قوة الدولار وتداعياتها على الاقتصاد العالمي

قوة الدولار وتداعياتها على الاقتصاد العالمي

27 سبتمبر 2022
الدولار القوي يضعف النمو العالمي (الأناضول)
+ الخط -

لم يسلم أصل من الأصول المالية حول العالم من التصدع أمام قوة الدولار الأميركي الحالية، على خلفية رفع البنك الفيدرالي معدلات الفائدة بأعلى وتيرة منذ الثمانينات من القرن الماضي، وبدعم من تصاعد المخاطر الجيوسياسية حول العالم، فكانت هناك تداعيات سلبية كبيرة في العديد من البقاع حول العالم.

واعتاد المستثمرون حول العالم على الهرولة باتجاه الدولار مع تصاعد المخاطر، حتى لو كان منشؤها هو الأراضي أو الأسواق الأميركية، كما حدث خلال أزمة الرهون العقارية قبل ما يقرب من عقد ونصف.

وخلال الفترة الماضية، لم تنزح الأموال من الأسواق الناشئة وحدها، وإنما تعرضت الاقتصادات المتقدمة أيضاً للضغوط، حيث سجل الجنيه الاسترليني يوم الإثنين أدنى مستوياته على الإطلاق، وانخفض اليورو تحت مستوى التعادل مع الدولار، وصولاً إلى 96 سنتاً، للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاماً، بينما تدخل البنك المركزي الياباني لإيقاف تدهور سعر الين للمرة الأولى فيما يقرب من ربع قرن، بعد خسارته خمس قيمته.

راغوران راجان، الأستاذ في كلية بوث للأعمال بجامعة شيكاغو والمحافظ السابق لبنك الاحتياط الهندي، يرى أن "موجة صعود الدولار الأميركي مازالت في بدايتها".

ويشير راجان، الذي عمل لفترة كاقتصادي في صندوق النقد الدولي، إلى توقعه البقاء في بيئة معدلات الفائدة المرتفعة لبعض الوقت، "وهو ما سيؤدي إلى تراكم نقاط الضعف"، معرباً عن قلقه من "تأثير السياسة النقدية الأميركية، والدولار القوي، على بقية دول العالم".

ويضيف راجان "قد تتعمق ضغوط ديون الاقتصادات الناشئة، لأن الدولار القوي يجعل الديون المقومة بعملة الدولار الأميركي أكثر تكلفة".

ووفقًا لمعهد التمويل الدولي (IIF)، فإن حكومات الاقتصادات الناشئة لديها 83 مليار دولار من الديون المقومة بالدولار  مستحقة بحلول نهاية العام المقبل. وحذر البنك الدولي الأسبوع الماضي من أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو الركود و "سلسلة من الأزمات المالية".

وسعت سريلانكا للحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وتبعتها باكستان، قبل أن تنضم صربيا إلى القائمة الأسبوع الماضي. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تلقى صندوق النقد الدولي 20 طلبًا للإغاثة من 16 دولة عضو. ومنذ الوباء في عام 2020، قام المقرض الدولي الذي يمثل الملاذ الأخير بتوزيع 268 مليار دولار على أكثر من 90 دولة من أعضائه.

وفي ورقة بحثية حديثة صادرة عن صندوق النقد الدولي، يقول اقتصاديو الصندوق إن الدولار القوي يؤدي إلى فرض ضغوط انكماشية على الاقتصاد العالمي، "كون دور أسواق رأس المال الأميركية والدولار أكبر بكثير مما يوحي به الحجم النسبي للاقتصاد الأميركي". ويوضح الصندوق "أسواق أميركا المالية هي أسواق العالم، وعملتها هي الملاذ الآمن في العالم، وبالتالي، فعندما تغير التدفقات المالية اتجاهها من أو إلى الولايات المتحدة، يتأثر الجميع".

وبررت كلمات اقتصاديي الصندوق ما شهدناه خلال الأشهر السابقة، حين تأثرت الاقتصادات الناشئة بانخفاض قيمة عملاتها أمام الدولار الذي تسعر به الحبوب التي تستوردها تلك الدول، كما تأثرت الاقتصادات الأوروبية بارتفاع فاتورة استيراد الطاقة المسعرة أيضاً بالدولار.

ويقول مارتين وولف، الكاتب البريطاني والمحلل الاقتصادي الذي صدرت له عدة كتب عن الاقتصاد الدولي وأزماته، إن ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا "أدى إلى زيادة التضخم وإضعاف الطلب الحقيقي في نفس الوقت".

ومع التأثيرات السلبية التي لا تتوقف حول العالم لارتفاع الدولار، ظهرت بعض الأفكار الداعية إلى تدخل منسق في سوق العملات، على غرار ما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي، مع اتفاقيات البلازا ثم اللوفر، أولاً لإضعاف الدولار ثم لتحقيق الاستقرار فيه.

لكن وولف يدفع بأن الفرق بين الظروف وقتها وحالياً هو أن "التدخل الجماعي السابق كان متوافقاً مع ما أرادته الولايات المتحدة آنذاك، وهو ما جعله يتماشى بشكل موثوق مع أهدافه المحلية" في البلدان المختلفة.

ويؤكد وولف "حتى يرضى بنك الاحتياطي الفيدرالي عما يتجه إليه التضخم، سيكون من المستبعد أن يحدث ذلك حالياً"، موضحاً "من غير المرجح أن يحقق التدخل في العملة الذي يهدف إلى إضعاف الدولار من قبل دولة واحدة، أو حتى عدة دول، ما تم تحقيقه من قبل".