غياب قادة الدول الأكثر تلويثاً في العالم عن قمة المناخ ببريطانيا

غياب قادة الدول الأكثر تلويثاً في العالم عن قمة المناخ ... الصين في المقدمة

01 نوفمبر 2021
احتجاجات ضد الحكومات العالمية في غلاسكو (Getty)
+ الخط -

وسط زيادة نسب التلوث وتحديات بيئية متصاعدة وأزمة طاقة شديدة يشهدها العالم وعودة الإقبال على الفحم كمصدر للطاقة، اجتمع أكثر من 120 من قادة العالم أمس الاثنين، في مدينة غلاسكو شمالي بريطانيا لقمة التغير المناخي التي تستمر لمدة 12 يوماً.

وتأتي القمة المهمة في الوقت الذي كشف فيه تقرير نشرته الوكالة الأوروبية للبيئة قبل أيام أنّ تلوث الهواء المتأتي من الإنتاج الصناعي في أوروبا يلحق أضرارًا بيئية تتراوح قيمتها بين 280 مليارا و430 مليار يورو، وأن هذه التقديرات توازي نحو 2% إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي، وهو أعلى من الإنتاج الاقتصادي الإجمالي لدول أعضاء عدة.
كما أنّ التغير المناخي يؤدي إلى حدوث مجاعات حول العالم، ووفق محللين فإن انعدام الأمن الغذائي من بين المخاطر التي تهدد الاستقرار السياسي في الدول الفقيرة والمتوسطة خلال السنوات المقبلة، حيث إن العديد من الحكومات باتت غير قادرة على تلبية حاجة مواطنيها من الغذاء بسبب الجفاف والتصحر.
ويأتي مؤتمر غلاسكو في وقت تعكس ظروف الطقس الصعبة في مختلف أنحاء العالم التداعيات المدمّرة لتغيّر المناخ الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري على مدى 150 عاماً. وتفيد الأمم المتحدة بأنه حتى وإن تم الإيفاء بالالتزامات الحالية للموقعين على اتفاقية باريس للمناخ، فسيؤدي ذلك إلى تسخين حراري "كارثي" بـ2.7 درجة مئوية.

اللافت في قمة غلاسكو هو غياب قادة الدول الأكثر تلويثا للعالم، وأبرزها الصين وروسيا، فالصين هي أكبر مصدر لانبعاث غازات الاحتباس الحراري والزئبق في العالم

وفيما يستبعد حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين، والبرازيلي جايير بولسونارو، قمة "كوب 26"، إلا أن عشرات رؤساء الدول والحكومات، بينهم الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة دول الاتحاد الأوروبي ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، سيحضرون القمة التي تكتسي أهمية كبيرة لمستقبل العالم وسط تزايد الكوارث الطبيعية في العالم.
واللافت في قمة غلاسكو هو غياب قادة الدول الأكثر تلويثا للعالم، وأبرزها الصين وروسيا، فالصين هي أكبر مصدر لانبعاث غازات الاحتباس الحراري والزئبق في العالم. وهذا التلوث الجوي الضار يهدد الشعب الصيني، وكذلك الصحة العالمية والاقتصاد الدولي.

وتعد الصين من بين الدول ذات الصناعة الكثيفة من أكثر الدول التي تطلق الغازات الملوثة للبيئة في العالم. كما تواجه الصين أزمة طاقة مستفحلة منذ شهور، إذ ترفع من حجم وارداتها من الفحم الحجري لتلبية متطلبات محطات الطاقة الحرارية في عدد من الأقاليم.

وحسب البيانات الرسمية الصينية، فإن توليد الطاقة بواسطة محطات الفحم الحجري لا يزال يغذي 56% من الصناعات الصينية، وهو ما يجعل البلاد مسؤولة عن 25% من الغازات الملوثة للبيئة في العالم. ويترقب خبراء الطاقة في قمة "كوب 26"، أن تعلن بكين هي الأخرى عن خططها لخفض معدل الغازات الملوثة للمناخ.

ورغم طموحات بايدن، وسعيه الدؤوب لتحقيق أهداف خفض الغازات الملوثة للبيئة، وبالتالي خفض التسخين الحراري الذي وضعه ضمن برنامجه الانتخابي وعلى رأس أولويات خطط الإنفاق في الولايات المتحدة، إلا أن العديد من الاقتصادات الكبرى تواجه أزمة طاقة مستفحلة منذ شهور، إذ تواجه أوروبا والصين الهند وعدد من الدول الآسيوية ارتفاعًاً كبيراً في أسعار الوقود، ونقصاً في الطاقة النظيفة المطلوبة لإحلال الطاقات الملوثة للبيئة.
ويقول خبراء لوكالة "فرانس برس" إنّ قمة غلاسكو تمثّل "الأمل الأخير والأفضل" للتعامل مع أزمة المناخ التي تهدد بوقوع كارثة عالمية وشيكة.

الاقتصادات الكبرى تواجه أزمة طاقة مستفحلة منذ شهور، إذ تواجه أوروبا والصين الهند وعدد من الدول الآسيوية ارتفاعًاً كبيراً في أسعار الوقود، ونقصاً في الطاقة النظيفة المطلوبة لإحلال الطاقات الملوثة للبيئة

وحذر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، قبيل انعقاد القمة وفي مؤتمر قمة العشرين في روما يوم الأحد، من مخاطر تداعيات التسخين الحراري على الاستقرار العالمي، وعلى تصاعد حدة النزاعات الدولية على موارد المياه والغذاء والهجرة من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية.

