"البوط" العسكري ومكرمات القائد!

15 اغسطس 2018
+ الخط -
الكثير من المدافعين عن "البوط" العسكري، حامي حمى سورية، وسيادة الحاكم الطاغي بشار الأسد وعصابته المجرمة لم يخلص منهم أحد، إلى اليوم، ناهيك عن تقليل البعض من أصحاب حملة الشهادات العلمية، المشتراة والمدفوع ثمنها مسبقاً، من الدور الكبير الذي لعبته بلاد الحضارة التي آوت نزوح السوريين وغيرهم، واحتضنتهم، وقدمت لهم ما بوسعها من أشكال الرعاية الصحية والتعليمية، وبالمجان، فضلاً عن الاهتمام والدعم المادي المجزي.

نقول، وبكل صدق، ما قُدّم لهم تعجز دولةُ الطغاة، وحكومة "البوط" العسكري، التي يُدافع عنها الكثير من المنتفعين والمرتزقة، ويعيشون اليوم، في ظلّها من أن تقدمه لهم!.

كفاكم تدبيج التعقيبات التي لم تعد تقنع الصغير ولا حتى الكبير... وحدكم من صار يُؤهل أمثال هذه النُخبة المجرمة، ويُمجّد بها على حساب الدول التي رعت أبناء سورية وآوتهم، وسعت إلى نجدتهم ودعمهم مادياً ما يكفي حاجتهم ويزيد، بدلاً من العوز والفقر اللذين عانوا منهما طوال المرحلة التي عاشوا فيها في ظل بلد عجز عن حماية أهله، وعصابة مجرمة لا تعرف إلاّ القتل والتنكيل طريقاً!.

وماذا قدم نظام فاسد قاتل لشعبه، غير البراميل المتفجّرة، واستخدامه أنواعاً متعدّدة من الأسلحة الفتاكة في سبيل الخلاص منه، وبشهادة العالم. ألا تنكرون ذلك؟. عودوا إلى رشدكم، وكفاكم تطبيلاً وعجزكم عن قول الحقيقة. طبيعي أنكم غير قادرين على البوح بها.


اهنؤوا بحماة الديار الذين اعتدوا على المواطن السوري، وكانوا أول من بادروا إلى نهب بيته و"تعفيشه" عن بكرة أبيه، ونحن سنظل نفاخر ونفاخر ببلاد أوت تشردنا وضياعنا، وها نحن اليوم نعيش مكرّمين، وبدعم مادي مجزٍ يكفي عجزنا ويزيد .. فأيّ بلد نفكر في العودة إليه؟.

هنا ولدنا، وهنا نعيش ونفخر كل الفخر بما قدم لنا، والعطاء مستمر ولم يتوقف، ويشتمل على مئات الآلاف من المهجّرين السوريين وغيرهم، إذا لم يتجاوز الملايين.

ألا تكفي إنسانيتهم، التي يستهزئ بها مُدَّعو الثقافة، وما أدراكم بها؟. طبيعي أنَّ دفاع البعض من المثقفين سيكون انتحاراً وتقديم الولاء من أجل الحفاظ على مكانتهم الوظيفية وما سبق أن استفادوا منها من نهب وسرقة، وهم كثر!.

لنقل الحقيقة، أو نلوذ بالصمت الوسيلة الأنجع، لأنكم غير محقين في عوائكم المستفحل، وغير قادرين على إنصافنا، وإنصاف البلاد الأجنبية التي تؤكدون على أننا طالما نتغنى بها، وبعطاءاتها بدون مبرر.

نعم، سنظل نتغنّى بها، وبأهلها الطيبين البسطاء الذي أفاضوا علينا بوافر خيراتهم، ولم يقصّروا في تواصلهم واحترامهم، وتسهيل كل الإجراءات التي حدت من معاناتنا، وحاجتنا.

وبالمقابل إذا ما نظرنا إلى المعونات، وتدفقها المتلاحق، بالنسبة إلى اللاجئين في دول الاتحاد الأوربي، يختلف تماماً عمّا كانت تقدمه حكومة بشار الأسد وعصابته من فتات لا يليق بتاتاً بالمواطن السوري، وهو بالكاد يَسدُّ رمقه لأيام.

والكل يعرفُ حجم المعونة الاجتماعية التي كان يجري توزيعها على الأسر الفقيرة المستحقة، والمعاناة التي تحمّلوها، وبقرف شديد، من أجل الحصول على حفنة من الليرات السورية، ما يُعادل 80 دولاراً عن كل ثلاثة أشهر في العام للأسرة المكوّنة من 8 أفراد، والأزمة التي سبق للمواطن الفقير أن بلعها، وعلى مضض، من أجل الحصول عليها، قبل اندلاع الثورة بسنوات.

وإن حقّقت المعونة رغبات الكثير من المواطنين، لما قدمته من مساعدة ومعالجة لاحتياجات الأسر الفقيرة التي انتظرت صرفها، والإفراج عنها بعد جهد جهيد، إلاّ أنَّ المشاهد التي رأيناها في حينها كان لها أكبر الأثر في انصراف الأغلبية عن الخوض في متاهاتها نتيجة عواقبها المخجلة، والتي تحمّلها المواطن على مضض، رغم انتظاره الطويل، في حين صرف النظر عنها كثير من المستحقين عن الوقوف مطولاً لاستلامها، مفضلاً المكوث في منزله، بدلاً من التسابق عليها!.

