اللهجات السورية: مصطلحات ينطقها فيسبوك

اللهجات السورية: مصطلحات ينطقها فيسبوك

10 ابريل 2020
كانت إدلب تعاني تهميشاً مقصوداً من قبل النظام (Getty)
+ الخط -
جعلت ظروف الحجر المنزلي التي أجبرت الناس عبر العالم على لزوم منازلهم، الإقبال مضاعفاً على وسائل التواصل الاجتماعي لتمرير أوقات الحجر بالتسلية والتواصل داخل المحيط الافتراضي، ولا سيما للمنقطعين عن الأعمال، في ظل انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم. وخلال ذلك، كانت للسوريين طقوسهم في أيام الحجر والجلوس في المنازل، عندما لجأ بعض مرتادي وسائل التواصل إلى إنشاء مجموعات على فيسبوك تُعنى باللهجات المحكية في المدن والمحافظات، والمصطلحات والكلمات القديمة فيها، وتشرح معانيها ودلالاتها، لتتطور هذه المجموعات خلال فترة قصيرة، وتكون موضوعاتها ومشاركات الأعضاء فيها متنوعة وأوسع من اللهجات والمصطلحات، لتشمل المأكولات الشعبية، والأمثال، والقصص التاريخية، والشخصيات المميزة في تلك المحافظات، إضافة إلى الدور الحضاري والتاريخي الذي لعبته في تاريخ سورية. ورغم أن الفكرة قديمة نوعاً ما على مواقع التواصل، من خلال مجموعة "كلمات حلبية أنتيكا"، التي أنشأها ناشطون من حلب قبل ستة أعوام، إلا أنه تم إحياؤها من جديد من قبل بعض نشطاء إدلب الذين أنشأوا مجموعة تفاعلية حملت اسم "كلمات إدلبية قديمة" قبل أقل من شهر، للتعريف بالكثير من اللهجات والكلمات المستخدمة في أنحاء المحافظة الواقعة في شمال غرب سورية، وتحولت المجموعة خلال فترة قصيرة، إلى منبرٍ للتعارف بين أبناء المحافظة من مختلف القرى والبلدات، من اللاجئين في أنحاء العالم، أو أولئك الذين لا يزالون يقيمون في إدلب.



تقول رنيم هزبر، وهي واحدة من مديري المجموعة، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "فكرة إنشاء المجموعة جاءت بشكل عفوي من قبل أحد نشطاء المحافظة، عندما قرأ تعليقاً لشخص من إدلب مستخدماً مصطلحاً إدلبياً قديماً لم يعد مستخدماً، فقرر إنشاء المجموعة للتعريف بهذه المصطلحات ومعانيها ودلالاتها"، مشيرة إلى أن ظروف الحجر الصحي المنزلي ساعدت على الإقبال الكبير على المجموعة والتفاعل فيها من قبل شرائح واسعة من المجتمع الإدلبي، لاجئين ومقيمين، كون الناس تملك الوقت الكافي للتفاعل والمتابعة.
وأضافت هزبر: "لم نكن نتوقع أن نلقى هذا التفاعل الكبير على المجموعة، فخلال ثلاثة أسابيع فقط من انطلاق المجموعة، وصل عدد أعضائها إلى قرابة 30 ألف عضو، معظمهم مشاركون ومتفاعلون بقوة، وبات لدى الأعضاء هوس بالبحث عن المصطلحات والكلمات الإدلبية القديمة لمشاركتها مع باقي الأعضاء وتفسيرها".

وترى هزبر أن من الجوانب الإيجابية للفكرة هي "القدرة على جمع قدر كبير من الإدلبيين في مكان واحد بعد تفرقهم في أنحاء شتى من هذا العالم، وإن كان مكاناً افتراضياً على موقع تواصل اجتماعي، بالإضافة إلى إعادة تذكر تراثنا ومصطلحاتنا وكلماتنا القديمة، في وقت كانت في طريقها للنسيان في ظل الأوضاع الحالية". وأشارت إلى أن "المجموعة لا تضم الأعضاء من أبناء محافظة إدلب وحسب، وإنما هناك الكثير من الأعضاء من محافظات سورية مختلفة، يشاركون من خلال المنشورات أو التفاعل، شأنهم شأن باقي الأعضاء"، وأوضحت أن "مثل هذه المجموعات، أخرجت السوريين الأعضاء فيها من أجواء الملل والكآبة في ظل الظروف الحالية، وعرفتهم على بعضهم بعضاً وقربتهم بشكل كبير".

ولخمسين عاماً مضت، كانت إدلب تعاني تهميشاً مقصوداً وممنهجاً من قبل النظام السوري القائم، رغم أنها موقع حضاري وتاريخي قديم، كان له دور في تاريخ سورية، وخرّجت المحافظة الكثير من المبدعين والأعلام الذين تركوا بصماتهم في صناعة تاريخ سورية، غير أن اندلاع الثورة غيّر الكثير من المفاهيم بعد مشاركة إدلب بقوة في الحراك ضد النظام، وخروجها من قبضة سلطته.
فكرة إنشاء مجموعة "كلمات إدلبية قديمة"، دفعت الصحافي عبد العزيز خليفة وعدداً من أصدقائه لتأسيس مجموعة "قاموس الشوايا"، والتي لقيت كذلك تفاعلاً كبيراً من هذه الشريحة في مختلف أنحاء سورية وخارجها.


يرى بعضهم أن هذه المجموعات ربما تعزز المناطقية السلبية بين المحافظات السورية، أو شرائح المجتمع، لكن عبد العزيز يرى العكس، إذ أشار إلى أن "هذه المجموعات شجعت السوريين على معرفة بعضهم بعضاً، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من العادات كنت لا أعرفها عن إدلب، فوجدت ضالتي في مجموعة إدلب التي تشبه مجموعتنا كوني عضوا فيها كذلك".