ودعا جونسون دول العالم إلى التخلص من الفحم، وتسريع التحول نحو السيارات الكهربائية، وتقديم الدعم المالي اللازم للدول النامية لمواجهة آثار تغير المناخ.
ويأمل مراقبون أن يعطي اجتماع قادة مجموعة العشرين، وهي الدول التي تمثل 80 بالمائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، زخما قوياً لقمة "كوب 26" المنعقدة حالياً في بريطانيا بعدما تأجّلت لمدة عام بسبب جائحة كورونا.

وكانت الولايات المتحدة، كبرى اقتصادات مجموعة العشرين قد أعلنت الأحد في روما، عن التزامها بخفض التسخين المناخي بحدود 1.5 درجة مئوية، لتحقيق هدف اتفاقية باريس المبرمة عام 2015. كما اتفقت على وقف تمويل محطات جديدة تعمل بالفحم الحجري في مختلف أنحاء العالم بحلول أواخر العام الجاري 2021.
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، على "تويتر": "فيما أرحّب بتأكيد مجموعة العشرين التزامها بحلول عالمية، أغادر روما بآمال لم تتحقق وإن كانت لم تُدفن على الأقل".
وفي ذات الصدد بشأن تحديات التلوث البيئي، يقول محللون إن العديد من دول العالم لديها نقصاً حاداً في الطاقة التقليدية، المكونة من النفط والفحم والغاز الطبيعي، لتلبية احتياجات الوقود والتدفئة خلال الشتاء الذي بات على الأبواب، ناهيك عن توليد الطاقة النظيفة.
وتقدر مجموعة "يو بي إس" المصرفية السويسرية أن الصين ربما ستكون بحاجة إلى تريليوني دولار لتحقيق هدف خفض انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة إلى صفر بحلول العام 2060، حسب تعهدات الرئيس شي جين بينغ في سبتمبر/ أيلول الماضي.

"يو بي إس" السويسرية: الصين ربما بحاجة إلى تريليوني دولار لتحقيق هدف خفض انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة إلى صفر بحلول العام 2060

وقال تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة النظيفة، إن العالم بحاجة إلى استثمار 8.1 ترليونات دولار في العقود المقبلة حتى العام 2050 لمعالجة أزمات الطبيعة التي ساهمت في التسخين الحراري، ولكن لا تزال الاستثمارات في الطاقة النظيفة غير كافية.
ومن بين التحديات أن العديد من الدول النامية والفقيرة تواجه أزمة في توفير الطاقة لمواطنيها، مما يفاقم أزمات الغذاء والسلع الضرورية والمواصلات والنقل. وبالتالي تنتظر هذه الدول تلقي مساعدات من الدول الغنية حتى تتمكن من تلبية متطلبات خفض "التسخين الحراري".
لكن حتى الآن، وكما يقول خبراء، اخفقت الدول الغنية في تخصيص مبلغ مئة مليار دولار سنوياً كانت تعهدت به لمساعدة الدول النامية على خفض الانبعاثات الضارة بالبيئة والتأقلم في العام 2009.

ويفاقم عدم إيفاء الدول الغنية بتعهداتها من أزمة الثقة بين دول الشمال، المسؤولة عن "التسخين الحراري" العالمي، وتلك الواقعة في جنوب الكرة الأرضية والتي تعد ضحية لتداعياته.

وفي كلمته الافتتاحية في قمة المناخ قال رئيس القمة ألوك شارما، لدى افتتاحها الأحد، إنّ مؤتمر "كوب 26" يمثّل "الأمل الأخير والأفضل لإبقاء هدف 1.5 درجة مئوية ممكناً".
من جانبها، قالت السكرتيرة التنفيذية لمؤتمر الأمم المتحدة للتسخين الحراري، باتريشيا إسبونيرزا: "نسعى عبر معالجة التلوث المناخي لتحقيق الاستقرار السياسي ومنع حدوث أزمة غذاء في العالم".

وتعقد قمة غلاسكو، بعد تأجيلها عاماً كاملاً بسبب قيود وباء كورونا، وسط تدابير مشددة للوقاية من الفيروس، وتبحث الأطراف المختلفة المشاركة فيها (الدول، والمنظمات الأممية، والمؤسسات المعنية بالمناخ) قضايا عدة منها تسريع العمل لتحقيق أهداف اتفاق باريس واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وبحسب الأمم المتحدة، ولتحقيق تلك الأهداف الطويلة الأمد، تحتاج دول العالم إلى تسريع التخلص التدريجي من الفحم، والحد من إزالة الغابات، وتسريع التحول إلى السيارات الكهربائية، وتشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
ومن ضمن أهداف القمة تأمين صافي الصفر العالمي من الانبعاثات بحلول منتصف القرن، وضبط الزيادة في حرارة الأرض كي لا تزيد على 1.5 درجة، مقارنة مع 3.5 درجات متوقعة في ظل الانبعاثات الحالية.

وسيُطلب من البلدان المضي قدماً في أهداف طموحة لخفض الانبعاثات لعام 2030، تتماشى مع الوصول إلى صافي الصفر بحلول منتصف القرن.