تنافس شرس بين واشنطن وبكين على ثروات أميركا اللاتينية

تنافس شرس بين واشنطن وبكين على ثروات أميركا اللاتينية

18 ديسمبر 2023
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا مع الرئيس شي في بكين (getty)
+ الخط -

قالت تقارير متخصصة، مساء السبت، إن التنافس بين أميركا والصين يزداد شراسة في السنوات الأخيرة، بعد ارتفاع استثمارات الصين في قطاع الطاقة في أميركا اللاتينية، حيث عملت الشركات الصينية على توسيع عمليات التعدين في النفط والمعادن والليثيوم، وغيرها من العمليات المرتبطة بالطاقة في العديد من دول أميركا اللاتينية.

يحدث ذلك في الوقت الذي تأمل فيه الولايات المتحدة تعزيز نفوذها في المنطقة الجارة التي تتدهور علاقاتها معها بسبب سياسات الحظر المتواصل على بعض دولها ومحاولة تغيير أنظمتها السياسية.

كما يعمل الرئيس الأميركي جو بايدن على الترويج لـ"شراكة الأميركتين من أجل الرخاء الاقتصادي"، وهو إطار عمل يركّز على تشجيع الأعمال التجارية وإعادة توجيه سلاسل التوريد بعيداً من الصين، وتأتي الخطوة مع تراجع شعبية اتفاقيات التجارة الحرة في واشنطن.

وفي بداية الشهر الماضي دعا بايدن دول أميركا اللاتينية إلى اختيار الاستثمارات الديمقراطية والشفافة بدلاً من سياسة "دبلوماسية فخ الديون" الصينية.

وحسب بيانات مؤسسة "ستاتيستا" الألمانية المتخصصة في البيانات الاقتصادية، فقد بلغت قيمة استثمارات الولايات المتحدة في أميركا الوسطى والجنوبية في العام الماضي 2022، حوالي 311.03 مليار دولار من اجمالي استثماراتها في الخارج البالغة 6.58 تريليونات دولار في نفس العام.

في ذات الصدد، قال تقرير بنشرة موقع أويل برايس الأميركي إن الولايات المتحدة تتطلع إلى بناء علاقات طاقة إقليمية وسلاسل توريد مع دول أميركا اللاتينية لتقليل اعتمادها على آسيا، بخاصة مع الصين.

ورغم تلك التأكيدات وزيادة حدة المنافسة بين بكين وواشنطن فإن السؤال المطروح هو: إلى أين سيصل التنافس بين العملاقين على أميركا اللاتينية، ومن سيكسب في النهاية؟

لا تزال أميركا قلقة من تطور التنافس مع الصين في أميركا اللاتينية وفق محللين، ويعيد مشهد أزمة خليج الخنازير مع الاتحاد السوفييتي في الستينيات من القرن الماضي حينما نشرت موسكو صواريخ حاملة لرؤوس نووية في جزيرة كوبا.

وبالتالي فهي غير مطمئنة لتوسع بكين في الهيمنة على موانئ بعض دول أميركا اللاتينية وتطوير بعضها، بخاصة أن الصين، وسط توتر العلاقات بين العملاقين، عمدت إلى تعميق علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع العديد من دول أميركا اللاتينية على مدى السنوات العشرين الماضية، خاصة البرازيل وفنزويلا.

ولاحظت "أويل برايس" أن بكين تستثمر أكثر خلال العقدين الأخيرين بشكل أكبر في المنطقة، حيث تتفوق على الولايات المتحدة، كأكبر شريك تجاري لأميركا اللاتينية.

وحسب تقرير الموقع الأميركي، تتمتع الصين بحضور دبلوماسي وثقافي وعسكري قوي في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، مما يثير مخاوف البيت الأبيض بشأن المنافسة الصينية في المستقبل على الهيمنة على سوق الطاقة في أميركا اللاتينية.