يضيف عبد العزيز: "وجدت أن هناك الكثير من المصطلحات والأمثال وطرق معالجة المشكلات موجودة في إدلب، وهي ذاتها من المتبعة لدينا لكن بطريقة مختلفة من خلال اللهجة أو التعبير أو السياق، لذلك لا أرى أن لهذه المجموعات تأثيرا سلبيا، بل على العكس، فعندما يشارك أحد من مجموعتنا من باقي المحافظات تجد الاحتفاء به مضاعفاً، لجهة شرح ما لا يعلمه عنا، والأمر ذاته عندما نشارك نحن في المجموعات الأخرى". يتابع عبد العزيز: "إعلام السلطة الحالية رسم صورا نمطية خاطئة عن المجتمع السوري، ودائماً ما كان يصنف أبناء المحافظات ضمن قالب أحادي معين؛ فمثلاً، الإدلبي دائماً يجب أن يكون شرطيا، والكردي بواب بناء، وابن المنطقة الشرقية أو الشاوي يقدم على أنه متخلف أو غير عصري لأنه فقط يرتدي الزي العربي التقليدي الشعبي، رغم أن هذا الزي مستخدم رسمياً في الكثير من الدول، ولا يعني التخلف أبداً".

ويردف: "بالنسبة لمجموعتنا، فقد أنشأناها بعدما رأينا تجارب سابقة كحلب وإدلب، وتبعتنا محافظات أخرى كذلك، وبتنا لا نتناول المصطلح كمصطلح بحد ذاته، بل أخذنا نشرّح الكلمة ونبحث في جذرها العربي والقواعد العربية التي لا تزال مستخدمة دون أن تكون للبعض دراية في ذلك، مثل الكشكشة والعنعنة والنحت في الكلام، فمثلا عندما نستخدم نحن الشوايا كلمة شبيك للسؤال عن الحال، فهي كشكشة عن ماذا بك، وعندما نقول هسع، فهي نحت من هذه الساعة، وهكذا".

ويرى عبد العزيز أن "الثورة السورية، وإقبال السوريين على مواقع التواصل، وفرا للسوريين فرصة التعرف على بعضهم بعضاً والتخلص من النمطية السلطوية للمجتمع في إعلام السلطة، وبالتالي لم نكن نعرف بعضنا بعضاً بشكل جيد، حالياً هذا الوضع أصبح من الماضي، ونحن في (قاموس الشوايا) مثلاً، الفئة المستهدفة ليست فئة في منطقة جغرافية محددة، حتى لا تفهم بشكل مناطقي، وإنما هي فئة اجتماعية تتوزع في أنحاء البلاد".

والشوايا، شريحة واسعة من المجتمع السوري، ورغم أن تجمعهم يتركز في مناطق شرق وشمال سورية، إلا أنهم ينتشرون كذلك في أغلب المحافظات السورية، كأرياف حلب وحمص وإدلب وحماة، ولديهم الكثير من العادات والتقاليد والأعلام الذين ساهموا في بناء المجتمع السوري، ويشتهر عن الشوايا إكرام الضيف وإغاثة الملهوف.



وساهمت دنيا الزعبي وأصدقاؤها، من صحافيين ومثقفين من محافظة درعا، بإنشاء مجموعة "قاموس حوران" على غرار التجربتين السابقتين، وترى أن "الجوانب الإيجابية التي دفعتنا لإنشاء المجموعة، هي تنشيط التواصل من خلال إحياء عامل مشترك يجمع بين أهل حوران ويلم شملهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتعريف بالتراث والمصطلحات القديمة والعادات والتقاليد وقصص الأجداد التي نفخر بها". وتضيف: "كان الهدف الأول منذ البداية، هو تسليط الضوء على اللهجة (الحورانية) الأصلية التي كنا على وشك نسيانها بسبب الغربة والاختلاط بمختلف الجنسيات واللهجات، والتعريف بمحافظة درعا ومجتمعها المهمش إعلامياً بعاداته وتقاليده، وكذلك محاولة تغيير الفكر السائد والنمطي عن أهالي محافظة درعا، بالإضافة لمناصرة المشاريع والمبادرات السورية المعنية بمنطقة حوران، والمساعدة في رفع السوية الثقافية الفكرية والسياسية لدى أعضاء المجموعة، كما نحاول تسليط الضوء على التجارب الحورانية الناجحة، ونعمل حاليا على التعريف بتاريخ وتراث حوران المتناقل من جيل إلى جيل، ومساهماتها الحضارية على مر التاريخ".

وتشير الزعبي إلى أنه "لاحظنا نجاح الفكرة منذ اللحظة الأولى، من خلال مشاركة واندماج أغلبية الأعضاء، وكأن الجميع كان ينتظر هذه المبادرة التي أحيت فينا تراثا نفخر به، وللعلم، لا تحمل المجموعة أي أهداف أو مشاركات عنصرية أو مناطقية، فالمجموعة تضم عددا كبيرا من الأعضاء من مختلف المحافظات السورية المهتمين بتراث حوران وشعبها الأصيل، كما أننا نحن أبناء حوران، موجودون في المجموعات الأخرى أيضاً".

وسهل حوران منطقة جغرافية واسعة تمتد بين جنوبي سورية وشمال الأردن. ويضم السهل في سورية أجزاء من ريف دمشق والجولان وأجزاء من ريف السويداء، إلا أن أبرز مناطقه هي محافظة درعا وريفها، ما يجعل أهلها معروفين بـ"الحوارنة".

دلالات

المساهمون