أو نصائح من أجهزة دول أخرى.

وفي رد على الانتقادات التي طاولت توجهات الحكومة، وصف وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر القرار بأنه خطوة طال انتظارها للمساهمة في مكافحة التطرف والارهاب. وبررت الوزارة الأمر بأنّ الأحداث والتطورات الجارية في مجال الإرهاب واليمين المتطرف حتّمت مثل هذه التعديلات، استجابةً لمطالبات الأجهزة. وأضافت أنّها تأتي لتعقب عمليات التطرف الراديكالية قبل حصولها، وبينها نشر الكراهية والتحريض ضمن مجموعات مغلقة أو رسائل مشفرة لاستقطاب متطرفين آخرين. مع العلم أنّ مشروع وزارة الداخلية نص على أنه يجوز لجميع أجهزة الاستخبارات التجسس الرقمي على الهواتف الذكية أو أجهزة الحواسيب الخاصة بالمشتبه بهم وقراءة دردشاتهم سراً.

وعن المغزى من هذا القرار وخلفايته العملية والتقنية والفنية، أشارت "دي تسايت" إلى أنّ العديد من الخدمات الرقمية الحديثة مثل "واتساب" أو "ثريما" وغيرها، لم تعد تنقل الرسائل بنص عادي لكن بطريقة غير مفهومة للأحرف ولا يمكن قرءاتها مرة أخرى إلا من خلال جهاز المستلم، وهذا سيئ للمحققين الذين يريدون معرفة ما يتم تداوله عبر هذه الشبكات، وهدف الداخلية الوصول إلى مصدر الاتصال كالهاتف أو الجهاز اللوحي أو الكومبيوتر. وبخصوص الآلية، قالت إنّه سيصار مثلاً إلى تثبيت مراقبة الاتصال من المصدر، أي شركات خدمات الاتصالات، على شكل تحديثات برامج خفية لا يلاحظها المستخدم في وقت يكون خاضعاً لمراقبة فورية، على عكس عمليات البحث عبر الإنترنت، حيث يمكن الوصول إلى جميع البيانات من جهاز واحد، وبلغة واضحة. فإذا اشتبه المكتب الفيدرالي لحماية الدستور في قيام شخص ما بالتخطيط لهجوم إرهابي، فإنّ شركات الاتصالات، على سبيل المثال، ستضطر إلى المساعدة في تعقب مراسلات جهاز هذا الشخص. يبقى القلق جدياً من الثغرات الأمنية التي تتركها الأجهزة للقبض على شخص مشبوه، إذ يمكن لأي جهة فاعلة اخرى، استغلال نقاط الضعف هذه، بما فيها الاستخبارات الأجنبية أو القراصنة، بحيث يتم اختراق أمان جميع الأجهزة، وهو ما أشار إليه السياسي عن حزب اليسار انكه دومشايد برغ في حديثه لـ"دير شبيغل" أخيراً، محذّراً من أنّ "ما تقوم به الحكومة الاتحادية يجعل تكنولوجيا المعلومات لدينا أقلّ أماناً". 

وتساءلت "دي تسايت" عن إمكانية التراجع تلقائياً عن التغييرات التي تم إجراؤها عند انتهاء التدبير، بقدر الإمكان "تقنياً"، وما العمل إذا لم يكن بالإمكان حذفه؟ وكذلك، ما إذا كان المشتبه به يمكنه المطالبة بتعويض من الدولة أو حتى من مزود الاتصالات في حال حصول مثل هذا التعدي على الحقوق الأساسية، علماً أنّ النص القانوني لا يعطي تبريراً مفصلاً عن السبب الذي يجعل الشركات تساعد الدولة في المراقبة، وهذا ما وصفه رئيس الأمن السيبراني الدولي في "مؤسسة المسؤولية الجديدة" سفين هربيغ بأنّه عملية تحايل على مشكلة كيفية الوصول إلى جهاز تريد تثبيت برنامج مراقبة عليه.

المساهمون