رهان الأردن المحيّر

رهان الأردن المحيّر

12 أكتوبر 2022
بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في النصف الأول من العام 150 مليون دولار (فرانس برس)
+ الخط -

كلما لدغ الأردن من جحر النظام السوري، يدير الجنب على أمل السلامة ومنح الفرصة.. فيلدغ من جديد، فيعاود ويعاند الحقائق والمنطق، ليلدغ ويلدغ ويتعاظم سريان سموم المخدرات بجسد شعب الخليج عبر أراضيه لما يشبه الإدمان على تجريب المجرّب ومجافاة حقائق التاريخ ومنطق الجغرافيا.

ورغم فضائح 40 طنًّا من الحشيش وأكثر من 83 مليون حبة كبتاغون دخلت الأردن عبر سورية، العام الماضي فقط، وبعد مخاطر الكوليرا التي تسربت للمملكة عبر الخضر السورية، تفتقت عبر الذهنية الأردنية "تشاركية لا تنافسية" فأرسلت المملكة الشقيقة 65 رجل أعمال و30 شركة صناعية وتجارية مؤخرا، ليبحثوا عن الكنوز المفقودة بسورية الأسد وينقلوا العلاقات التجارية إلى المستويات العليا، لطالما الفترة، بحسب رئيس غرفة تجارة الأردن، رئيس الوفد ومنفذ التطبيع نائل الكباريتي "سانحة في ظل التطورات الراهنة التي يعيشها الاقتصاد العالمي".

بعيداً عن ملهاة البحث في ما يمكن أن تقدمه سورية، المحطمة بكل معاني الكلمة، للأردن "بظل التطورات الراهنة" أو الغرق في أبعاد "تشاركية لا تنافسية" التي أخذها المنتدى الذي استضافته دمشق أول من أمس شعاراً له، يبدو من البلاهة الاقتصادية التطلع إلى بلد يقتصر إنتاجه على "المحرمات والممنوعات" لتحقيق، أو المساهمة بتحقيق نسبة 2.1%، النمو المأمولة بالمملكة التي رماها البنك الدولي هذا العام إلى جانب شروط أربعة، كما من المقامرة النظر إلى امتصاص فائض البطالة بين الشباب الأردني، بعد أن تعدت نسبة العاطلين 23%  من بلد تزيد البطالة فيه عن 82% ووصلت سلع مستورداته للاستهلاك اليومي الغذائي.

وأما إن كان يرى صنّاع السياسة الاقتصادية بعمان، أن من دمشق أو عبرها، يمكن أن تُجسر فجوة الديون المستحقة، بعد أن تعدت 41 مليار دولار، ففي ذلك قفز للأمام أو تنفيذ لخطط لمّا تتكشف ملامحها بعد، هي سياسية على الأرجح، تراها واشنطن التي قال منها ملك الأردن، في يوليو/تموز العام الماضي، إن بشار الأسد ونظامه باقيان و"علينا أن نكون ناضجين ونفكر في تغيير سلوك النظام بدل تغييره" قبل أن تأتي أولى ملامح تغيير السلوك عبر اتصال الأسد بالملك الأردني بعد ثلاثة أشهر، في أكتوبر العام الماضي للتشكي من المخدرات، وتأخذ عمان من أبو ظبي، دفة التطبيع مع نظام الأسد.. وتلدغ من الجحر، كما بدأنا، مراراً.

قصارى القول: من الإنصاف ربما، لطالما الاقتصاد لغة الأرقام ولعبة المصالح، أن ننظر بالعين الثانية، فتجارة الترانزيت التي اقتربت، خلال سني القطيعة، من الصفرية، هي مورد الأردن الأهم، وحجم التبادل المقترب من التلاشي ما بين أعوام 2015 وقت سيطر الجيش الحر على معبر نصيب، وعام 2018 وقت أعيد فتح المعبر قبل أن يغلق خلال عامي كورونا ويعاد فتحه في سبتمبر/أيلول العام الماضي، يعتبر رئة الأردن الشمالية، لاستيراد منتجات لبنان وما تبقى بسورية، أو للنفاد عبر الأراضي السورية إلى تركيا وربما أبعد.

لكنه، وللإنصاف أيضاً، لم يتحقق أي من تلك التوقعات أو المصالح الضرورية التي دفعت الأردن لقيادة إثم التطبيع وتناسي جرائم النظام السوري وتهجير نصف السكان، إذ لم يزد حجم التبادل زنة عن 85 ألف طن خلال النصف الأول من العام الجاري، ولم ترتفع قيمته عن 150 مليون دولار، في حين تعدت قيمة شحنات المخدرات السورية واللبنانية عبر الأردن، أضعاف أضعاف حجم التبادل الشرعي، زنة وقيمة.

كما لم تشهد المنطقة الحرة بين البلدين، أية استثمارات تذكر، بعد عشرة أشهر من افتتاحها، لنبرر، ولو من منطق نفعي، فتوحات ما سمعناه من أقوال أمس، عن خطط شركات أردنية تتطلع، بمناخ سورية الجاذب، للعمل بقطاعات الخدمات والصناعة، والقطاع المالي والتأمين والمقاولات والإنشاءات والجامعات والزراعة. 

نهاية القول: الغرابة كل الغرابة في ما نراه من استمرار محاولات الأردن كسر الحصار عن النظام السوري، بعد أن كان ملكه، عبد الله الثاني من أوائل الداعين بشار الأسد للرحيل، في تشرين الثاني عام 2011، والوجع والخيبة بنجاعة طرائق النظام السوري، والتي عبرت "واقعيتها" الأردن الذي "لا ينطق عن الهوى".

فأن يكون بتهريب مئات ملايين حبوب الكبتاغون وأطنان الحشيش، ما ضبط منها بالأردن فقط هذا العام، 250 مليون حبة،  طريقة بشار الأسد لتهديد جوار سورية وما بعدها، وتحويله سورية إلى "دولة مخدرات" تشكل تهديداً أمنياً عابراً للحدود الوطنية، بل وتهافت الدول لتأمن شره ومخدراته، مقابل التطبيع، كما كشفت صحيفة "لوفيغارو" الشهر المنصرم، عن اتصالات بين الأردن ونظام الأسد لفك العزلة الدولية مقابل وقف تهريب المخدرات... فوقتذاك لا ينحصر اللوم والفجيعة بالأردن وحسب.

المساهمون