أتراك اختاروا الوطن العربي مكاناً لسردهم (1- 2)

أتراك اختاروا الوطن العربي مكاناً لسردهم (1- 2)

20 سبتمبر 2023
أطلال بيت جناب شهاب الدين في بكر كوي بإسطنبول عام 2021 وقد أصبحت ساحته مصفّاً للسيارات
+ الخط -

إلى جانب الكتّاب والشعراء الأتراك الذين وُلِدوا ونشأوا في مدن عربية، الذين استعرضنا في مقالة سابقة على هذه الصفحة تجارب ثلاثة منهم: أحمد هاشم، ويعقوب قَدْري (كارا عثمان أوغلو)، وبَكِر إلهامي (تيز/ الطُّوَيْبي)، ثمّة أُدباء أتراك اختاروا الوطن العربي مكاناً لسردهم أو أدبهم. سنقف هنا عند ثلاثة من أبرزهم: أحمد مدحت أفندي، وجناب شهاب الدين، وفالح رفقي (آطاي)، على أن نُتابع في المقالة القادمة مع رفيق خالد (كاراي)، وعبد الحقّ حامد.


أحمد مدحت أفندي

يُعتبر أحمد مدحت أفندي من أكثر الأسماء إبداعاً في الأدب التركي. كان أحدَ الأعضاء في فريق مدحت باشا الذي تم تعيينه والياً لبغداد. وهو أوّلُ رئيس تحرير لـ"جريدة الزَّوْراء" التي صدرت في بغداد عام 1869. أمضى ثلاثَ سنوات في بغداد قبل عودته إلى إسطنبول. تدور أحداثُ خمسِ روايات لأحمد مدحت أفندي في الوطن العربي. له ثُلاثيّةٌ تتضمّن الروايات التالية: "حَسَن الملّاح أو الأسرار المتداخلة"، و"ذيل لحَسَن الملّاح"، و"حُسين الفَلّاح". 

خمسٌ من روايات أحمد مدحت تدور أحداثُها في الوطن العربي

تركز أحداث الرواية الأولى من الثلاثية على التجارة والقرصنة في البحر الأبيض المتوسط في نهاية القرن الثامن عشر، والأحداث تدور في إسبانيا، والمغرب، وفرنسا، والإسكندرية، وإسطنبول، ودمشق، ومالطا، والجزائر. وتتناول الرواية الثانية الاحتلال الفرنسي لمصر وتداعياته. أما الرواية الثالثة فتدور أحداثها في الأراضي الأفريقية وخاصة في الجزائر.

الصورة
أحمد مدحت - القسم الثقافي
أحمد مدحت

له رواية أُخرى تحت عنوان "سُليمان مُسْلي"، يناقش فيها الحروب الصليبية، ونضال العرب ضدّ الصليبيّين وقلعة آلَمُوت وحُرّاس حَسَن الصبّاح. الرواية تُشيدُ بالعرب والذكاء العربي. أما رواية "مشاهَدات" فهي قصة سيّد نعمان أفندي الذي هاجر إلى إسطنبول بسبب سياسات التغريب للخديوي عباس باشا الأول.


جناب شهاب الدين

لقد أُرسل الكاتب جناب شهاب الدين الذي تخرّج في "كلية الطب العسكرية"، إلى جدّة عام 1896 كمفتّش صحّي. كتب انطباعاته عن الحجاز والقاهرة والأهرامات والإسكندرية والعراق وبورسعيد وعدن ودمشق والقدس ونابلس في أعماله التالية: "على طريق الحج" (1909)، و"آفاق العراق" (1914)، و"رسائل عن سورية" (1918).

