"الترتيب مع ماري كوندو": تخلّصوا من كتبكم

16 يناير 2019
يشير البرنامج إلى أزمة الاستهلاك وتكديس السلع (NBC)
+ الخط -
اشتهرت اليابانيّة ماري كوندو، منذ بضع سنوات، بوصفها "مُرتبة محترفة" وباع كتابها "The Life-Changing Magic of Tidying Up: The Japanese Art of Decluttering and Organizing" ملايين النسخ. نقرأ، تحت هذا العنوان الطويل، نصائح مختلفة عن فن الترتيب وتنسيق المقتنيات داخل المنزل، وكيف يعيد ذلك السحر إلى الحياة ويزيح الغشاوة التي تهيمن على الحياة اليوميّة، لتبدو كوندو كترياق ياباني فعّال في ظل حمى الاستهلاك وتكديس الأغراض التي تغيّر علاقتنا مع الفضاء الخاص، أي المنزل، بل إن صحيفة التايمز وضعت كوندو في عام 2015 على قائمة أكثر مائة امرأة تأثيراً في العالم.
أخيراً، بدأت نتفليكس ببث برنامج بعنوان "الترتيب مع ماري كوندو" Tidying Up with Marie Kondo، والذي تقتحم فيه كوندو منازل أسر أميركيّة، وتبدأ بإعطائها نصائح عن أهمية التخلص من الكثير من "الأغراض" في المنزل، وأسلوب ترتيبها ورمي كل ما لا فائدة منه ولا يثير البهجة في القلب.
يثير البرنامج الانتباه كونه يشير إلى أزمة الاستهلاك، وتكديس السلع والأغراض التي تتحول إثره المنازل إلى مستودعات تراكم فيها الأسر ما تريد وما لا تريد، وكأن هذه الأغراض تحدّق بأصحابها وتشغل مساحة "حياتهم"، ليتحول الفضاء الخاص إلى ساحة للمعركة في سبيل تخطي "العقبات" وأكوام الثياب والخردوات وكل ما لا نعلم أين نضعه.
يشتعل الجدل بعد أن نتلمس كراهية كوندو للكتب، ولا نقصد أنها تدعو من تزورهم لعدم القراءة، بل تدعوهم للتخلص من الكتب "التي لا تثير الفرح في قلوبهم"، ما دفع الروائيّة آنا أناكنا سكوفيلد للتغريد، داعية الناس لعدم الاستماع لكوندو، بل وملء الرفوف بالكتب دون الحاجة لترتيبها حتى، فالرفوف الفارغة لم تصمم لنضع عليها أغراض زينة لا قيمة منها.

تقول كوندو في واحدة من الحلقات: "ترتيب الكتب والتخلص من بعضها، يجعلانك تفكر في طبيعة المعلومات الهامة لك في هذه اللحظة". هذه العبارة بالذات، أثارت حفيظة الكثيرين، بل وتتحدى أي محب أو مهووس بالقراءة؛ فالكتب لا تنسى أو ترمى بعيداً بعد قراءتها، بل يعود إليها الفرد، وفي كل مرة يقرأها يكتشف شيئاً جديداً لم يكن يعلمه، فالكتب استثمار لانهائيّ، ومع كل قراءة يتضح لنا ما لم ننتبه له في المرة الأولى.
نصيحة كوندو المرتبطة بالكتب لا يمكن أن تكون صحيحة، حتى لو افترضنا أن هناك ما يسمى "كتباً سيئة"، إلا أنها تبقى ذات قيمة، سواء للتسلية أو للسخرية منها- وهذه من أشكال القراءة- أو للاطلاع على ما يمكن أن يكون عليه شكل ومضمون "الكتاب السيئ"، إلا أن حمى الاستهلاك جعلت الكتاب أقرب للسلعة، المفترض أن ينتهي تأثيرها بمجرد الانتهاء منها، كعلبة الكوكا كولا التي نرميها بعد شربها وريّ عطشنا.
لا يخلق الكتاب إشباعاً آنياً، بل يستمر بعد الانتهاء من القراءة، ووجوده أمامنا على الرف يحدقّ فينا، له تأثير على إدراكنا للعالم من جهة، وإدراكنا لأنفسنا من جهة أخرى، والأهم أن كل كتاب يمثل عالماً بأكمله، وإن قررنا التخلص منه لأنه لا يثير البهجة أو الفرحة داخلنا؛ فهذا يعني التسليم بالعالم على حاله، وإن سلمنا بمنطق "إثارة البهجة" الذي تدعو إليه كوندو، فيجب أن نرمي كل كتب دوستويفسكي ونيتشه وكامو وسارتر، مثلاً.
ما يثير الغيظ في البرنامج هو الأسلوب الذي تُقدم فيه كوندو؛ فهي لا تجيد الإنكليزية، وتدخل بيوت الآخرين مع مترجمة، وتطابق المتخيّل الشعبيّ عن "تفوق اليابان"، أما كلامها فعبارة عن نصائح تصلح لأن تكون تغريدات، هي تضحك في وجه محدثها ثم تلقي أمامه حكمة تهزّ كيانه، لتمشي بعدها في منزله بتوئدة وتأدّب شديد. لا نقصد هنا انتقاد أسلوبها، بل الطريقة التي تأسر فيها من تدخل منازلهم، بوصفها مخلّصاً من نوع ما، معلّماً يتقن صنعته وينقلها إلى مريديه الضائعين في عوالم الاستهلاك وعلب أمازون وتماثيل الكيتش التي تخلق الانطباع الواهم بأنها "فن" ذو "جمال".
دلالات
المساهمون