الاقتصادات الكبرى في أزمة عميقة... تعرّف إلى المؤشرات والأسباب

18 نوفمبر 2022
+ الخط -

الاقتصاد العالمي "كئيب"، بحسب توصيف صندوق النقد الدولي، مع ارتفاع مخاطر الاقتصادات الكبرى خاصة في الركود خلال العام المقبل، مشيراً إلى توقعات نمو قاسية ستطاول غالبية الدول الكبرى في العالم حتى ما بعد عام 2023. 

ويشير الصندوق إلى أن النمو في الاقتصادات المتقدمة لن يتعدى 2.4% نهاية هذا العام، ليتراجع إلى 1.1% في العام المقبل. والحال يتكرر في منطقة اليورو مع نمو 3.1% في 2022، ليهبط إلى 0.5% في 2023. فيما تبقى توقعات النمو الاقتصادات الناشئة والنامية على حالها خلال العامين المقبلين عند 3.7%.

وتؤكد بيانات الصندوق أن الدول التي ستعاني من الانكماش في 2023 هي ألمانيا وروسيا وإيطاليا، فيما تحوم دول كبرى حول الانكماش، وهي فرنسا والبرازيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا.

والشهر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي، توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2023 إلى 2.7% أقل بمقدار 0.2% عن التوقعات السابقة في يوليو/ تموز، وذلك بانخفاض من نسبة 6% تحققت في العام الماضي.

ويمثل النمو الاقتصادي في العام المقبل بحسب التقديرات أضعف أنماط النمو على الإطلاق منذ عام 2001 باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية والمرحلة الحرجة من جائحة "كورونا".

تضارب في الرؤية

وتتضارب وجهات النظر حول الأزمة الاقتصادية، إذ أعلنت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الاثنين أن إنهاء الحرب في أوكرانيا هو الطريقة الأفضل لمعالجة مشاكل الاقتصاد العالمي، في رسالة واضحة إلى روسيا قبل قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا. فيما شدد برونو لومير من جهته على الحاجة إلى العمل للتخفيف من الآثار الاقتصادية للنزاع. وقال وزير الاقتصاد الفرنسي "أعتقد أن القضية الأولى المطروحة على الطاولة هي سبل خفض أسعار الطاقة وكيفية التخلص من التضخم".

من جهتها، خفضت أوبك مطلع الأسبوع توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2022 للمرة الخامسة منذ أبريل/ نيسان وقلصت أيضاً رقم العام المقبل مشيرة إلى تحديات اقتصادية متصاعدة بما في ذلك ارتفاع التضخم والزيادات في أسعار الفائدة.

وقالت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في تقرير شهري إن الطلب على النفط في 2022 سيرتفع 2.55 مليون برميل يومياً أو 2.6% بانخفاض 100 ألف برميل يومياً عن التوقعات السابقة. وأضافت أوبك في التقرير "دخل الاقتصاد العالمي فترة من عدم اليقين وتحديات متزايدة في الربع الرابع من عام 2022".

وذكرت أن "مخاطر الهبوط تشمل ارتفاع التضخم والتشديد النقدي من قبل البنوك المركزية الرئيسية، والمستويات المرتفعة للديون السيادية في العديد من المناطق، والشح في أسواق العمل، واستمرار القيود على سلاسل التوريد".

أسباب الركود

ويلفت صندوق النقد في تقريره إلى أن ضعف الاقتصاد العالمي آخذ في الازدياد وسط مخاطر الهبوط. حيث هناك ثلاثة عوامل رئيسية تلقي بثقلها على توقعات النمو العالمي: أولها التضخم المرتفع والواسع النطاق بشكل مستمر ما يستلزم تشديد السياسة النقدية في العديد من الاقتصادات الكبرى.

