خاشقجي والقتلة المارقون... من قتل من؟

23 أكتوبر 2018
+ الخط -
هي أغبى عمليات الاغتيال في العصر الحديث وأشدها غرابة وأكثرها وحشية وأوضحها خيوطا.. وجه فيها القتيل الرصاصة في رأس قاتله وبدأت رغم سريتها التي أريدها لها كأنها فيلم مرعب يعرض لأول مرة عرضا مباشرا على الهواء ليشاهدها العالم بأسره.

جمال خاشقجي الكاتب الصحافي الإنسان يدخل إلى قنصلية بلده لاستخراج أوراق الزواج ويتعرض للقتل بأبشع طريقة ويحرم حتى من حق الدفن والصلاة عليه بل ويحاول القاتل إنكار الجريمة المرسومة على جبينه والتي ستلاحقه مدى الزمن.

يتساءلون من قتل جمال؟ ويتبادلون الروايات الساذجة المضحكة المبكية.. والحقيقة أنهم جميعا شاركوا بجريمة قتل جمال إن لم يكن بالقول فبأفعالهم وإنكارهم حقه في المعاملة الإنسانية كغيره من البشر.

قتله الأمير المدلل ولي العهد المثير للجدل محمد بن سلمان حين أصدر أوامره بتصفيته بتهمة النقد وهي تهمة أشد من حيازة المخدرات في عالمنا العربي.. فلقد كان نقد جمال رغم هدوئه ورزانة عقله أخطر على بن سلمان من رصاصات أعدائه.. فالأمير مدان وإن أنكر، وإن لم يكن جنائيًا فسياسيًا.


قتلته كتيبة الإعدام الخمسة عشر بقيادة طبيب التشريح الذي نفذ عملية تقطيع الجثة مع سبق الإصرار والترصد ومثل بجثته بكل حيوانية وبشاعة وكان يستمع للموسيقى ولا يبالي..

قتله زملاؤه في مهنة الإعلام وخاصة في الإعلام السعودي والمصري حين أنكروا موته ولفقوا التهم وسبوا وشتموا وحاولوا إخفاء الحقيقة بل خاضوا في عرض الرجل وعرض خطيبته.. في سقوط أخلاقي ومهني لا يغتفر وسيخلد في تاريخ الإعلام.

قتله إمام الحرم عبدالرحمن السديس وهو يقف على منبر أعظم بقعة في الأرض ويقف في المكان حيث كان يقف الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحاول إنكار الجريمة الشنعاء وتحويلها إلى جهاد من أجل الوطن وولي الأمر.. وكأن حياة الإنسان في فقه السديس رخيصة جدا ولا تساوي عنده مثقال ذرة فليته سكت كان أشرف له.

قتله شيوخ آخرون مع السديس منهم صالح المغاسمي الذي شبه منشار بن سلمان بسيف خالد بن الوليد وقتله بقتل خالد لمالك بن نويرة أيام ما يعرف حروب الردة التي أعادتنا إليها القيادة السعودية الجديدة.

هؤلاء هم علماء السلطان أصحاب الفتاوي تحت الطلب يظهرون عند الضيق لإعانة الحاكم على ظلمه ويحلون له ما يشتهيه ويحرمون حتى نقده وقد حق فيهم قول الكواكبي في كتابه الأشهر طبائع الاستبداد ومصارع العباد: إنه ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قداسة يشارك بها مع الله أو تعطيه مقاما ذا علاقة مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله.. لكأن الكواكبي يتابع حياتنا اليوم وهذه الكمية من الفتاوي المشبوهة لعلماء باتوا مشبوهين.

ولم يكن هؤلاء فقط الذين خاضوا في دماء خاشقجي فقد أبت الجامعة العربية وعدة دول عربية اعتادت على تصفية معارضيها، إلا المشاركة في الجريمة التاريخية.. حين أعلنت الوقوف إلى جانب القيادة السعودية صاحبة المنشار الأشهر في العالم وعلى طريقة انصر أخاك ظالما أو مظلوما، ابتدعوا طريقة أخرى غير انصر أخاك لأنه قادر بماله وكل قادر كما قيل فاجر..

ولأنها جريمة فريدة من نوعها كان التخبط الفريد من نوعه في المواقف السياسية العربية.. فالبيان قبل الاعتراف غير البيان بعده، وكذلك حال المتخبطين وإنّ في حالهم لعبرة وليتهم يذكرون.

لقد رحل جمال خاشقجي ليعيش، وبقي أميرهم محمد بن سلمان لكي يموت.. فالكاتب المرموق سيذكره العالم بمواقفه ليثنوا عليه ويقتدوا به ويترحموا عليه، وأما الأمير فقد صار نكتة ومثالا للغباء في العالم وصارت دولته ونظامه أشبه بمدن الديستوبيا وهي عكس المدن الفاضلة، الدولة المخيفة غير المرغوب فيها، يتنفر منه الأصدقاء قبل الأعداء، ذلك كتاب التاريخ اليوناني الحاضر في بلاد الحرمين وهو حاضر سيسطره التاريخ بين صفحات صحافي بيضاء وسطور سوداء تكتب عن أمير قاتل لم يسلم منه عالم ولا صحافي ولا طفل بأرض صنعاء التي أحرقها.

نعم قتلوا جمال خاشقجي وخسرناه وقال كلمته ومشى ولكنه انتصر عليهم وهو مقطع الأعضاء بعدما انتصر عليهم بسطور كان يكتبها لتمزق عرشا أظهر كم هو ضعيف ومهزوم أمام كلمة جمال؟

فأي نظام ذالك الذي يهتز من كلمة وتفزعه حتى يرتكب مثل هذه الحماقات؟ بل أية دولة تلك التي تصفّي الناس داخل القنصليات وبهذه الطريقة؟
D127B5A7-B6C4-4CC3-AB0D-021CE7601547
الشيخ محمد المختار دي

صحافي بفضائية القناة التاسعة وكاتب بمواقع عربية. حاصل على إجازة أساسية في علوم الإعلام والاتصال من معهد الصحافة بتونس، وعلى بكالوريوس أداب من جامعة نواكشوط، ومقيم في إسطنبول.