شتاءُ شجرة

04 ديسمبر 2017
+ الخط -
أولُ أيامِ الشتاء..

أولُ سحابةٍ شتويةٍ سمينةٍ تقررُ التمهلَ عندنا..
تتباطأُ في مرورِها فوقي..
ثم تحْدِجُني بنظرةٍ سريعة.. لكنها خبيرةٌ وكاشفة..
أطأطِئ أغصاني وفروعي خجلاً من نظراتها..
لا أرتاحُ عندما يكشفُني أحدٌ من علِ..
أتُراها ترى الأتربةَ والأدرانَ التي نالتني منذُ الربيعِ الماضي؟
لا ريبْ! أنا نفسي أشعرُ بثقلِ أنفاسي.. وبانسدادِ مسامي!
في الأشهرِ القليلةِ الماضيةِ أرهقني بؤسُ لوني ومظهري..
لم أعدْ أهتمُ بنفسي..
لم أعدْ أتمايلُ مع أنغام النسيم..
ولم أعدْ أريحيةً مع مكوثِ العصافيرِ الشقيةِ على أغصاني..
حتى أصواتُها الرقيقةُ البريئةُ صارت تثيرني..
أظنُه اكتئابَ الخريف..
أو أظنني كالنساء.. يذبلني الترك.. ويحييني الاهتمام..
تذكرتُ تلك السيدةَ الرقيقةَ في الجوار..
أصابها ما أصابني من أدْرانِ أهلِ الأرض..
ظلَّت شهوراً طويلةً تعاني ذبولاً وبؤساً واضحاً..
حتى جاءها حبيبٌ أطال الغياب..
فوجدتها تغتسلُ وتتجملُ وتشتري حللاً ملونةً جديدة..
وتتفتحُ من جديد..
ما أسعدها! وما أتعسني!
أنا حبيسةُ مكاني هذا.. تقيدني جذوري بالأرضِ كالأصفاد..
من أين لي بذاكَ الحبيب؟
وكيف لأسيرةِ الأرضِ مثلي أن تتجمل؟

يستغرقْني حزنٌ كبير..
وأشعرُ بالأسى لنفسي..
ولا ألبثُ حتى أجدَ السحابةَ الرماديةَ التي كانت تبدو متغطرسةً متجهمة، وقد رقتْ لحالي، وأمطرتني بأولِ دفقاتِ المطرِ الشتوي المنعش..
أنفضُ حباتِ الماءِ عن أوراقي.. وأنتعش..
أنظرُ لنفسي وقد كستني نضرةُ شبابي من جديد..
وأشعرُ بفيضِ خيرٍ يملؤني ويفيض على كل جيراني..
تكسوني رقةٌ وطيبةٌ تجذبُ لي العصافيرَ والقططَ من جديد..
أوراقي تتراقصُ مع رياحِ الشتاءِ الباردة..
أظنُها لا تدركُ ما يحملهُ الشتاءُ لها من مصير..
أفكرُ.. ربمَّا كان سقوطُها خيراً..
ربمَّا يعوضُني اللهُ حياةً جديدةً.. وأوراقاً جديدةً.. وعودةً جديدةً لروحي..
تلك التي دائماً ما تخبو.. ويحييها مطرُ الشتاء..
6FDFDD52-19D3-452D-B4D5-4BCBF97AF6F3
أماني عيّاد

مدونة مصرية حاصلة على بكالوريوس علوم تخصص كيمياء، وبعدها "ليسانس" آداب لغة إنجليزية، من جامعة الإسكندرية حيث تقيم. عملت بالترجمة لفترة في الولايات المتحدة.

مدونات أخرى