أسعار النفط تتهاوى 20% والحكومات المنتجة تقلص الدعم

أسعار النفط تتهاوى 20% والحكومات المنتجة تقلص الدعم

15 أكتوبر 2014
تحول النفط العربي من مصدر للرفاهية إلى أزمة(الأناضول)
+ الخط -
تشهد أسعار النفط في السوق العالمية انخفاضاً حاداً منذ بداية شهر يونيو/حزيران الماضي، فتراجعت من نحو 110 دولارات للبرميل، إلى أقل من 84 دولاراً في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بنسبة انخفاض خلال هذه الفترة تجاوز 20%، حسب وكالة الطاقة الدولية، وهو معدل مؤثر في موازنات الدول النفطية، التي كانت تؤكد دائمًا أن 100 دولار للبرميل سعر عادل ومقبول.
والغريب أن هذا الانخفاض يحدث في ظل ظروف إقليمية وعالمية، تدعو إلى ارتفاع أسعار النفط وليس انخفاضه، فالمنطقة العربية، تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، فكل من العراق وليبيا يعيشان حروباً أهلية، والخليج يعيش هلع "داعش" وأحلام المشروع الإيراني التي أصبحت واقعًا على الأرض.
وعلى الصعيد الدولي، ما تزال الأزمة الروسية مع الغرب وأميركا قائمة، ولا يلوح في الأفق حل قريب لها، كما أعلنت إيران أنها لن تكون بديلًا لروسيا في إمداد الغرب بالنفط والغاز، ولكن لأن سوق الطاقة، هي لعبة الكبار، فإن مؤشر الأسعار على ما يبدو تحركه أمور أخرى لا يعلمها إلا الكبار، وإن تبارى المحللون في تفسير أسباب الصعود والهبوط.
وهبط سعر خام برنت إلى أدنى مستوياته في 47 شهرا اليوم الأربعاء لينزل عن 84 دولارا للبرميل مع ضعف النمو العالمي الذي حد من الطلب على الوقود في وقت يشهد وفرة كبيرة في المعروض.
وسجل النفط أكبر خسائره اليومية في أكثر من ثلاث سنوات يوم الثلاثاء بعد أن خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للطلب العالمي على الخام لعامي 2014 و2015
وإذا كانت توقعات المنظمات الدولية والإقليمية تذهب إلى عودة الناتج المحلي للدول العربية للارتفاع، بعد انخفاضه في عام 2013، فإن مؤشر انخفاض أسعار النفط يذهب بمعدلات النمو لعكس هذه التوقعات، فانخفاض الأسعار من شأنه أن يؤثر بشكل كبير في نسب معدلات النمو، التي تعتمد بشكل كبير على أداء القطاع النفطي.
والصناعات الاستخراجية التي تعتمد على النفط بشكل كبير في الدول العربية، تمثل 37% من هيكل الناتج المحلي الإجمالي، وهو وزن معتبر يمثل أي تراجع فيه تراجعا ملموسا في معدلات النمو.
وتشير البيانات الخاصة بمعدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى تراجع مستمر، ففي عام 2012 تراجع النمو إلى 4% بعد أن كان 5% في عام 2011، ثم وصل إلى 3.5% في عام 2013، وما تزال أسباب تراجع معدلات النمو قائمة، وهي حالة الاضطراب في الدول النفطية، وخاصة في ليبيا والعراق.
ولذلك ارتفعت معدلات البطالة على المستوى العام، لتتجاوز 16%. ومن هنا نجد تأثير انخفاض أسعار النفط على المواطن العربي، بشكل عام، وقد تنال هذه الآثار السلبية من حياة مواطني الخليج في ظل الدعوة لتخفيف أو إلغاء الدعم على الأجل الطويل.
وتقوم الدول النفطية العربية منذ فترة طويلة، بإنتاج النفط مرغمة، وليس لها في ذلك خيار آخر، حيث فشلت على مدار ما يزيد عن 6 عقود في أن تنوع اقتصاداتها، وأن يكون النفط هو أحد المصادر المهمة للدخل والثروة، وليس النشاط الاقتصادي الأوحد.