لا سيما في الوقت الذي تتطلع فيه إدارة بايدن إلى تطوير أنشطة الطاقة المتجددة لبديل للطاقة التقليدية. كما أن استثمارات الصين في أميركا اللاتينية تثير تساؤلات واشنطن حول مستقبل النفوذ الجيوسياسي في أميركا اللاتينية.

وتصدر أميركا اللاتينية العديد من المنتجات إلى الصين، بما في ذلك فول الصويا، والنحاس، والنفط، وغيرها من المواد الخام في مقابل منتجات مصنعة ذات قيمة مضافة أعلى.

وأنشأت الصين اتفاقيات تجارة حرة مع شيلي وكوستاريكا والإكوادور وبيرو و21 دولة في أميركا اللاتينية، كجزء من مبادرة الحزام والطريق، مما يجعلها شريكاً تجاريا جذاباً. كما ضخت الشركات الصينية كميات هائلة من الأموال إلى المنطقة في شكل استثمارات وقروض في مشاريع البنية التحتية وشراء الأراضي وتطوير الموانئ.

وحسب تقرير "أويل برايس" فإنه في الفترة من عام 2000 إلى عام 2018، استثمرت الصين حوالي 73 مليار دولار في قطاع المواد الخام في أميركا اللاتينية، حيث ضخت عشرات المليارات في تطوير المصافي ومصانع المعالجة في المناطق التي تتمتع بإمدادات وفيرة من الفحم والنحاس والغاز الطبيعي والنفط واليورانيوم.

كما تستثمر الصين بكثافة في الطاقة المتجددة منذ عدة عقود، لتصبح أكبر مورد في العالم للعديد من المعادن الرئيسية، بالإضافة إلى الطاقة الخضراء ومكونات التكنولوجيا النظيفة التي تم تطويرها باستخدام هذه المعادن.

ويقول التقرير، "في السنوات الأخيرة، زادت بكين استثماراتها في إنتاج الليثيوم، وهو من أهم المعادن في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية التي يراهن عليها العالم في خفض التلوث الناتج عن الخامات البترولية".

وتسيطر الشركات الصينية حالياً على نحو 70% من إنتاج الليثيوم في الدول التي تعرف بـ"مثلث الليثيوم" في العالم، وهي الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي.

كما تعمل العديد من الشركات الصينية المملوكة للدولة في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، حيث تنفذ شركة باور شينا PowerChina الصينية حوالي 50 مشروعاً في أميركا اللاتينية حتى نهاية العام الماضي 2022.

ويقول محللون، ليست شركات الطاقة الصينية فقط هي المرتبطة بالمنطقة، حيث يقدم بنك التنمية الصيني العملاق التمويل للعديد من مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في أميركا اللاتينية.

وتجعل زيادة مشاركة الصين ونفوذها في منطقة أميركا اللاتينية ، الولايات المتحدة تخشى من التداعيات الجيوسياسية للعلاقة التي تطورها مع العديد من البلدان، فضلاً عن التأثير على دور الولايات المتحدة في المنطقة.

وفي عام 2019، قدم البنك 85% من المبلغ المطلوب البالغ 400 مليون دولار لتطوير أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في أميركا اللاتينية، وهو مشروع بالأرجنتين.

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل عام 2022، والذي دفع الولايات المتحدة وأوروبا إلى فرض عقوبات قاسية على قطاع الطاقة الروسي، كانت إدارة بايدن تتطلع إلى تنويع واردات الطاقة لديها وإقامة علاقات طاقة إقليمية وسلاسل توريد.

كما أكد البيت الأبيض على هدفه المتمثل في الحد من اعتماد البلاد على المنتجات الصينية الصنع، بخاصة تلك التي تدعم التحول الأخضر، من خلال سياسات مثل قانون خفض التضخم، وقانون الرقائق والعلوم، وقانون البنية التحتية.

في هذا الصدد، قال المدير الأول لمركز أميركا اللاتينية التابع للمجلس الأطلسي، جيسون ماركزاك، إن الشراكة بين واشنطن ودول أميركا اللاتينية "ستمهد الطريق لعصر جديد من الاستثمار الأميركي في المنطقة".

المساهمون