خصخصة "المتحدة" وتحرير الإعلام المصري

خصخصة "المتحدة" وتحرير الإعلام المصري

07 يونيو 2021
إعلاميو مصر ينتظرون بدء مهرجان الفرعون السنوي الذي يقام بالقاهرة
+ الخط -

لم يكن الإعلان عن طرح جزء من أسهم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية للتداول في البورصة المصرية مفاجأة كبيرة، لا سيما بعد الإخفاقات المدوية للإعلام المصري خلال السنوات الأخيرة، والتي لم يتسبب بها الإعلاميون المصريون الذين يحملون رايات قنوات وصحف عربية بلغت العالمية في أدائها ومهنيتها، وإنّما تسببت بها سياسات القمع الشديد والإجهاز على هوامش الحرية، وإرسال التعليمات بالرسائل النصية، حتى شوهت البرامج التلفزيونية وأضحت مساراً للتندر حتى من العاملين في المجال أنفسهم.

بلغ انتقاد الأداء الإعلامي ذروته على لسان وزير الإعلام المستقيل أسامة هيكل، عندما صرح علانية بأنّ "الأعمار أقل من 35 سنة، والذين يمثلون ما بين 60% و65% من المجتمع، لا يقرأون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون"، مطالباً بالتفكير في نمط حياة هذه الفئات، وتحدث عن متابعة بعضهم لوسائل إعلام المعارضة في الخارج.
وبعدها، دخل الوزير في حرب ضارية مع الإعلاميين الموالين للنظام، وهو الأمر الذي انتهى باستقالة الوزير قبل مرور عام ونصف فقط على قبوله تولي الوزارة التي استحدثت خصيصاً لتطوير العمل الإعلامي، وتضاربت اختصاصاتها بشدة مع اختصاصات المجلس الأعلى للإعلام، ولن تفلح تدخلات كثيرة في منع التراشق بين مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس السابق، والوزارة الجديدة.
في العام 2014 أسس رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة مجموعة "إعلام المصريين" بأوامر مباشرة من المخابرات، وخلال السنوات الثلاث الأولى نشط أبو هشيمة في الاستحواذ على القنوات الفضائية والصحف الخاصة، فاشترى قناة "أون تي في" ON TV، ثم اليوم السابع، والعديد من المواقع، كما أنشأ مجموعة قنوات "أون" ON للمنوعات والدراما والرياضة وغيرها.
وسرعان ما استولت المخابرات على حصة أبو هشيمة في "إعلام المصريين" بعدما اشترت "إيجل كابيتال" حصته فيها عام 2017، واستمرت استحواذات الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام بعد ذلك، وكان آخرها الاستحواذ على قناة المحور في مطلع العام .
وكان التنكيل هو جزاء من تجرأ على مخالفة الأوامر بالبيع، وكان أشهر الأمثلة على ذلك إلقاء القبض على صلاح دياب، مالك صحيفة المصري اليوم، في منتصف عام 2020، وهي المرة الثانية التي يتم فيها إيقاف الرجل، إذ سبق أن ألقي القبض عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، على خلفية عدة اتهامات، من بينها "العدوان على المال العام". وآنذاك، قررت محكمة مصرية التحفظ على أمواله.

