فرط الرمان

20 نوفمبر 2017
+ الخط -
غريب هو فرط الرمان! شعور متدرج مختلط متبادل يصدر مني نحو الرمانة وبالعكس. أختلي بالثمرة الممتلئة المتحفظة ذات التاج الملكي الصغير أعلى رأسها وأتناول السكين وأهم بجرحها، فأراها تطرق في تسليم النبلاء. أشفق على ضعفها السامي وأتردد قليلا. ثم أدقق في تفاصيل استداراتها ذات الزوايا الخفيفة قاصدة إيجاد نقطة لا تدمي صغارها بالداخل. تحيرني كل النقاط وأتراجع.

أسمع ساعتها تنهيدة ارتياحها وتنفسها الصعداء، فأبتسم وأربت على أحد جانبيها وأضع السكين جانبا. فترد ابتسامتي بمثلها مصحوبة بنظرة ود صادق يدشن صداقة وليدة. ألتفت لتاجها البريء الذي يذكرني بتيجان ابنتي وهي طفلة تلاعب عرائسها وتتشبه بملابسهم. وأقرر أن أستخدم أصابعي لتفريق أجزاء التاج الصغير وسحبها للأسفل لإزالة القشرة القرمزية الوقورة.

أحرص على الحفاظ على اتصال بصري مطمئن مع الثمرة الصديقة حتى لا أقلقها أو أخسر صداقة بدأت بالكاد. وعندما أفرغ من خلع ردائها الملكي الفخم، تذهلني هندسة داخلها ككل مرة! ذهولا لا ينقصه ماضي المعرفة ولا التكرار والتعود!


كيف بالله تتحملين أن تتحفظي يا صديقتي على كل هذا الحسن؟! ألا يثقلك كل هذا الجمال؟! ألا تخطر لك مباهاة باقي المخلوقات بكل هذا النظم والهندسة والألوان والفن التشكيلي المذهل؟! ألا تفكرين أبدا في خلع الحجاب كما يفعلن؟! وحسنك أضعاف أضعاف حسنهن مجتمعا! أسبح الله ككل مرة. أسبحه مرات كثيرة. ثم أطالع صديقتي بنظرة امتنان أن كانت سببا في اقتراب مؤقت مع الله.

ربما تصبحين يا صغيرتي يوما رفيقتي في الجنة. بالتأكيد سأجعل لشجرتك ركنا خاصا في حديقتي هناك! ثم أعود للنظر للحبات الحمراء المتوهجة رائعة الحسن.. وأطري على نفسي لأنني لم أطعن أيها بسكيني الغاشمة.

أقلب الثمرة العارية بيدين حريصتين وألمس نعومتها وتفصيلاتها بأنامل المحب. أنامل من يعشق هذه التفاصيل ويتمنى أن يعتصرها ليتوحد معها تماما، ثم يعود ويشفق على رقة البتول وغضاضتها، فيكتفي بملامسة خفيفة تنقل على ضعفها كل الوجد المكتوم. أراها الآن تسقط تلقائيا أول حباتها القرمزية الصغيرة. أتساءل إن كانت تسقطها دمعة فرح أن أدركت أن حبا عظيما يجمعنا! وأنها تعطيني بها إذنا بقطف باقي حبات قلبها الغض الذي سيسكنني للأبد!

ألمس بعدها الحبات بطرف إصبعي فتسقط بلا مقاومة. أتأكد عندها مما بيننا وأنظر للسماء بكل امتنان وشكر. فها هو حب جديد يوجد عند أطراف أصابعي.. ويأتيني من حيث لا أحتسب.. وأفكر.. ألم يأتني دوما من حيث لم أحتسب؟!
6FDFDD52-19D3-452D-B4D5-4BCBF97AF6F3
أماني عيّاد

مدونة مصرية حاصلة على بكالوريوس علوم تخصص كيمياء، وبعدها "ليسانس" آداب لغة إنجليزية، من جامعة الإسكندرية حيث تقيم. عملت بالترجمة لفترة في الولايات المتحدة.

مدونات أخرى