البحرين والتطبيع وسراب الانتعاش الاقتصادي

البحرين والتطبيع وسراب الانتعاش الاقتصادي

22 سبتمبر 2020
مظاهرات شعبية في المغرب ضد التطبيع الخليجي
+ الخط -

كان متوقعاً أن تكون البحرين الدولة التالية بعد الإمارات في ركوب موجة التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني، ومع تطبيع العلاقات رسمياً، صار السؤال: هل قامت الحكومة البحرينية بإعداد لائحة بالفوائد الاقتصادية التي ستنالها وتعود عليها من تطبيعها مع الكيان الصهيوني الذي يأخذ ولا يعطي ويخذل ولا ينصر؟ أم جُرّت إلى قطار حتمية التطبيع قبل سبعة أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يكافح الرئيس دونالد ترامب من أجلها إلى آخر رمق وباستخدام الوسائل الممكنة كافة لنيل رضا مموِّلي تلك الانتخابات واللوبي الصهيوني المسيطر على السياسة الأميركية وأنصار إنعاش الاقتصاد الأميركي بالمليارات الخليجية. 

يبدو أنّ ورشة عمل "السلام من أجل الازدهار" التي استضافتها المنامة في منتصف العام الماضي تحت الرعاية السامية للبيت الأبيض جاءت بنتائج أسرع مما توقَّع أكثر المتفائلين، ويتَّضح كذلك أنّ صفقة القرن التي تتبناها إدارة ترامب تسير كما تمَّ التخطيط لها حرفياً.
وبالرغم من الجهود البحرينية الحثيثة لإرضاء الثنائي الأميركي - الإسرائيلي، تبقى نسبة عدم اليقين كبيرة جدّاً في ما يتعلَّق بالفوائد الاقتصادية التي ستعود على البحرين من التطبيع مع إسرائيل، فالاقتصاد البحريني يتخبط حالياً في أزمة اقتصادية ومالية خانقة نتيجة التبعات السلبية لجائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، إذ تخطى الدين العام للبحرين حاجز 15 مليار دينار بحريني أي ما يعادل 39.76 مليار دولار في السنة الجارية نتيجة لاقتراض ما قيمته 1.250 مليار دولار في مارس/ آذار 2020 لتسديد سندات مستحقة الدفع في نهاية نفس الشهر، ويُقدر المبلغ السنوي للفوائد على الديون التي تدفعها الحكومة بـ 640 مليون دينار بحريني أي ما يعادل 1.696 مليار دولار.
هكذا يفوق الدين العام في البحرين ناتجها الإجمالي المحلي الذي من المُتوقَّع أن يصل في نهاية العام الجاري إلى 14.7 مليار دينار بحريني أي ما يعادل 38.9 مليار دولار، وهذا ما يدقّ ناقوس الخطر ويشير إلى أنّ هذا البلد الخليجي ليس ببعيد عن هاوية الإفلاس، وأنّ مواطنيه ولاسيَّما الفقراء منهم سيكونون أوّل من يدفع ثمن الانزلاق نحو تلك الهاوية. ومن المُتوقَّع أن يقترب العجز في الميزانية مع نهاية عام 2020 من 2.2 مليار دينار بحريني أي ما يعادل 5.8 مليارات دولار وما يُمثل في الوقت ذاته 15.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 4.6 بالمائة فقط عام 2019. 
كما أفادت وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية بأنّ البحرين ستحتاج إلى مزيد من الاقتراض بعد تراجع احتياطاتها الأجنبية التي وصلت إلى 290 مليون دينار بحريني أي ما يعادل 768.82 مليون دولار فقط في إبريل/نيسان 2020، وهو أدنى مستوى تصل إليه تلك الاحتياطات منذ سنة 1990.

