فوجئ عراقيون من مدينة النجف جنوب العاصمة بغداد، بأنهم مطالبون بدفع ضرائب بمبالغ كبيرة للدولة، رغم أن بعضهم من الكسبة وآخرين موظفون في دوائر صغيرة، بل إن بعضهم عاطلون عن العمل أصلاً، وذلك من جرّاء عمليات تحويل مبالغ مالية كبيرة بالعملة الصعبة إلى خارج البلاد عبر شبكات متخصصة بالتهريب من خلال استغلال هوياتهم وأسمائهم دون علمهم، وهي حالة تكررت في أكثر من محافظة خلال السنوات الأخيرة، حتى بات العراقيون يخشون من منح نسخ من هوياتهم في بعض المعاملات المالية، ومنها مكاتب الصرافة وتحويل الأموال الداخلية.
وكشفت هيئة النزاهة الاتحادية في بغداد، في بيان نهاية الأسبوع الماضي، أن "فريق عمل من مكتب تحقيق النجف تمكن من ضبط عضو في شبكة؛ لقيامها بغسل الأموال والتحويلات المالية إلى الخارج بأسماء عدد من المواطنين دون علمهم"، وأنّ الشبكة قامت بتحويل مبلغ 68 مليون دولار إلى خارج العراق عن طريق شركة صيرفة تديرها باسم أحد المواطنين دون علمه".
وروى البيان قصة، بالقول إن "المواطن فوجئ أثناء مراجعته لدائرة الضريبة في النجف بوجود ضرائب مفروضة عليه بلغ مجموعها 13 مليار دينار، جراء التحويلات التي قامت بها الشبكة عن طريق استغلال اسمه"، لافتة إلى أنّ "الشبكة التي تمارس عملياتها منذ عام 2012 قامت بالاحتيال على عدد من المواطنين بهذه الطريقة".
وقال أحد الموظفين في دائرة ضرائب محافظة النجف، لـ"العربي الجديد"، إن "شبكة تهريب تم الكشف عنها، بعد أن وصلتنا معلومات عن قيام عدد من الأشخاص بتحويل مبالغ كبيرة من بغداد إلى النجف، ثم إلى أربيل، وبعد ذلك إلى بغداد مرة ثانية، في محاولة للتمويه قبل خروج هذه الأموال تحت مسمى التجارة، إلى الخارج"، مبيناً أن "المواطنين الذين ورطتهم هذه الشبكة، لا ذنب لهم، لكن القانون العراقي يحتم التحقيق معهم واحتجازهم إلى حين التأكد من إفاداتهم".
وأضاف الموظف الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "هذه المرة ليست الأولى التي تحدث فيها عملية احتيال بهذا الشكل، بل سبق أن حدثت في محافظات أخرى أيضاً، وهي ظاهرة بدأت بالرواج، أبطالها عادة من المتنفذين في الأحزاب وبعض الفصائل المسلحة، إضافة إلى بعض أصحاب شركات التحويل المالي ومكاتب الصرافة".
من جهته، قال صاحب شركة "الخير" للصرافة والتحويل المالي، في بغداد، مزهر عبد الله، إنه "في السنوات الماضية انتعشت ظاهرة استخدام أسماء الزبائن والعملاء واستخدامها في أمور مالية، ومنها المتاجرة والتحويلات إلى المحافظات ودول الخارج، وعادة ما تبدأ هذه الحوالات بمبالغ بسيطة لكنها ترتفع تدريجياً حتى تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات"، مشيراً إلى أن "بعض المتنفذين والأحزاب التي تمتلك محال وشركات صرافة، تستخدم الهويات وجوازات السفر الخاصة بالعملاء، في فتح مجالات تجارية وتسجيل شركات بهذه الأسماء، ويبقى الضحية لا يعلم بأي شيء، لكن الكارثة تحدث عندما تقدم السلطات على التحقيق حول الحوالات أو الشركات، فيهرب المتورطون الحقيقيون ويقع الضحايا تحت طائلة القانون".
وأكمل عبد الله في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "العام الماضي تم الكشف عن نحو 10 شركات مالية مسجلة، وتضمنت مئات التحويلات بمبالغ كبيرة، وكلها كانت بأسماء لزبائن عاديين وبسطاء، وحين يقع الضرر الكبير تقدم السلطات على التواصل مع أصحاب الشركات لغرض تسديد دفعات الضرائب، ليتبين أن الفاعل الحقيقي لهذه المشكلة غير معروف، وتقوم السلطات بالتمسك بالضحية"، مؤكداً أن "العاصمة بغداد تشهد حالياً عمليات احتيال كبيرة على المواطنين بسبب شركات الصرافة".
من جانبه، بيَّن النائب المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، أن "مثل هذه الظاهرة سمعنا بها، وقد ظهرت أول مرة من خلال تشكيل الشركات وأسماء التجار الذين يمارسون نشاطات تجارية في الاستيراد والتصدير، حيث تبين أن بعض التجار يستخدمون أسماء وعناوين وهويات ليست لهم، من أجل ممارسة نشاطات مشبوهة دون أن يقعوا في أي ضرر قانوني"، معتبراً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك من تضرر بسبب هذه الأفعال، وتحديداً المواطنين الذين يتم استخدام أوراقهم الرسمية وأسمائهم".
وأشار النائب إلى أن "شركات الصرافة والتحويلات المالية مطالبة بالحفاظ على بيانات العملاء، وعدم التلاعب فيها، وأن التحقيق بهذا الأمر لا بد أن يكون من خلال البنك المركزي ودوائر مكافحة غسل الأموال، إضافة إلى هيئة النزاهة وجهاز الأمن الوطني والمخابرات"، لافتا إلى أن "ضحايا هذا الاحتيال، عليهم تقديم شكاوى والمطالبة بالتعويض، ومن المفترض أن تقدم السلطات الأمنية على غلق الشركات التي تمارس هذه العمليات".
بدوره، أكد المحامي العراقي ستار محمود، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الجرائم نسمع بها منذ مدة، وهي من الجرائم المركبة التي تحتوي على أكثر من جريمة، أي أنها تحتوي على النصب والاحتيال والتهريب وغسل الأموال، ولكل جريمة من هذه الجرائم عقوبتها الخاصة، بالتالي فإن المتورط فيها يعاقب بمجموعة عقوبات تصدر بحقه"، مستكملاً حديثه بالقول إن "المشكلة في مثل هذه الجرائم، أن الصعوبة تكمن في إثباتها، نظرا لعدم تحقق شرط الشهود (شاهدان اثنان)، وبالتالي يفلت المتهم من العقوبة، لكن القانون العراقي يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى 5 سنوات، بحق كل من استعمل طرقا ووسائل لخداع المواطنين والاحتيال عليهم، وأدى هذا الفعل إلى حصول منافع مادية أو معنوية لمرتكب الاحتيال".