الحرب والجفاف و"قنبلة القمح" الموقوتة

02 يونيو 2022
الجفاف يؤثر على إنتاج أميركا من الحبوب (Getty)
+ الخط -

يتلقى سوق الغذاء العالمي حالياً ضربات متتالية وموجعة، ضربة تلو الأخرى دون توقف لالتقاط الأنفاس، والنتيجة حدوث قفزات في أسعار الحبوب كالقمح والذرة والشعير وغيرها بدرجات جنونية لم تحدث منذ سنوات طويلة، ومع هذه القفزات والحديث عن نفاد مخزون القمح العالمي خلال عشرة أسابيع فإن مخاوف انفجار قنبلة القمح في وجه الجميع تزداد يوما بعد يوم.

منذ نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، تلقى سوق الغذاء العالمي ضربة قاسمة من حرب أوكرانيا، وما تبعها من تعثر الإمدادات الغذائية من الدولتين المتحاربتين، روسيا وأوكرانيا، واللتين تغذيان أسواق العالم بنحو 30% من احتياجاته الغذائية.

ضربة جديدة لسوق الغذاء بسبب زيادة الجفاف والتصحر ونقص الأسمدة وارتفاع كلفة الإنتاج، وهو ما يهدد محصول الحبوب في آسيا وأوروبا وأميركا

وقبلها شكل تعطل سلاسل التوريد والموجة التضخمية التي اجتاحت كل دول العالم ضربة أخرى لسوق الغذاء حيث رافقتهما زيادة في الأسعار، والآن جاءت ضربة الجفاف الثالثة لتزيد متاعب الدول المستوردة للغذاء، وتغذي شرارة الأسعار، وتقلل المعروض من الحبوب في الأسواق والصوامع.

الضربة الجديدة جاءت بسبب زيادة موجة الجفاف والتصحر ونقص الأسمدة وارتفاع كلفة الإنتاج، وهو ما يهدد محصول الحبوب الحالي في قارات آسيا وأوروبا وأميركا.

فقد انضم الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة وسوء الأحوال الجوية، وأحيانا زيادة الأمطار، إلى عوامل أخرى باتت كلها تهدد العديد من دول العالم بالجوع، وتؤثر سلبا على سوق الغذاء، وتعرقل إمدادات الحبوب خاصة من القمح والأرز.

مثلاً، تأثر إنتاج القمح الأميركي سلباً هذا العام بمشكلة الجفاف التي حدثت في الشتاء، والأمطار الغزيرة المتواصلة خلال فصل الربيع، وهو ما يهدد بحدوث مزيد من النقص في إمدادات الحبوب العالمية، وخاصة أن الولايات المتحدة هي رابع أكبر مصدر للقمح في العالم، وأن نصيبها من صادرات القمح هو 14%.

في فرنسا تراجع إنتاج محاصيل القمح والشعير بشكل حاد، مع استمرار الطقس الجاف في أكبر دولة منتجة للحبوب في الاتحاد الأوروبي

ولذا قد يؤثر تراجع إنتاج القمح الأميركي على الأمن الغذائي العالمي، في وقت لا يستطيع فيه العالم تحمل خسارة المزيد من الإمدادات من الحبوب الأساسية وسط أزمة الغذاء المتفاقمة وقفزات الأسعار.

وفي فرنسا تراجع إنتاج محاصيل القمح والشعير بشكل حاد، مع استمرار الطقس الجاف وعدم هطول الأمطار ودرجات الحرارة المرتفعة في أكبر دولة منتجة للحبوب في الاتحاد الأوروبي.

وفي الهند، أدى الجفاف وموجة الحر الشديدة والمبكرة ونقص الأسمدة إلى انخفاض إنتاج القمح، وهو ما دفع السلطات إلى اتخاذ قرار بحظر الصادرات الغذائية من القمح والسكر، وهو القرار الذي أربك الأسواق الدولية، وخاصة وأن الهند ثاني أكبر منتج للقمح في العالم. كما أنها تدرس ضم الأرز إلى قائمة الحظر.

وفي الصين، قال وزير الزراعة تانغ رنجيان، الشهر الماضي، إن محصول القمح الشتوي من المرجح أن يكون قليلاً، بسبب الفيضانات والتأخيرات في الزراعة.

وعلى الرغم من ضعف صادرات الصين من الحبوب بسبب الكثافة السكانية، إلا أنها تأتي في صدارة الدول المنتجة للقمح عالمياً في عام 2020 بإنتاج 134.25 مليون طن، ثم الهند بإنتاج 107.59 ملايين طن، ثم روسيا 85.89 مليون طن.

امتدت موجة الجفاف إلى المنطقة، فالمغرب يتوقع انخفاض إنتاج الحبوب 69% هذا العام بسبب الجفاف، وتكرر المشهد في سورية والأردن

وامتدت موجة الجفاف إلى الدول العربية، فالمغرب يتوقع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 69% هذا العام بسبب الجفاف.

وفي شمال شرقي سورية، أدى الجفاف المدمر إلى تدهور محاصيل القمح والشَعير في منطقة الجزيرة، ولجأ كثير من المزارعين إلى بيع حقول القمح والشعير لمربي المواشي، بسبب سوء نمو هذه المحاصيل الناتج عن تراجع كمية الأمطار هذا العام والجفاف الذي أصاب الكثير من الأنهار في المنطقة التي تعتبر سلة سورية الغذائية، وكانت حتى سنوات قليلة ماضية مصدر القمح، إذ بلغ إنتاجها نحو مليون طن.

وتكرر المشهد في الأردن حيث شهد المملكة شحاً في كمية الأمطار، ما أثر سلبا على قطاعي زراعة المحاصيل وتربية المواشي، وهما القطاعان الاكثر تضررا من ندرة الامطار وتراجع هطلها خلال الموسمين الماضيين.

وأثر الجفاف والتصحر والعواصف الترابية المتكررة وتراجع الأمطار وشح المياه وانخفاض مستويات الأنهر التي يعانيها العراق، سلبا على القطاع الزراعي مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار الوقود والبذور والأسمدة، إلى جانب تداعيات الحرب في أوكرانيا.

في ظل هذه التطورات المخيفة، فإن العالم بات يتحدث عن قنبلة سمّاها "قنبلة القمح"، خاصة مع توقع اتحاد تجار الحبوب الأوكراني (يو.جي.إيه)، أمس الأربعاء، تراجع إنتاج محصول أوكرانيا من القمح في العام الجاري 2022، بنسبة 44% ليصل إلى 19.2 مليون طن، مقابل 33 مليون طن سجلها في العام 2021.

فهل يمكن أن تنفجر تلك القنبلة الغذائية في وجه الجميع مرة واحدة، وخاصة أنه لا توجد مؤشرات إلى أن الحرب الأوكرانية ستضع أوزارها في القريب العاجل، ومعها يتوقف صوت المدافع، وتستأنف الدولتان المتحاربتان صادرات الحبوب.

المساهمون