مصرف لبنان يعدّل سعر دولار "صيرفة": خطوة تمهيد لـ"بلومبيرغ"؟

مصرف لبنان يعدّل سعر دولار "صيرفة": خطوة تمهيد لـ"بلومبيرغ"؟

20 ديسمبر 2023
استمرار انهيار الليرة في لبنان (Getty)
+ الخط -

عدّل مصرف لبنان المركزي، أمس الثلاثاء، رسمياً سعر الدولار المتداول لمنصّة صيرفة من 85500 ليرة إلى 89500 ليرة ليقترب بذلك من سعر الصرف المعتمد من قبل السوق السوداء والمستقرّ منذ أشهرٍ على حافتي الـ89000 و90000 ليرة، الأمر الذي طرح تساؤلات عما إذا كانت هذه الخطوة تمهيداً لإطلاق العمل بمنصّة "بلومبيرغ" وتوحيد أسعار الدولار.

وفي وقتٍ لم يحدث تعديل مصرف لبنان سعر "صيرفة" ضجّة على الساحة اللبنانية، خصوصاً أنه لم يصدر بيانه بهذا الشأن كالمعتاد ويعمّمه على وسائل الإعلام، واكتفى بوضعه على موقعه الإلكتروني، لكن المواطنين لمسوا هذه الخطوة من خلال الزيادة التي طرأت على أسعار شرائح وباقات الخطوط الخلوية مسبقة الدفع، وسيلمسون الزيادة في الأشهر المقبلة على صعيد فواتير الكهرباء والمياه وغيرها من القطاعات التي تعتمد تسعيرة المنصّة.

ووافق مجلس الوزراء اللبناني في جلسة عقدها في سبتمبر/ أيلول الماضي على اعتماد منصّة "بلومبيرغ" بدلاً من "صيرفة" لتبديل العملات، وذلك بعد حوالي عامين على إطلاقها من قبل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، في إطار الإجراءات الاستثنائية التي فرضها حول العمليات على العملات الأجنبية وحول السحوبات النقدية، والتي مثلت بحسب البنك الدولي أداة نقدية غير مؤاتية أدت إلى ارتفاعات قصيرة الأجل في سعر صرف الليرة على حساب الاحتياطي والوضع المالي لمصرف لبنان، ولا سيما في غياب سعر صرف وإطار نقدي جديدين.

وتحوّلت منصّة صيرفة، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في ربيع 2023، إلى آلية لتحقيق أرباح من عمليات المراجحة بلغت حوالي 2.5 مليار دولار منذ إنشائها، فالحصول على الدولار المعروض على المنصّة يحقق أرباحاً كبيرة وخالية من المخاطر، نظراً لوجود هامش بين سعر العملة على المنصّة وسعر العملة في السوق الموازية.

إجراءات مصرف لبنان

وفي منتصف يوليو/ تموز الماضي، أعلن نائب حاكم مصرف لبنان، سليم شاهين، أن مصرف لبنان سيوقف عمل منصّة صيرفة بعد انتهاء ولاية سلامة، كاشفاً لـ"رويترز"، أن قيادة المصرف تجري محادثات مع صانعي السياسات في الحكومة والمجلس النيابي ومع صندوق النقد الدولي، بشأن الحاجة إلى وقف العمل بهذه المنصّة التي تفتقر إلى الشفافية والحوكمة.

في الإطار، يقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمّود، لـ"العربي الجديد"، إن "توحيد سعر الصرف أساسي لسوق نقدية صحيحة، وهذا مطلبٌ طبيعيٌّ تعززه نصيحة صندوق النقد الدولي"، معتبراً أن "المهم أن تعود السوق إلى التوازن والاستقرار".

ويردف حمّود: "الاستقرار ليس بالضرورة ثبات السعر، بل التحرّك بهوامش مقبولة، ولن يكون ذلك ممكناً ما لم تعد السوق المصرفية إلى نشاطها، إذ في غياب قطاع مصرفي صحيح لن يستمرّ الاستقرار النقدي أو النمو الاقتصادي في أي بلد"، مضيفاً: "لا يجب أن يحجب استقرار سعر الصرف أهمية معالجة القطاع المصرفي ومتابعة النمو الاقتصادي".