دوّن جناب شهاب الدين ملاحظات مهمّة عن سورية والعراق

في كتابه "آفاق العراق" يُميّز الكاتب بين العرب والبدو، فهو يرى أنّ للعرب روحاً ذكيّة واسعة. والعرب أناس مفعمون بالحيوية يحبّون الكلام. إلّا أن البدو يعيشون حياة رتيبة. لذلك يعيشون اللحظة مثل الأطفال، ويرون كلّ شيء كلعبة. في طريقه إلى بغداد، صادف الكاتب قافلة شيعية، فبدأ يقدّم معلومات مستفيضة عن الشيعة. عندما وصل إلى بغداد ذات صباح بعد رحلة دامت ستة أيام عبر نهر دجلة، شعر وكأنه أمام مدينة من مُدُن الألف ليلة وليلة التي زيّنت أحلامه. إذ يكتب جناب شهاب الدين: "بغداد! يا له من اسم جميل، ما الذي يُوحي لي هذا الاسم الجميل، ما الرؤى الواسعة والآمال الشعرية التي يرفعها لي. الآن يُمكنني أن أتذكّر حكايات ألف ليلة وليلة وهارون الرشيد وزبيدة وسلام البغدادي وأحمد جَلايير وهولاكو وحافظ باشا والسلطان مراد الرابع وغيرهم الكثيرين".

الصورة
شهاب الدين - القسم الثقافي
جناب شهاب الدين

في "رسائل عن سورية" يكتب شهاب الدين ملاحظاته خلال الفترة التي كان فيها بسورية بدعوة من جمال باشا، قائد الجيش الرابع. في هذه الرسائل، لا يُهمل الكاتب الإشادة بجمال باشا المعروف بسياساته القمعية في المنطقة. كما يكتب ملاحظاته الاجتماعية أينما ذهب. من هذه الملاحظات "أنّ أهل دمشق أناس مبتسمون ومفعَمون بالحياة، يُسهِبون في الحديث ويبالغون في ما يمكن الحديث عنه في بِضْع جُمَل. لا يمرّ بالمرء الشعور بالوحدة في دمشق. ففي كل خطوة، تلتقي عيناك بأُلفة من صميم القلب... لا أتذكّر أنني تذكّرتُ الموتَ في دمشق".


فالح رفقي (آطاي) 

أما الكاتب فالح رفقي (آطاي) فهو شخصية مُقرّبة من أعيان "حزب الاتحاد والترقّي"، خلال الأزمات السياسية التي واجهتها الدولة العثمانية، وقد شغل منصب نائب قائد الجيش الرابع جمال باشا في سورية. لذلك فهو من أقرب الشهود على أحداث هذا البلد وجبهة القناة. وصف فالح رفقي هذه الشهادات بالتفصيل في عملين مُهمّين، هما: "النار والشمس" الذي كتبه عام 1918 في دمشق، و"جبل الزيتون" الذي كتبه عام 1932.

الصورة
فالح رفقي - القسم الثقافي
فالح رفقي

يروي كتاب "النار والشمس" قصصَ أبطال مجهولين قاتلوا في الصحاري. والكاتب منزعجٌ من إلقاء اللوم على الجنود في هزيمتهم بهذه الحروب، ويُدافع عنهم بسرد قصصهم الملحمية، حيث يعلّق قائلاً: إنّ ابنَ الأناضول يذهب إلى البلدان التي لا يعرف حتى اسمها ويُقاتل ثم يختفي دون أن يترك أثراً لنفسه هناك. يتضمّن الكتاب الكثير من قصص الجنود أثناء معركتهم في حرب القناة وحرب غَزّة.

الصورة
جبل الزيتون - القسم الثقافي

أما في "جبل الزيتون" فيهدف إلى سرد ما حدث في سورية وفلسطين والحجاز. وهنا ينتقد الكاتبُ الدولةَ العثمانية لعدم قدرتها على السيطرة على الوطن العربي، حيث يقول: "العربُ يُعرِّبون كلَّ من يتعاملون معهم. الأمرُ نفسُه ينسحب على الأتراك، فالأتراك عُرِّبوا بعد أن تواصلوا مع العرب، بخلاف العرب الذين لم يتحوّلوا إلى أتراك. لذلك، لم يستعمر العثمانيون الأراضي العربية ولا جعلوها وطنهم".


* أكاديمي ومترجم تركي، أستاذ اللغة العربية في "جامعة غازي" في أنقرة
 

موقف
التحديثات الحية

المساهمون