كِتابة تركية تحت سُلطة الرقابة: منعٌ بمبرّرات سياسية وأخلاقية

كِتابة تركية تحت سُلطة الرقابة: منعٌ بمبرّرات سياسية وأخلاقية

26 مارس 2023
ياووز إكينجي
+ الخط -

تَشهد الأوساط الثقافية التركية في هذه الأيام صراعاً كبيراً بين عددٍ غير قليل من الكُتَّاب مع السلطة الثقافية في تركيا، وهو ما لا يمكن النظر إليه بعيداً عن الصراع السياسي الحادِّ في البلاد في السنوات الأخيرة، وخصوصاً في هذه المرحلة السابقة للانتخابات الرئاسية.

وقد تعرّض، خلال الأسبوعين الماضيين فقط، كتابان لسلطة الرقابة في تركيا، وهُما الرواية المُصوَّرة "عاهرات المعبد" للروائي أحمد أوميت، الصادرة عن "دار إيفرست" عام 2007، ورواية "مُقسِّمو الحلم" للروائي ياووز إكينجي، الصادرة عن "دار دوغان كتاب" عام 2014؛ حيث قرّرَت "لجنة وزارة الأُسرة والخدمات الاجتماعية المعنية بحماية القاصرين من المنشورات الضارة" عدم عرض كتاب أوميت على أرفف المكتبات، ومنع بيعه إلّا في مظاريف مختومة، حيث اعتبرت اللجنة أنّه كتابٌ مسيء وفاحش، نتيجةَ التحقيق الذي فتحه مكتب المدّعي العام في إسطنبول.

جديرٌ بالذكر أنّ القيود على الكتب وعدم السماح ببيعها إلّا في مظاريف مختومة يَعني أن يُمنع بيعُها في المعارض والمكتبات وعند الباعة الجائلين، وأن يُمنع نقلها من مكان لآخر بغرض العرض، كما يجري منع الإعلان عنها في الصحف والمجلّات والإذاعة والتلفزيون، وأن يُمنع عرضُها على القاصرين، سواء مقابل أجر أم مجّاناً، وتُمنع أيضاً من دخول المدارس والأماكن المشابهة.

اعتَبر أوميت أنّ هدف المنع ترهيبُ المؤلّفِين المُعارِضين

وقد ذكر أحمد أوميت، المولود في مدينة غازي عنتاب عام 1960، والذي يُعدّ أحد أبرز كُتَّاب الرواية البوليسية في تركيا، في تصريحات صحافية، "أنّه لم يجر إخطاره بهذه القضية، وأنّ الهدف الرئيسي من هذا المنع هو ترهيب المؤلّفِين المُعارِضين. لقد سجنوا ناظم حكمت لمدّة 15 عاماً، وكُتُبه هي الأكثر تداوُلاً في تركيا اليوم، ومن منعه هو الذي يشعر بالخزي. وقتلوا صباح الدين علي، وكتبه يقرأها الملايين اليوم، لكن من قتله يعيش في خزي. نفس الشيء سيحدث مرّةً أُخرى، لكنّني قلق على بلدي".

ومن المعروف عن أوميت تاريخه اليساري المعارض ونشاطه في الحزب الشيوعي التركي، الذي اضطرّه لمغادرة تركيا في منتصف الثمانينيات إلى موسكو، وقد حصلت روايته الأُولى "ليلة حافية القدمين" (1992) على "جائزة فريد أوجوز باير للفكر والفنّ" في نفس العام. اتّجه بعد ذلك إلى كتابة الأدب البوليسي، وصدرت له عدّة أعمال، أبرزها: "الضباب والليل" (1996)، و"رائحة الثلج" (1999)، و"باب الأسرار" (2008)، و"صروح إسطنبول" (2010)، و"اغتيال السلطان" (2012). وتُرجمت أعماله إلى العديد من اللّغات، كما حصل على أكثر من جائزة أدبية داخل تركيا وخارجها.

كما أكَّد أوميت على أنّ كتابه هزلي، وأنّه ليس للأطفال، بل للكبار، وأضاف: "لا يريدوننا أن نفكّر ونتصرّف بحرية. هذه الضغوط على الفنّ من أجل تطوير فهم خاص بهم وفرض هذا الفهم على الفنّانين. إنّ وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية هي المسؤولة عن حماية أطفالنا، لكنّهم غير محميّين. إنّنا في السنوات الأكثر إساءة للأطفال".