وبالتالي مهما انخفضت الأسعار لما دون الوضع الحالي، وهو سقف 88 دولارا للبرميل، فسوف تستمر الدول النفطية العربية في الإنتاج، سواء في دول الخليج أو الجزائر وليبيا، ولكن الأثر هنا سيكون في المردود السلبي على العوائد النفطية لهذه البلدان.
وما يؤكد هذه النتيجة، أن السعودية التي خفضت إنتاجها في أغسطس/آب الماضي بنحو 400 ألف برميل يوميًا من أجل الحفاظ على سعر 100 دولار للبرميل، عادت في أكتوبر/تشرين الأول لتزيد من إنتاجها، ليصعد من 9.5 مليون برميل يوميًا إلى 9.7 مليون برميل يوميًا، في ظل تراجع الأسعار.
كما أن ليبيا على الرغم من احتدام الصراع فيها، تتواصل معدلات الإنتاج فيها لتلامس سقف المليون برميل يوميًا، مما يعني أن العوائد النفطية هي شريان الحياة لليبيا وغيرها من دول المنطقة، فالحرب التي أوقفت كافة مظاهر الحياة هناك، لم تدم كثيرًا لتعطل مسار الإنتاج النفطي.
والأمر المهم هو أن الدول النفطية قد بنت موازناتها على أسعار أعلى مما هي عليه الآن، مما يتوقع معه أن تشهد الموازنات العربية النفطية عجزًا مع نهاية هذا العام، وأن تمضي هذه الدول في برامج إصلاحية وضعت لها من قبل المؤسسات المالية الدولية.
كما هو الحال في السعودية والكويت، حيث أوصت اللجان الفنية لصندوق النقد الدولي، بضرورة ترشيد الدعم في الدولتين، على الرغم من الوضع المالي الجيد لهما، وهو ما دخل حيز التنفيذ من قبل الكويت برفع الدعم عن بعض المنتجات البترولية بالفعل، مثل الكيروسين.
وفي ظل الدعوة لإلغاء الدعم في الدول الخليجية، لا بد أن نأخذ في الاعتبار أن هذه الخطوة ستكون مؤثرة بشكل كبير على العاملين الأجانب في هذه الدول، وخاصة العمالة العربية، مما سيؤثر سلبًا على دخولهم، وبالتالي تحويلاتهم لبلدانهم.
قد تعوض برامج الحماية الاجتماعية في بلدان الخليج مواطنيها ضد خطوة تخفيف أو إلغاء الدعم على الأجل الطويل، ولكن العاملين العرب من غير مواطني دول الخليج سوف يتأثرون سلبًا.
وقد تستفيد الحكومات في ظل انخفاض أسعار النفط، حيث تستطيع أن تخفف من عجز موازناتها الناتج عن الدعم المقدم للمنتجات البترولية، وبالتالي ستكون مدفوعاتها للواردات البترولية أقل.
أما ما يتعلق بالمواطنين، فلن يجدوا ثمرة لانخفاض أسعار النفط في مستوى معيشتهم، فالحكومات لن تقوم بناء على هذا التخفيض بتقليل أسعار المنتجات البترولية، أو أن تتمهل في تنفيذ برامج رفع الدعم عن المنتجات البترولية، فهي تنتظر هذه اللحظة التي تتخلص فيها من دعم الوقود، وتشجعها على هذا البرامج التي التزمت بها مع صندوق النقد الدولي.
وفي ضوء تأثير انخفاض أسعار النفط على موازنات الدول النفطية، فمن المنتظر أن يتم التراجع عن تنفيذ بعض المشروعات أو تأجيلها في الأجل القصير، مما يخفف من الطلب على العمالة من الدول العربية غير النفطية.
وسيؤثر انخفاض أسعار النفط بشكل سريع على ارتفاع معدلات البطالة العربية، وتكريس حالة الركود، وهو ما يعني مزيدا من حدة الفقر في الدول العربية غير النفطية، وحتى في السعودية أكبر دولة نفطية، فإن المؤشرات تدل على ارتفاع معدلات الفقر بها، حيث تختلف التقديرات غير الرسمية للفقر هناك ما بين 25% و30%.

المساهمون