الطبقة السياسية "تقامر" بثروة لبنان النفطية

16 فبراير 2022
موارد لبنان النفطية لا تزال مجهولة (بوراك كارا/ Getty)
+ الخط -

أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون في حديث مع صحيفة محلية السبت الماضي أن "النقطة 23" هي حدود لبنان البحرية وأن تعديل المرسوم 6433 لم يعد وارداً، ضارباً عرض الحائط بـ"النقطة 29" التي كان يتمسّك بها شخصياً والتي يعتمدها الوفد اللبناني في جولات المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي التي بدأت في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2020، في منطقة رأس الناقورة (جنوب لبنان) برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية.

كلام عون جاء بعد جولة الوسيط الأميركي آموس هوكستين (كان ضابطاً في جيش الاحتلال) حاملاً بيده جملة مقترحات وضعت في خانة "الصفقة" حول حدود لبنان البحرية مع الاحتلال. تصريح عون، استدعى كسر رئيس الوفد اللبناني العميد الركن بسام ياسين (أحيل إلى التقاعد ولم يتم تعيين بديل عنه) صمته الإعلامي معلناً أن لبنان "تنازل مجاناً" عن ثروته النفطية لصالح الاحتلال وحقق له ما يريد بضربة واحدة.

وقال ياسين في إطلالة له عبر قناة تلفزيونية إن مجرد تصريح رئيس البلاد عن أن النقطة 23 هي حدود لبنان سيسمح تلقائياً للعدو بالعمل في البلوك 72 (يقع بمحاذاة الحدود اللبنانية وفق المرسوم 6433)، وفي حقل كاريش الذي سيعتبر الاحتلال أنه حكماً له باعتراف لبناني علني بالخط 23، بينما لم يحمِ لبنان حقل قانا بحيث سيتقاسمه مع "الإسرائيلي" ضمن ثروات أخرى، نظراً للحقول الكثيرة المتداخلة في البلوك رقم 8.

فقد صدر المرسوم رقم 64331 في أكتوبر/تشرين الأول 2011، واستند المرسوم إلى ما يعرف بالنقطة 23 أي التي تضمن مساحة 860 كيلومتراً مربعاً في البحر ضمن الحدود البحرية. وقد نص المرسوم على إمكان مراجعة حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة وتحسينها وتعديل لوائح إحداثياتها عند توافر بيانات أكثر دقة.

وعرّف المنطقة الاقتصادية الخالصة على أنها المنطقة التي تقع وراء البحر الإقليمي وتشمل كامل المنطقة المتاخمة وتمتد باتجاه أعالي البحار مقوسة من خط الأساس استناداً إلى أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

موقف
التحديثات الحية

ولكن في إبريل/ نيسان 2021 أودع الجيش اللبناني وزارة الدفاع كتاباً رقم 2320 يتضمن لوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمناطق البحرية اللبنانية، حيث تبين أن مساحةً إضافية تعود إلى لبنان، مما يفضي إلى تعديل الإحداثيات التي تناولها المرسوم رقم 6433/2011.

ومن شأن التعديل المذكور أن يصحح حدود لبنان البحرية، بحيث ينتهي الخط الجنوبي عند نقطة 29 التي يريد الوفد اللبناني الانطلاق منها في التفاوض بدلاً من النقطة 23، ما يضيف 1430 كيلومتراً مربعاً على المساحة السابقة 860 كيلومتراً مربعاً، أي بمجموع 2290 كيلومتراً مربعاً، ليصبح بذلك البلوك 72 وجزء من حقل كاريش الذي يستثمره الاحتلال ضمن المياه اللبنانية، ما من شأنه أن يمنع شركة "انرجيان" اليونانية من الحفر في "كاريش" كونه ضمن منطقة متنازع عليها.

وأكد الجيش اللبناني أن من شأن التمسك بالخط 29 حماية حقل الغاز المحتمل الأساسي في البلوك رقم 9 اللبناني والذي يبلغ حجمه 3 أضعاف حجم حقل كاريش وقدر مخزونه بعشرات المليارات من الدولارات، لافتاً إلى أن الحقل هذا يتعدى الخط 23 بكيلومترات عدة جنوباً، وبالتالي لن تتجرأ أي شركة بما فيها "توتال" الفرنسية على التنقيب في هذا الحقل خشية من عرقلة الاحتلال تطويره باعتبار أن ربع هذا الحقل يقع اليوم في البلوك رقم 72 الإسرائيلي.

