الصين: طموحات القضاء على التلوث ترتطم بارتفاع أسعار الطاقة

الصين: طموحات القضاء على التلوث ترتطم بارتفاع أسعار الطاقة

29 أكتوبر 2021
سكان مدن الصين الكبرى يواجهون أزمة الهواء الملوث (Getty)
+ الخط -

يبدو أن طموحات الحكومة الصينية بخفض معدل التلوث البيئي إلى صفر بحلول العام 2060 ترتطم بعقبات النقص الكبير في بدائل الطاقة النظيفة، وارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي المتوقع أن يستمر لسنوات عديدة مقبلة.

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد تعهد في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ بلاده لن تبني بعد اليوم في الخارج محطات حرارية تعمل بالفحم الحجري، في تعهّد بالغ الأهمية أشاد به دعاة حماية البيئة. ووجد التعهد ترحيباً حاراً من المجتمع الدولي.

لكن رغم تعهد الرئيس شي بعدم بناء محطات توليد بالفحم الحجري في الخارج، فإن الشركات الصينية المملوكة للدولة لديها مشاريع ضخمة للطاقة العاملة بالفحم في أكثر من 12 دولة حول العالم، حسب بيانات بلومبيرغ.

وتحتاج الصين إلى موارد ضخمة من الطاقة خلال العقد الجاري لتغذية النمو الاقتصادي وزيادة معدل الاستهلاك المتزايد من الكهرباء لسكانها البالغ عددهم نحو 1.4 مليار نسمة، وتتزايد دخولهم، وتبعاً لذلك ترتفع معدل رفاهيتهم خاصة في المدن الكبرى.

وتقدر مجموعة "يو بي أس" المصرفية السويسرية أن الصين ربما ستكون بحاجة إلى تريليوني دولار لتحقيق هدف خفض انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة إلى صفر بحلول العام 2060.

ويتوقع مسؤولون في الصين أن يتواصل الطلب على توليد الكهرباء بنسبة 4.4% سنوياً على المدى المتوسط. وبالتالي ربما تستمر القوة الاقتصادية الثانية في العالم في إحراق الفحم الحجري وبكثافة حتى العام 2030.

وحسب البيانات الرسمية الصينية، فإن توليد الطاقة بواسطة محطات الفحم الحجري لا يزال يغذي 56% من الصناعات الصينية، وهو ما يجعل البلاد مسؤولة عن 25% من الغازات الملوثة للبيئة في العالم.

وكانت حكومات الأقاليم في الصين قد وافقت على إنشاء 24 محطة من محطات توليد الطاقة بالفحم الحجري خلال النصف الأول من العام الجاري، وذلك وفقاً لبيانات "غرين بيس" التي تراقب البيئة النظيفة في العالم.

وترغب منظمات البيئة وخفض التسخين الحراري أن تتحرك الصين بسرعة أكبر لخفض توليد الطاقة من الفحم الحجري الذي يرفع من معدل التسخين الحراري الذي يهدد العالم. لكن يبدو أن ذلك ليس ممكناً وسط النقص المريع في البدائل النظيفة.

وتدفع أسعار الغاز الطبيعي والمشتقات النفطية شركات توليد الكهرباء والصناعة نحو مزيد من استخدامات الفحم الحجري. وحتى الآن، تعد الصين أكبر دولة مسؤولة عن التسخين الحراري، وحسب "وول ستريت جورنال"، إذ تنتج نحو 14 مليار طن متري من الغازات الملوثة.

ويقدر خبراء أن تكون الصين مسؤولة عن 50% من التلوث البيئي في العام 2030 في حال استمرارها في التوليد بالفحم الحجري.
وبينما يتركز الحديث حول الإيفاء بمتطلبات الطاقة النظيفة، تعاني الصين من أزمة في توليد الطاقة حتى من المصادر الملوثة وتتجه نحو زيادة واردات الفحم الحجري من الخارج.

ومنذ منتصف أغسطس/ آب أعلنت نحو 20 مقاطعة في الصين عن قطوعات في التيار الكهربائي. وأعلنت الشركات الصينية التابعة للحكومة عن مشاريع تستهدف توليد ما يزيد على 3.6 جيجاواط في العام الجاري، من بينها 1.3 جيجاواط عن مشاريع في جنوب أفريقيا وإندونيسيا.

ومما زاد من أزمة الطاقة في البلاد توتر العلاقات بين الصين وأستراليا في العام 2019، حيث أوقفت بكين مشتريات الفحم الحجري الأسترالي. وكانت الشركات الأسترالية تمد الصين بنحو 38% من احتياجات التوليد بالفحم الحجري حتى العام 2019.

وحسب المحلل بشركة وساطة السفن "آي سي أم"، أبوحنية غوبتا، فإن الشركات الصينية تتجه لتغطية النقص في الفحم الحجري من روسيا ومنغوليا، كما من المتوقع أن ترفع مشترياتها من إندونيسيا إلى الحد الأقصى خلال الشهور المقبلة. ولاحظ المحلل أبوحنية في تعليقات نقلتها قناة "سي أن بي سي" أن الشركات الصينية اشترت شحنات فحم حجري من الولايات المتحدة ومقاطعة كولومبيا الكندية.

ويشتد التنافس على شحنات الفحم بين أوروبا وآسيا، ويرفع هذا التنافس من الأسعار قبيل حلول موسم الشتاء. وارتفعت أسعار الفحم الحجري في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري إلى 250 دولاراً للطن حسب تقرير لـ"بنك أوف أميركا"، وهو أعلى سعر للفحم الحجري في التاريخ. وذلك بسبب أزمة النقص في الغاز الطبيعي وتراجع احتياطات الدول ليس في الصين وحدها، لكن كذلك في أوروبا الغربية التي باتت قلقة من نشوب موجة احتجاجات شعبية خلال الشتاء.

ويرى "بنك أوف أميركا" في تقريره، أن "تتجه دول العالم نحو استخدام المزيد من الفحم الحجري خلال الشتاء المقبل لتفادي توليد الطاقة المكلف من الغاز الطبيعي"، وهو ما يتعارض مع توصيات قمة المناخ في باريس.

  يذكر أن أسعار الغاز الطبيعي الذي يعد من أهم البدائل للفحم الحجري وخامات النفط الثقيلة في توليد الطاقة النظيفة قد ارتفعت إلى مستويات خرافية، حيث بلغت فوق 1900 دولار للألف متر مكعب في أوروبا في تعاملات 11 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وتثير أزمة الطاقة السخرية وسط المؤيدين للطاقة الكربونية في أميركا، حيث تجري حركة عكسية في التوليد من الطاقات النظيفة إلى الطاقات الأكثر تلويثاً للبيئة بسبب العودة الكثيفة لاستخدام الفحم الحجري في التوليد.

المساهمون