خمسون يوماً من الإبادة

خمسون يوماً من الإبادة

30 نوفمبر 2023
من خانيونس بغزّة، 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

بعد خمسين يوماً من حرب الإبادة، لم يخرج الكيان من هذيانه القمعي. ما يزال يتهدّد ويتوعّد. إنّ مشكلته، اليوم وغداً، أنّ هذيانه جذّاب للغاية، لأنّه محميّ بأعتى السلاح، وبغطاء مالي وسياسي ودبلوماسي، فوق التصوّر، من قوى الغرب كافّةً، تحت قيادة اليانكي الأبيض. محمي بالإمبريالية في أحدث نسخها: الإمبريالية التي هي مجد الرأسماليّين الماليّين المبارِك في اغتيال كل بارق إنساني، وإزاحته عن خانة المصالح.

مهما كابرنا وغمغمنا: مهما حاولنا ألّا "نتطرّف"، لأنّنا واقعون تحت هيمنة الغرب، من الجهات الأربع، فإنّ الحقيقة هي الحقيقة: هؤلاء هُم شرّ الأرض. هؤلاء لا ينفع معهم سوى القوّة. هذه عبرة التاريخ، لمن يجيد قراءة تاريخ البشر.

يدمّرون أساسيّات الشعوب، ثم لا بأس من نظرة خيرية وبعض المساعدات، لمن تبقّى منهم، على شرط أن يكون تابعاً وعبداً، وعلى شرط ألّا يتمرّد في المستقبل. يجعلون أعلى حلمك أن تتلقّى فُتاتهم، وأن يصدح لسانك بالشكر والامتنان. مسخرة.

الغرب منذ خمسة قرون، مسخرة. ولأنّنا نجاوره، ولأنّ بلادنا تتمتّع بإمكانيات شتّى، لم ولن ننجو من صراع المخالب، مهما توهّمنا أنّ الطاعة له، بمقام أهون الشرور والأكلاف.

لا رأسمالية بدون تنكيل وتقويض: لا رأسمالية بدون خراب عميم

باسم الديمقراطية تُباد بلدان، وتُنثر شعوبها في مهبّ الشتات (أميركا اللاتينية وأفريقيا، غرب آسيا، وصولاً إلى شرقها)، ثم يكتسب طريق الهجرة، زخمَ منتهى الأمل. باسمها يتمّ تعزيز ديكتاتوريات من القرون الوسطى، لن يخرج رجالها من كراسيهم إلّا بالموت. باسمها تنوس الحياة في عروق كلّ حيّ في تلك الجغرافيات، إن لم يُقتل، فإنه لا يموت ولا يحيا. وباسمها تُنزع من فطرة الطفل، الأحلام. باسمها تصحو وتنام أجيال جديدة في العالَم، بصحة نفسية أسوأ.

هذا هو حصاد مليارات البشر من النظام الرأسمالي. لا رأسمالية بدون تنكيل وتقويض: لا رأسمالية بدون خراب عميم.

الرأسمالية أقصر الطرق إلى الجحيم. وصورة أميركا الرمزية هي دراكولا. ولأنها تبلع العالَم بالقسر والجبروت، فلا مجال لمقاومتها إلّا باللغة نفسها. كن قوياً، تهابك ولا تقترب منك. لا مفرّ من أن تتقن شعوب الكوكب تعليم الغرب فنّ الإحباط، على الأقلّ... هذا أضعف اللازم.

أميركا هي شرّ للبيع، مهما تحاشيته، ومهما حرصت على العمل لحسابك الخاص، سيطلع لك، في تبديّات واقعك، فإن تأخّر قليلاً، ستجده في مناماتك أو في بريدك الوارد. أميركا لنخبتها الحاكمة، ربح خالص ومُطلق، ولشعوب الكوكب جمعاء، خسارات مستمرّة. ومستحيل سدّ الفجوة بين الطرفين. أميركا لصّة الكوكب بامتياز، ولأنّ مالها المنهوب من خبز الشعوب هو الأكبر، وهو مقياس وسيّد كلّ شيء، فإنها تتّجه بشكل مهووس، إلى امتيازات قادرة على النجاح بتنسيقات مختلفة. إنّها في حال من النشوة، لأنّ فلسطين (مجمّع أسرار الحياة الطيبة)، مع كلّ دول المنطقة، هي جوهرتها الاستعمارية الأعلى ولؤلؤة التاج. أمّا أنت يا شعبي، يا حبّة القلب، فليس إلّا "وأعدّوا لهم ما استطعتم"، وليس إلّا اليقظة الجامحة، وتحسين الدرع الاجتماعي، بما استطعتم، على قلّته، والرباط، حتى يدور الأفق، فيفعل الله أمراً كان مفعولاً.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
 

المساهمون