هل كسبت أميركا معركة التضخم؟

هل كسبت أميركا معركة التضخم؟

14 فبراير 2024
متجر خضار في نيويورك (Getty)
+ الخط -

ربما يبدو أن بعض التشاؤم بشأن الاقتصاد الأميركي بدأ يتلاشى في الولايات المتحدة، ولكن متاعب المواطن المعيشية لم تنته بعد حسب بيانات رسمية، إذ إن ديون بطاقات الائتمان ارتفعت إلى 17.5 تريليون دولار في نهاية العام 2023، كما أن فواتير الغذاء والوقود والعديد من السلع الرئيسية لا تزال مرتفعة وترهق كاهل الأسر الأميركية.

وتشير بيانات موقع " ليندنغ تري" الأميركي الذي يرصد الفائدة على قروض بطاقات الائتمان في أميركا، إلى أن فائدة البطاقات تتراوح بين 23% و24%، وهو ما يعني أن الأسر التي عبرت فترة الفائدة المرتفعة وشظف المعيشة خلال السنوات الماضية عبر الاستدانة سوف تجد صعوبة إن لم تكن استحالة في تسديد قروضها.

في هذا الصدد، ذكر الاستطلاع الشهري الذي يجريه بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، يوم الاثنين، أن نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين يعتقدون أن الوضع المالي لأسرهم سيكون أفضل خلال العام المقبل ارتفعت إلى 34.1% في يناير/كانون الثاني الماضي من 30.6% في ديسمبر/ كانون الأول. وهذا معدل ارتفاع ضئيل أقل من 4 في المائة مقارنة بالتراجع الكبير في معدل التضخم الرسمي.

وأظهر الاستطلاع الذي نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقتطفات منه أمس الثلاثاء، كذلك، أن المستهلكين يتوقعون ارتفاع الأسعار بنسبة 3% خلال العام المقبل، وهو أدنى رقم منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.
ولكن رغم البيانات الرسمية عن تراجع التضخم، يرى المستهلك الأميركي أن أسعار السلع تنخفض بمعدل أقل مما تشير إليه الأرقام الرسمية، إذ إن أسعار بعض السلع التي يشترونها بشكل متكرر، ارتفعت بشكل كبير منذ تفشي الوباء.

في هذا الصدد، وجد تحليل أجراه مصرف "بنك أوف أميركا" لبيانات العملاء، أن الأسر تميل إلى إجراء معاملات أكثر بكثير شهريًاً للأطعمة والمشروبات في المطاعم ومحلات البقالة والبنزين مقارنة بما تفعله مع السلع الأخرى، وهذه السلع لاتزال غالية بالنسبة للمستهلك. وتثبت ذلك أرقام وزارة العمل الأميركية التي تشير إلى أن أسعار البقالة والوقود والوجبات في المطاعم أعلى، مقارنة بما كانت عليه قبل جائحة "كورونا 19".

في ذات الصدد يقول مصرف "جي بي مورغان" في تقرير نشره على موقعه، الأسبوع الماضي: "تباطأ التضخم بشكل ملحوظ مقارنة بمستوياته المرتفعة السابقة في السنوات القليلة الماضية، لكنه لا يزال أعلى من الهدف".

وقال كبير الاقتصاديين بالمصرف الاستثماري الأميركي، مايكل فيرولي: "كان الضعف في تضخم السلع الأساسية قوة مهمة لتهدئة التضخم الإجمالي، لكن أسعار الخدمات الأساسية باستثناء الإسكان تراجعت بشكل أقل وضوحاً في الآونة الأخيرة". وأضاف: "في غياب الركود العام المقبل، لا نتوقع أن يعود التضخم إلى المستوى المستهدف المقدر بـ2%".

ويشير فيرولي في تعليقاته على مسار الاقتصاد الأميركي في العام الجاري 2024 إلى أنه "في حين نعتقد أن تخفيف صدمات سلسلة التوريد يمكن أن يؤدي إلى مزيد من تباطؤ في معدل التضخم، لكننا نعتقد أن الميل الأخير لخفض التضخم سيتطلب سوق عمل أكثر مرونة". ويثبت التقرير أن أسعار الخدمات في أميركا لا تزال غالية مقارنة بما كانت عليه قبل الجائحة.

في ذات الصدد، وجدت الأبحاث التي أجرتها جامعة كاليفورنيا في بيركلي، أن أسعار السلع التي يشتريها الناس في كثير من الأحيان تلعب دوراً كبيراً في تحديد توقعاتهم للتضخم. وقالت الخبيرة الاقتصادية أولريكي مالمندير بجامعة كاليفورنيا، إن التأثيرات المؤلمة التي تخلفها نوبات التضخم، يمكن أن تخلف تداعيات مكلفة على القرارات المالية التي يتخذها الناس. ولكن مالمندير، تشعر بالارتياح للتراجع النسبي لمعدل التضخم عن نسبة 9.1% التي سجلها في يونيو/حزيران 2022، وذلك على النقيض من تجربة أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، عندما ظل التضخم مرتفعاً لسنوات. وقالت: "أنا أقل قلقاً بشأن التأثيرات طويلة الأمد مما كنت عليه في عام 2022".