أكد الجيش اللبناني أن من شأن التمسك بالخط 29 حماية حقل الغاز المحتمل الأساسي في البلوك رقم 9 اللبناني والذي يبلغ حجمه 3 أضعاف حجم حقل كاريش وقدر مخزونه بعشرات المليارات من الدولارات

إلا أن الرئيس اللبناني ميشال عون لم يوقع على تعديل المرسوم رقم 6433/2011، تارة بحجة أنه أحيل إليه وقتما كانت حكومة حسان دياب في وضعية "تصريف أعمال" وأخرى بذريعة أنه ورقة للتفاوض يمكن أن يستخدمها في الوقت المناسب.

هذه المستجدات، وفق مصدر لـ "العربي الجديد"، تقف خلفها السلطة السياسية ويمكن اعتبارها تنازلاً لبنانياً صريحاً عن جزء كبير من حدوده البحرية وحقوقه النفطية تحت ذرائع مختلفة. ويشير المصدر إلى أنها تتزامن أيضاً مع استثناء واشنطن للبنان من عقوبات "قانون قيصر" لتسهيل عملية استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سورية، الذي لا بدّ أن يكون له ثمن في المقابل ولا سيما مع وقوف أميركا إلى جانب إسرائيل في رفضها الخط 29 وتمسكها بالتفاوض على الخط 23.

 

يقول الخبير الدولي في شؤون الطاقة رودي بارودي لـ"العربي الجديد" إن المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية تفشل تدريجياً باعتبار أن "كثرة الطباخين في لبنان ستحرق الملف والحقوق"، عدا عن إزاحة الجيش اللبناني حالياً عن المفاوضات التي كان مكلف بها.

ويشير بارودي إلى أن هذه التغييرات كلها ستؤخر عمل لبنان في إنتاج النفط والغاز باعتبار أن شركات "توتال" الفرنسية و"نوفاتيك" الروسية و"إيني" الايطالية سيصبحون ملزمين بتأخير أعمال التنقيب عن النفط والغاز في بحر لبنان وخاصة في البلوكين 8 و9 المتنازع عليهما.

مع الإشارة إلى أن البلوك رقم 9 يدخل في منطقة متنازع عليها تصل مساحتها إلى 864 كيلومترا مربعا ويمتد بمحاذاة 3 بلوكات تقريباً، فيما يزعم الاحتلال أن البلوك 8 تابع له وتبلغ مساحته 1400 متر مربع. ويلفت بارودي إلى أن "كلام الرئيس عون سيعطي الضوء الأخضر للإسرائيليين للبدء بالعمل تحت خط 23 ما سيرخي بتداعيات كبيرة على لبنان في حال ظهور حقول غاز محتملة".

ويضيف أن "لبنان والاحتلال الإسرائيلي وقبرص قاموا بالمسح الجيولوجي عامي 2001 و2002 لكن رأينا كيف أن الأخيرين استخرجوا واستخدموا الغاز، بينما لبنان هدر عشرين عاماً ولم يستغل ثرواته التي يحتاج إليها، ولا يزال يتخبط سياسياً، ويضيّع الوقت والمال والحقوق كما حرم سابقاً من خط الغاز العربي الذي كان باستطاعته حل أزمة الكهرباء في البلاد".

كلام الرئيس عون سيعطي الضوء الأخضر للإسرائيليين للبدء بالعمل تحت خط 23 ما سيرخي بتداعيات كبيرة على لبنان في حال ظهور حقول غاز محتملة

ويرى بارودي أن الأخطر أن لا أحد يتطرق إلى الإحداثيات والخطين اللذين اعتمدا لبنانياً في العام 2010 من أجل بدء الترسيم، 64 متراً في البحر بدءاً من رأس الناقورة، واسرائيلياً في سنة 2011 باعتماده 35 متراً في البحر، فيما عليهما اعتماد خط الناقورة البري الفاصل بينهما، وبالتالي هما مجبران على تحديد خطوط جديدة.

ويستغرب بارودي في المقابل تخلي لبنان عن حقه الذي تكفله له الاجتهادات الدولية وتجعل منه بموقع قوي في التفاوض، باعتبار أن القرارات الدولية لا تقيم وزناً للجزر الصغيرة والصخور، وهو ما يعطي لبنان مساحة إضافية في البحر أكبر من 860 كلم2 هي أصلاً له.

من جهتها، تشدد الخبيرة في مجال حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان لـ"العربي الجديد" على أن حصر التفاوض بـ860 كيلومتراً مربعاً لا يصب أبداً في مصلحة لبنان.

وتقول "قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2020، صرحت شركة توتال بأنها ستبدأ بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية ولا مشكلة لديها في ترسيم الحدود باعتبار أن اعمالها ستكون خارج المنطقة المتنازع عليها، وقررت تبعاً لذلك الحفر أولاً في البلوك رقم 4 ونزلت حوالي 4 آلاف متر، بيد أنها لم تجد شيئاً في المكمن الذي كانت تبحث فيه".