من ناحية ثانية، وعما إذا كان التعديل بمثابة تمهيد للعمل بـ"بلومبيرغ"، يشير الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف إلى أن "المنصّة آلية تقنية موجودة في كلّ مكان، فهي تنظّم ولا تتحكّم، إذ إن الذي يتحّكم وجود صانع السوق، والدولة تلعب دور المُنظِّم من خلال احتياطها، هنا ننظر إلى حجم صانع السوق وإلى قدرة المصرف المركزي في احتياطه".

ويلفت حمّود إلى أن "المنصّة لا تقبل ازدواجية السعر"، مبرزا أنه "يمكن أن يكون هناك سعر مختلف خارجها، لكن بشروطٍ مختلفة، مثلاً المنصّة تتعامل مع الدولار المصرفي/ وخارجها يمكن أن يكون الدولار الورقي أو النقدي، والفرق يبقى بسيطاً هامشياً لا يؤدي إلى سوق موازية. يبقى أن نعود إلى السوق الصحيحة، وأولى مظاهرها السعر الموَّحد وحرية التحويل والتحاويل والتداول".

بدوره، يقول خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد، محمد فحيلي لـ"العربي الجديد"، إنه يجب التوقف بداية عند طريقة تعديل سعر الصرف على المنصّة بشكل لم نعتد عليه، إذ لم يصدر بيان عن المجلس المركزي لمصرف لبنان ولا الدائرة الإعلامية للبنك المركزي، ولا حتى بيان عن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، ومعظم المرجعيات، خصوصاً الاقتصادية منها، علمت به عبر وسائل الإعلام التي سرّبت الخبر، والموقع الرسمي الإلكتروني للبنك المركزي، وكأن هناك محاولة لتهريب التعديل".

سعر الصرف

ويلفت فحيلي إلى أن سعر الصرف المتبع على منصّة صيرفة يُعتمد في بعض الرسوم والضرائب العائدة للدولة اللبنانية وعددٍ من الفواتير مثل الاتصالات والكهرباء والمياه التي سترتفع حتماً تبعاً للتعديل، ما من شأنه أن يخلق نوعاً من الصدمة السلبية للاستهلاك، ولا سيما للعاملين في القطاع العام الذين يعانون لوحدهم اليوم من الاستبعاد الاقتصادي، ويعتمدون على مصرف لبنان لتأمين الدولار، في حين أن القطاع الخاص بات مدولراً بنسبة 90 في المائة في ما خصّ التداول، المؤسسات إيراداتها ونفقاتها بالدولار، وجزء كبير من المجتمع اللبناني من خارج القطاع العام يتقاضى رواتبه بالدولار، ويجد سهولة بتمويل وصرف فاتورة الاستهلاك بالدولار.

وإذ يعتبر فحيلي أن اعتماد سعر صرف قريب من السوق الموازية قد يكون محاولة لخلق طلب على الليرة، لكن في المقابل لن يكون هناك طلب على الدولار في ظلّ الدولرة الشاملة التي نعيشها منذ ما يقارب العام، وقد يكون رفع سعر الصرف على المنصّة مرتبطا بالزيادات التي طرأت على رواتب وأجور القطاع العام، مع لفت النظر إلى أنها ستدفع لهذا الشهر على دولار صيرفة 85500 ليرة.

وبجميع الأحوال، يرى فحيلي أن منصّة صيرفة أو "بلومبيرغ" لن تخدما أي غاية أو هدف، ويجب إلغاؤهما واللجوء إلى سوق القطع الحرّ بالعملة الأجنبية، وتحديد سعر الصرف تبعاً لموجب العرض والطلب، والعودة إلى تنظيم مهنة الصيرفة، حتى يكون كل الصرافين مرخصين ويصرّحون للجنة الرقابة على المصارف كلّ أسبوعين، وهذا المسار يعدّ أفضل الحلول.

ويلفت المتحدث ذاته إلى أنّ "على السلطة السياسية أن تتخلى عن التدخل بشكل موجع بالاقتصاد، وتجعل الاقتصاد يصحح وضعه، وهذا ما طلبه صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير، بحيث إن التوجه يجب أن يكون نحو ترك عوامل العرض والطلب هي التي تحدد سعر الصرف، وبالتالي فإن المطلوب تحرير سعر الصرف لا توحيده".

المساهمون