وفي بداية الأسبوع توقع اقتصاديون في استطلاع أجرته "رويترز" تباطؤ معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في الولايات المتحدة إلى 2.9% في يناير، بعد أن بلغ 3.4% في ديسمبر، على أن يتباطأ المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 3.7% من 3.9% خلال نفس الفترة. وأوضح تيم ووترر كبير محللي السوق لدى شركة "كيه سي إم تريد" في تصريح للوكالة، أن تباطؤ تضخم أسعار المستهلكين من شأنه تهدئة زخم مؤشر الدولار وعوائد الديون السيادية الأميركية، وهذا قد يدفع أسعار الذهب نحو الصعود.

ولاحظ بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك في تقريره يوم الثلاثاء الماضي، أن حالات التخلف عن السداد في بطاقات الائتمان في أميركا ارتفعت بأكثر من 50% في عام 2023 مع تضخم إجمالي ديون المستهلكين إلى 17.5 تريليون دولار. ووفق التقرير فإن الديون التي تخلف أصحابها عن السداد لمدة 90 يوماً أو أكثر ارتفعت بمعدل أكبر خلال العام الماضي. وحسب التقرير الذي نشر موقع "زيرو هيدج" مقتطفات منه مساء الاثنين، أنه من بين ارتفاع إجمالي ديون المستهلكين في العام الماضي إلى 1.13 تريليون دولار، بلغت ديون بطاقات الائتمان 6.4% في الربع الرابع من العام الماضي 2023، بزيادة 59% عن معدل 4% عنها في نهاية عام 2022.

وقال باحثون، إن الزيادة الفصلية بوتيرة سنوية بلغت نحو 8.5%. ولكن البنك الفيدرالي في نيويورك، أشار إلى ارتفاع حالات التأخر في السداد في القروض العقارية وقروض السيارات والفئة "الأخرى".

وقال مستشار البحوث الاقتصادية في بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، ويلبرت فان دير كلاو إن "تحولات بطاقات الائتمان وقروض السيارات إلى التأخر في السداد لا تزال ترتفع فوق مستويات ما قبل الوباء". وأضاف "هذا يشير إلى زيادة الضغوط المالية على المستهلكين، وخاصة الأسر الأصغر سنًا وذات الدخل المنخفض".
وحسب التقرير، ارتفعت ديون الأسر بمقدار 212 مليار دولار في الربع الرابع، بزيادة 1.2%على أساس ربع سنوي.

ومع ذلك، قفزت ديون بطاقات الائتمان بنسبة 14.5% مقارنة بنفس الفترة من عام 2022. وارتفعت ديون السيارات إلى 1.61 تريليون دولار، بزيادة 12 مليار دولار على أساس ربع سنوي و55 مليار دولار سنوياً.
وفي دورة تشديد الفائدة التي امتدت من مارس/آذار 2022 إلى يوليو/تموز 2023، رفع بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة على الاقتراض قصير الأجل بمقدار 5.25 نقطة مئوية، مما رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى أعلى مستوى له منذ حوالي 23 عاماً. ويغذي المعدل القياسي معظم منتجات الديون الاستهلاكية ذات المعدل القابل للتعديل.

ومنذ أن بدأ البنك المركزي في تشديد السياسة النقدية، قفز سعر الفائدة النموذجي على بطاقات الائتمان من نحو 14.5% إلى 21.5%، وفقًا لبيانات بنك الاحتياط الفيدرالي.

ويتخوف خبراء ماليون من تداعيات تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتداعياته على مستوى الوظائف في الولايات المتحدة، وهو ما يعني تراجع الدخل للمواطن الأميركي وربما عدم القدرة على السداد وقد يتفاعل ذلك ليقود إفلاس العديد من الشركات. في هذا الصدد يرى محللون أنه في حال حدوث تباطؤ في الوظائف، فإن ذلك ربما يقود تلقائياً إلى انكماش عميق في النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة.

على صعيد النمو القوي الذي حققه الاقتصاد الأميركي يرى محللون بصحيفة " نيويورك تايمز"، أن جزءاً كبيرا من السبب وراء القوة المدهشة التي حققها النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة يعود إلى إنفاق الحكومة الكثير من الأموال.

وحسب التحليل، تراوحت النفقات الحكومية كنسبة من الناتج الإجمالي نحو 35% في السنوات التي سبقت الوباء، بناءً على توقعات صندوق النقد الدولي، ثم قفزت إلى 40% في شكل إغاثة وتحفيز للأشخاص والشركات والمؤسسات وحكومات الولايات والحكومات المحلية. وعلاوة على ذلك، ظل الإنفاق الحكومي مرتفعاً بعد انتخاب جو بايدن، حيث بدأت إدارة الرئيس الأميركي في تنفيذ استثمارات شاملة في البنية التحتية والمناخ.

في هذا الصدد، قالت كريستين فوربس، الخبيرة الاقتصادية في كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمسؤولة السابقة في بنك إنكلترا المركزي: "مع تعافي الاقتصاد، صبّت الولايات المتحدة المزيد من الكيروسين على النار".

وأشارت فوربس إلى أن العجز الأميركي كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي أكبر من نظيره في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، وأن الإنفاق اليوم يزيد من حجم الديون الأميركية. ونظراً لهذا فإن النمو القوي اليوم قد يأتي بتكلفة عالية في المستقبل.

المساهمون