وتضيف "أرجئت عمليات الاستكشاف والعمل في البلوك رقم 9 لأسباب عدة، منها جائحة كورونا والوضع الاقتصادي في لبنان وعوامل أخرى خارجية، على أن يبدأوا في أغسطس/آب 2022، ولاحقاً سمعنا وزير الطاقة وليد فياض يوم ذهب إلى فرنسا يقول غامزاً من قناة شركة توتال، إنها أبدت مخاوف من العمل لأسباب أمنية، أي أنها ربطت رسمياً للمرة الأولى ترسيم الحدود بالبلوك رقم 9".

وبالتالي تقول هايتيان "حصل ضغط إذاً، والشركة الفرنسية لن تعمل قبل وضوح الرؤية بما خص الترسيم وتحتاج إلى ضمانات، وقبل تصريح وزير الطاقة لم تكن هناك معادلة لا ترسيم ولا تطوير الحدود".

اعتراف لبنان بالخط 23 على الرغم من قوة موقفه الذي فاوض على أساسه أي خط 29، وتأكيد عون عدم التوقيع على تعديل المرسوم، حققا ما كان يريد الإسرائيلي والأميركي سماعه وسيمهدان طريق الوسيط هوكستين لتقديم تفاصيل أكثر عن مقترحاته

وتردف "أما ما يحكى ويربط بقول الأميركيين بضرورة الاستعجال بالحل باعتبار أن لبنان الوحيد بين دول المنطقة الذي لم يقم بالاستكشاف وتطوير حقوله، وأن التأخر قد يفقد البلد الاستفادة من موارده ويضع مخاطر كبيرة على الغاز العائد له... فهو في غير مكانه".

وتشرح أن "الاستفادة ستكون طويلة المدى، وللدخول إلى السوق ربطاً بالعقود التي ستوقعها توتال مع المستهلك وتكون لعشرين عاماً حتى أن الحكومة اللبنانية قالت إننا نحتاج من 7 إلى 10 سنوات لتطوير الحقول المكتشفة".

وتشير في المقابل إلى أن لبنان يستخدم التطلعات الإيجابية للحصول على تمويل من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي والجهات المانحة، ويوجه رسالة للدائنين بأنه قادر على تسديد ديونه لكونه يمتلك الغاز والنفط، وهذا أسوأ ما يمكن التعويل عليه وقد وقعت بلدان كثيرة بالفخ إذ قامت بالاستدانة وعجزت عن الإيفاء بالتزاماتها.

وتؤكد أن الغاز والنفط لن يكونا منقذين لاقتصادنا الذي يحتاج إلى خطوات سريعة لا إلى "كسب" لن يبدأ قبل عام 2030 و2040 وأكثر، من هنا المطلوب القيام بالإصلاحات وخصوصاً على صعيد قطاع الكهرباء.

في سياق ثان، تقول هايتيان إن اعتراف لبنان بالخط 23 على الرغم من قوة موقفه الذي فاوض على أساسه أي خط 29، وتأكيد عون عدم التوقيع على تعديل المرسوم، حققا ما كان يريد الإسرائيلي والأميركي سماعه وسيمهدان طريق الوسيط هوكستين لتقديم تفاصيل أكثر عن مقترحاته.

وتضيف هايتيان أن تصريح عون أراح الجانب الإسرائيلي وتحديداً عمل شركة "إنرجين" بعدما توقف لبنان عن المطالبة بحقل كاريش، ولا نستغرب تبعاً لذلك أن تبدأ سفينة FPSO بالإبحار من سنغافورة لبدء مهمتها باستخراج الغاز من حقل كاريش ولا سيما أن "حزب الله" أعلن أنه يقف وراء الدولة في هذا الملف، بحيث لم يعد لديه حجة القيام بأي عمل عسكري على المحطة العائمة، وبالتالي ستكون الشركة موجودة خلال 35 يوماً في حقل كاريش، وفي هذا الوقت يكون هوكستين بدأ بإعطاء تفاصيل عن الحل الذي يطرحه.

وتلفت إلى أن "من مقترحات الوسيط الأميركي التفاوض بين الخطين 1 و23، وهو ما قبلنا به رسمياً بعد تصريح عون، وتوزيع الحقول من دون المشاركة في الإنتاج يعني أن يأخذ لبنان حقل قانا كله".

وتردف "إن المبادلة بين حقل كاريش وحقل قانا لا يمكن أن تحصل الآن، فتوزيع الحقول أصبح يصب في 860 كيلومترا مربعا، وهنا يجب أن تقوم شركة بإجراء مسح جيولوجي على هذه المساحة وتحدد الحقول المحتملة، وعندها يمكن الحديث عن مبادلة".

المساهمون