وفي بلاد اللجوء، أو النعيم، كما يحلو للبعض أن يسميها، فالمواطن البالغ يصرف له أكثر من 850 يورو في الشهر، وهذا يكفي عوزه.. ناهيك بالرعاية الصحية الأولية، والدواء المجاني، والتعليم، ووو فما بالك بربّ الأسرة؟! فهذا يحتاجُ إلى عملية حسابية بسيطة.

إنَّ المعونات التي تقدمها الدول الأوروبية، والتي تعرّض قسم منها لإرهاب "داعش"، واحتضنت مئات الآلاف من اللاجئين، تُشكر عليها.. ولا تزال، وستظل تفتح صدرها وقلبها لكل من يستطيع الوصول إلى أراضيها.

شعب طيب، كريم ومضياف. وعلى فكرة فإنَّ السيارة الخاصة سعرها رمزي جداً لمن يريد اقتناءها.. ولا حاجة فعلية لها هنا، والسبب هو توافر وسائل النقل، وبالمجّان...

إنّها بالفعل بلاد النعيم!!.
هنيئاً لشعب تمثله قيادة مجبولة بالحب والولاء، واهتمامه الجارف باللاجئين، ومد يد العون لهم. شعب يستحق الحياة..وإن هو يختلف عنّا وعن طباعنا، إلاّ أنه يظل فيهم من التقاليد والمثل والشيم العربية ما يُفرحنا.. ولنتعلم نحن منهم، وهذا ما يحيجنا إلى الكثير من الإدراك والحواس وحتى التعافي.. وفهم الناس قبل أن نحكم عليهم، على أنهم العدو الأول لنا، وهم من أجج المشكلة بسورية ورموا أهلها بنيران لن تنطفئ، وهذا حكم الجاهل الذي لم يحالفه الحظ بالوصول الى تلك الديار العامرة.

وهذا ما يؤكده ويصرّ عليه، وللأسف، الكثير من الأشخاص المدافعين عن نظام الأسد الذي لابد أنه إلى زوال... بل ويجزمون على أنه من أفضل ما تكرّم به المواطن السوري، وفاز بسيد يخدم مصالحهم ويرعاها ويخاف عليهم.. وشبهه أحدهم على أنه الإله الأوحد، ولا غير سواه.. هو من حمى سورية "بالبوط" العسكري وبرجاله اللصوص.

إنهم عُصبة لاتعرفُ الرحمة، بل تتسابق إلى إذلال الناس وسرقة أموالها، والعمل على تهجيرها من بيوتها، وبتوجيه قائدها. هكذا هو ألا يكفي؟.. ورغم كل هذه المبادئ السامية التي يتحلّون بها فإنّهم يُفاخرون، وبكل وقاحة، بالرئيس الملهم وبإنجازاته رغم كل مساوئه...!!

إنَّ الدول الأوربية التي يدّعي الكثيرون أنها هي من أسهمت في الحرب السورية، وكان لها أيدٍ خفية في ذلك، نقول لهم وبالفم الملآن:

إنَّ تلك الدول هي التي احتوت مئات الآلاف، واحتضنتهم، بل وأنقذتهم من الغرق المحتّم وأوصلتهم إلى بَرّ الأمان، في حين أغلقت الدول الشقيقة والاسلامية أبوابها، وسدّت منافذ العبور بوجههم.. ليس لأي هدف سوى حق الإنسان في العيش بكرامة.

وإنَّ من يقتل الإنسان ويذبحه هم من أبناء جلدته. فالأخ لم يُقصّر من الاجتثاث من أخيه الإنسان، وإن من سرق البيوت هم الجيران أنفسهم، وإن من قام بفكّ وسرقة المعامل وباعها للأتراك هم أهلنا وإخوتنا!.

في الدول الأوروبية، مسكنك وعلاجك وتعليم أولادك بالمجان، مع دخل شهري يكفيك أن تعيش بكرامة.

أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا غامرت بمستقبلها السياسي، وكادت تخسر رئاسة الحكومة بسبب تفاقم مشاكل اللاجئين، واليوم مستعدة لمنح 3000 يورو لكل لاجئ يرغب في العودة طواعية إلى بلاده، ولا ننسى بالمقابل أنَّ الدول الغربية ليس لها أي هدف أو طمع بخبرة مهندسينا ومفكرينا وغيرهم، كما يظن البعض من المغالين.

إنَّ أكثر الأطباء والمهندسين والفنيين، وأهل الخبرة السوريين وغيرهم الذين سبق لهم وأن لجأوا إلى أوروبا لا تعترفُ تلك الدول بشهاداتهم العلمية إن لم يتعلموا لغة البلد الذي لجأوا إليه، وعلى أن يمارسوا فيه الدورات التدريبية المهنية المتخصصة، ما يعني تأهيلهم بصورةٍ صحيحة حتى يتسنى لهم ممارسة أعمالهم بحرفية عالية.

أخيراً نقول: ليس كلُّ من هاجر وهُجّر وهرب خائناً... ولا كل من ظل في البلد شريفاً ومنتفعاً.
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.