الصورة
عاهرات المعبد - القسم الثقافي
غلاف "عاهرات المعبد"

ولم تمرّ سوى بضعة أيام على القرار المتعلّق برواية أوميت، حتى فوجئ الروائي ياووز إكينجي بقرار محكمة الجنايات السابعة، وبطلب من مكتب المدّعي العام في إسطنبول، بمصادرة جميع نسخ روايته "مُقسِّمو الحلم" وحظر طباعتها وتوزيعها، بدعوى احتوائها على دعاية لحزب العمّال الكردستاني.

اللافت للانتباه أنّ هذه الرواية أيضاً قد طُبعت وبيعت منذ تسع سنوات، وعلّق إكينجي على هذا القرار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: "مصادرة هذا الكتاب الآن لا تخدم تركيا الحالية ولا تركيا المستقبلية. هل ستُصدر المحكمة مذكّرة توقيف بحقّ أبطال روايتي وتضعهم في السجن؟".

وأضاف إكينجي المولود في مدينة بطمان عام 1979، وهو كردي الأصل، أنّه "من غير الممكن أن تُحظَر الكتب، فقد حُظرت كتب ناظم حكمت ونجيب فاضل من قبل، وها هي تعيش بيننا حتى الآن. هذا أمر مؤسِف للغاية، وأنا حزين لما حدث أيضاً للكاتب أحمد أوميت في الأسبوع الماضي".

الصورة
رواية مقسمو الحلم - القسم الثقافي
رواية "مقسّمو الحلم"

جدير بالذكر أنّ إكينجي، الذي يُعد أيضاً من أبرز الروائيّين في تركيا اليوم، قد أصدر العديد من المجموعات القصصية والروايات، التي أثارت جدلاً واسعاً في تركيا، بسبب تناولها لقضايا شائكة. ومن أبرز أعماله: المجموعة القصصية "موتى على ظهري" التي حصلت على "جائزة خلدون تانير" عام 2005، ورواية "أراضي الجنة المفقودة" (2012) التي تروي قصّة مذابح الأرمن، وقد حوّلها المخرج تايفور أيدين إلى فيلم سينمائي، وحصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في "مهرجان إسطنبول السينمائي" الدولي الحادي والثلاثين، ورواية "قلق النبي" (2018).

وأصدرت "جمعية الناشرين الأتراك" و"نادي القلم التركي" و"اتّحاد الكتّاب الأتراك" بياناً بعنوان "استمرار حظر الكتب" بشأن الكتب المحظورة والرقابة. وأبرز ما جاء فيه: "إنّ القرارات التي اتُّخذت بشأن هذه الأعمال الأدبية الثمينة، التي تابعها القرّاء في جميع أنحاء العالم وفي بلدنا باهتمام وإعجاب، تبعث على القلق والحزن. مع كل حظر على الكتب، يجري المساس بالحقّ في حرية التعبير والنشر الذي يكفله دستورنا ويضرّ بمبدأ المجتمع الديمقراطي. إنّ هذه القرارات تُضفي الشرعية على الرقابة، وتعمل أيضاً على تعميم الرقابة الذاتية بين الناشرين. نلفت انتباه الجمهور إلى أنّنا نتابع بقلق هذه الانتهاكات التي تحدث في بلادنا وما شابهها، وتتعارض مع حرية النشر".

مع كلّ حظر على الكتب، يجري المساس بالحقّ في حرية التعبير

وأخيراً، أدان كثيرٌ من الكُتَّاب الأتراك قرارات الرقابة المطبَّقة على كتابَي أحمد أوميت وياوزز إكينجي، من بينهم الروائية بوكت أوزونِر التي كتبت على حسابها الشخصي في "تويتر": "الكتب لا تُفسد الناس والأخلاق، ولكن الإفلات من العقاب للمغتصبين واللصوص والقتلة هي التي تفعل ذلك. أدين الرقابة المُطبَّقة على كتب أحمد أوميت وياووز إكينجي".

ومن جهته، اعتبر الروائي والمترجم ماهر أونسال إريش أنّ "الرقابة على إكينجي وأوميت سياسية وغير مقبولة"، كما أدانت الكاتبة التركية نرمين يلدريم ما حدث للكاتبَين، ووصفت على صفحتها الشخصية ما حدث بأنه "عودةٌ إلى العصر الحجري".

المساهمون