والسبب الثاني أنه لا يزال زخم النمو في الصين ضعيفاً وسط عمليات الإغلاق المتقطع للوباء وتفاقم أزمة سوق العقارات، وآخر الأسباب تتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات المرتبطة به والتي تساهم في استمرار انقطاع الإمدادات وزيادة انعدام الأمن الغذائي والمخاوف المتعلقة بالطاقة، لا سيما في أوروبا وسط انخفاض حاد في إمدادات الغاز الروسي.

كما يشير إلى أن تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا سيضر بشدة بالنمو ويرفع التضخم. قد يتطلب التضخم المرتفع لفترات طويلة زيادات أكبر من المتوقع في أسعار الفائدة، وزيادة تشديد الأوضاع المالية العالمية، وزيادة مخاطر أزمة الديون السيادية على الاقتصادات الضعيفة. وبرأيه، ستستمر الأحداث المناخية الشديدة على نحو متزايد، بحسب الصندوق، في إلحاق الضرر بالنمو في جميع أنحاء العالم.

ويعد خفض التضخم أولوية سياسية رئيسية، كما هو الحال مع معالجة مستويات الديون المرتفعة مع حماية الفئات الأكثر ضعفاً. كما يستلزم استمرار الصدمات العالمية المتعددة في جانب العرض اتخاذ موقف سياسي أكثر إحكاماً لتسهيل التكيف مع الحالة الجديدة للعالم، بحسب الصندوق.

وتوقع أن تستمر السياسة النقدية في التشديد في معظم دول مجموعة العشرين، على الرغم من أن مدى التشديد خاص بكل بلد. حيث يظل التضخم مرتفعاً وأسواق العمل ضيقة، هناك حاجة إلى معدلات فائدة أعلى. في بعض الحالات التي تغيب فيها الضغوط التضخمية وعلامات الانهاك، يمكن للبنوك المركزية أن تكون أكثر حذراً وتسمح بموقف أكثر توسعية.

وستحتاج السياسة المالية إلى التشديد في العديد من الاقتصادات لمعالجة مواطن الضعف المتعلقة بالديون وتجنب العمل ضد جهود السياسة النقدية لخفض التضخم. إن الدعم الموجه للفئات الضعيفة التي تكافح مع ارتفاع التضخم وأسعار الطاقة يجب أن يقابله توفير في أماكن أخرى. ويتطلب الانتعاش القوي والمستدام والمتوازن والشامل عملاً مشتركاً من قبل مجموعة العشرين.

إجراءات مطلوبة

تلعب مجموعة العشرين دوراً حاسماً في الحفاظ على روابط التجارة والاستثمار العالمية وتحسينها، بحسب تقرير الصندوق، فيما تأمين السلام في أوكرانيا أمر أساسي.

في الوقت نفسه، يمكن لمجموعة العشرين اتخاذ إجراءات لمواجهة التحديات العالمية والمساعدة في منع المزيد من الأزمات. من شأن التجارة القائمة على القواعد الأكثر انفتاحاً واستقراراً وشفافية أن تساعد في معالجة النقص العالمي في السلع. من شأن تعزيز مرونة سلاسل القيمة العالمية أن يساعد في الحماية من الصدمات المستقبلية، وفق الصندوق.

ويعتبر الصندوق أن الانتعاش الدائم يتطلب اتخاذ إجراءات متعددة الأطراف بشأن المناخ، والديون، والضرائب، والتأهب للأوبئة. ويلفت إلى أن حزمة السياسات الفعالة أمراً بالغ الأهمية للوصول إلى الأهداف المناخية بموجب اتفاقية باريس.

وإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من التقدم في الجهود المبذولة لمعالجة مستويات الديون المرتفعة وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض في العديد من الأسواق الناشئة الضعيفة والاقتصادات ذات الدخل المنخفض، بما في ذلك عن طريق تعزيز الإطار المشترك لمجموعة العشرين لمعالجات الديون. يجب تسريع تنفيذ اتفاقية الضرائب الدولية. وينبغي، بحسب الصندوق، أن يستمر العمل متعدد الأطراف للبناء على التقدم المحرز في التأهب لمواجهة الأوبئة.

المساهمون