ونتيجة للندوب الاقتصادية الغائرة التي خلَّفتها أزمة انخفاض أسعار النفط وكورونا المزدوجة، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني الأميركية العالمية "فيتش" في أغسطس/آب 2020 عن تخفيض التصنيف الائتماني للبحرين من "-BB" إلى‬ "+B". 
وكلما تدهورت المؤشرات الاقتصادية الكلية ارتفع منسوب عدم الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب في الاقتصاد البحريني وقدرة البحرين على سداد ديونها، وهكذا يعتبر اللجوء إلى الاقتراض والإجراءات التقشُّفية المُسكِّن المؤقت للآلام الاقتصادية القوية التي ستعاني منها البحرين على المدى القصير والمتوسط والطويل. 
ويعتمد هذا البلد الخليجي ذو الوضعية الاقتصادية الضعيفة، مقارنة بجيرانه، على المساعدات الخارجية وتحديداً الخليجية، فقد حصلت البحرين على حزمة مساعدات مالية، لدعم عملتها وتجاوز أزمة الائتمان، بقيمة 10 مليارات دولار سنة 2018 من السعودية والإمارات والكويت، وارتهان البحرين للمساعدات الخليجية لا سيَّما السعودية والإماراتية يجعل قراراتها السيادية تحت سيطرة هاتين الدولتين، وهذا ما يُفسِّر وجود البحرين في مقدمة طابور الدول العربية الموافقة على التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني.
لم تبرِّر الحكومة البحرينية إلى حدّ الساعة كيف سيخدم هذا التطبيع رؤيتها الاقتصادية لعام 2030 والتي تهدف، كما تقول، إلى تحويل الاقتصاد البحريني من "الريادة إقليمياً إلى المنافسة عالمياً"، فهل سيكون هناك تعاون تكنولوجي، تجاري، استثماري، غذائي ومائي على أساس قاعدة رابح-رابح؟

وهل سيكون هناك تعاون ثنائي عسكري مفيد للطرفين وامتصاص بحريني للقدرات والخبرات العسكرية الإسرائيلية؟ وهل ستضمن البحرين بعد هذا التطبيع استمرار الحماية الأميركية التي ستضمن بدورها عدم انقطاع حبل المساعدات المالية السعودية والإماراتية؟ الاحتمال الأكثر واقعية في ما أصبح يعرف بـ"اتفاقات أبراهام" يفيد بأن الثنائي إسرائيل-أميركا أو ترامب-نتنياهو هو المستفيد الأكبر، المباشر والوحيد من هذا التطبيع، حيث يعوِّل الاقتصاد الإسرائيلي الراكد حالياً على الانتعاش من خلال إرسال الشركات الإسرائيلية المتعطِّشة للمليارات الخليجية من أجل الاستثمار واقتناص الصفقات الخيالية وإغراق الأسواق الخليجية بالسلع الإسرائيلية.
الأهم من ذلك اكتساب التأييد الخليجي للتوسع في خطة الضم الإسرائيلية من أجل إطلاق العنان لاستكمال مشاريع البنية التحتية وتمويل المشاريع الاستثمارية التي ستحوِّل إسرائيل إلى المركز الاقتصادي والمالي الرئيسي في المنطقة، وستجعل من المناطق المُستولى عليها "سنغافورة الشرق الأوسط"، وإذا كانت البحرين تترقب التحول إلى مركز مصرفي عالمي كأولى ثمار تطبيعها مع إسرائيل، فحلمها ما زال بعيد المنال ولن يكون إلا مجرد ضرب من ضروب المحال في الأجندة الأميركية-الإسرائيلية.
خلاصة القول إنّ البحرين تجري خلف السراب والوهم بتطبيعها مع إسرائيل التي تزداد قوّة وطغياناً مع انضمام الدول العربية الواحدة تلو الأخرى لقافلة التطبيع التي ستسوقهم لا محالة نحو الهلاك العربي الجماعي العاجل غير الآجل. 
فخطة التطبيع، التي أشرف على هندستها وتجسيدها على أرض الواقع صهر الرئيس الأميركي ومستشاره جاريد كوشنر، تهدف بالدرجة الأولى إلى تحويل البحرين وغيرها من الدول العربية إلى قطيع يتسابق ليلقى حتفه، وتسعى من ناحية أخرى إلى تلميع صورتي ترامب الذي يكافح للبقاء داخل البيت الأبيض، ونتنياهو الذي يصارع للبقاء خارج قضبان السجن الأسود.

المساهمون