أدت عصا الدولة الغليظة في النهاية إلى احتكار الشركة المتحدة لكافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، والعجيب أن تتحمل الدولة الفقيرة جداً هذه المليارات الكثيرة والتي لا يعرف أحد عددها، في الوقت الذي يتحمل فيه الشعب الزيادات الصارخة في أسعار الخدمات العامة ورفع الدولة يدها عن دعم الطبقات الفقيرة، الأمر الذي تسبب في وقوع أكثر من نصف المصريين تحت خط الفقر.
الاحتكار والانعدام المتعمد للمنافسة شكلا سياسة النظام الذي لم يسمح بأيّ نسبة من هامش الحرية في الأداء الإعلامي، الأمر الذي أدى إلى النمطية والاستنساخ الرديء للأداء الذي يعمل وفق الأوامر الفوقية، وكانت النتيجة الطبيعية هذا الأداء الهزيل الذي لم تفلح محاولاته بلصق الاتهامات بإعلام الخارج في تحسين صورته، حتى هرب المشاهد المصري إلى المصادر العربية والدولية.
السؤال: ماذا يعني طرح جزء من أسهم الشركة المتحدة في البورصة؟
في مؤتمر صحافي تم تسريب محتواه عبر برامج مهمة في القنوات المصرية قبل انعقاده بيومين، تم التصريح حول النوايا الخاصة بطرح أسهم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في البورصة خلال الفترة المقبلة، وتردد أنّ النسب المطروحة ستراوح ما بين 20% و30% من أسهم الشركة.
وبعيداً عن التفسيرات السياسية للتوجهات الجديدة للسلطات لقرار الطرح، فإنّ الأمر لو كان جاداً لتم طرح أكثر من 51% من الأسهم بما يمكن الإدارة الجديدة من التصرف واتخاذ القرارات، أما الحديث عن السعي لتعظيم الأرباح، والتي قيل في المؤتمر الصحافي إنّها تحققت بواقع 256 مليون جنيه (نحو 16 مليوناً و300 ألف دولار)، العام الماضي، في مقابل خسائر بلغت 469 مليون جنيه (نحو 30 مليون دولار)، في عام 2017، فمن المرجح أنّه بعيد كلّ البعد عن الحقيقة، فلا أحد يعرف سعر شراء هذه الكيانات الكثيرة، ولا الخاسر والرابح منها، وهل يسمح بتصفية بعض أجنحتها الخاسرة أم لا.
ببساطة، الطرح في البورصة هو نقل للأعباء المالية إلى طرف جديد أو مجموعة أطراف، قد تأمرهم السلطة بالشراء وتحمل الخسائر، أو لأطراف إقليمية نعرف جميعا اهتمامها بالحالة المصرية، وفي كلّ الأحوال ستبقى السيطرة والقرار بيد المخابرات، المالك الحقيقي لأغلبية أسهم المجموعة الإعلامية.

تمتلك الحكومة المصرية بالفعل وقبل تأسيس الشركة المتحدة، المحتكر الأكبر الحالي للإعلام، مجموعة ضخمة من القنوات والصحف، وعلى رأسها التلفزيون المصري، الذي يخسر ما يقارب 8 مليارات جنيه (510 ملايين دولار) سنوياً، وكان التوجه الصحيح منذ البداية هو إعطاء الأهمية لإصلاح ما تملكه الدولة فعلياً.
لكنّ فلسفة النظام في السيطرة والاستحواذ هي التي دفعت أجهزته إلى الاتجاه الخاطئ بالاستحواذ على كلّ الصحف والقنوات والمواقع وليس إصلاح ما هو قائم بالفعل ولا يحتاج إلى تلال الأموال التي أنفقت على شراء الجديد وإعادة هيكلته وترتيبه بما يتلاءم مع تلك الفلسفة.
الحرية هي مفتاح إصلاح الإعلام المصري وعودته إلى دوره الريادي الذي تنازل عنه طواعية إلى منافسيه، والغريب أن تعلن الشركة المتحدة عن إنشاء قناة إخبارية جديدة في ظل امتلاك مصر فعلياً لقناة النيل للأخبار، والتي أحدثت دوياً بمذيعيها وكوادرها الشباب الذين اختيروا على أسس الكفاءة، ثم انتشروا بعد إهمال القناة ليشكلوا البناء الرئيس لكلّ القنوات المصرية والعربية الكبرى حالياً.
مصر لا تحتاج إلى قنوات جديدة، وليست بحاجة إلى كوادر بشرية إعلامية، فكوادرها ملء السمع والبصر في كلّ المحطات الكبرى. مصر تحتاج فقط إلى هامش من الحرية يتيح الإبداع بعيداً عن "رسائل السامسونغ"، كما تحتاج إلى إصلاح مؤسساتها الإعلامية العريقة، وأن يترأس المؤسسات المخلصون وليس الموالون، وهذا هو الطريق الوحيد الصحيح لترميم سمعة الإعلام المهدرة.

المساهمون